معادلة “الاستعداد والجاهزية للتدخل”: اليمن يحافظُ على انتصار جبهة المقاومة

|| صحافة ||

في إطلالته بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك، وضع السيدُ القائدُ عبدُالملك بدر الدين الحوثي “الاستعداد والجاهزية” كعنوان أَسَاسي للمرحلة القادمة فيما يتعلق بالصراع مع جبهة العدوّ الصهيوني الأمريكي على مستوى كُـلّ ساحات الاشتباك، الأمر الذي يرسخ واقع حضور الجبهة اليمنية في الصراع بسقفها المفتوح على مختلف الاحتمالات وبمسار تأثيرها التصاعدي الذي يصعب إحباطه أَو عرقلته، وهو ما تؤكّـده في المقابل، الدلالات المُستمرّة على انسداد أفق كُـلّ مسارات التصعيد العدوانية لدى جبهة العدوّ بمختلف أطرافها.

السيد القائد أكّـد مجدّدًا على الاستعداد الكامل للتدخل العسكري في حال انقلاب العدوّ على اتّفاق وقف إطلاق النار في غزة أَو لبنان، مصرِّحًا بشكل واضح أن “كيان العدوّ بأكمله وفي المقدمة يافا المحتلّة، سيعود تحت النيران” في حال عودة الحرب.

وتغطِّي هذه الرسالة الصريحة والمباشرة عدة جوانب من المشهد، حَيثُ تُمَثِّلُ رَدًّا واضحًا على محاولات العدوّ المُستمرّة للتنصل عن التزامات وقف إطلاق النار في غزة من خلال رفض الدخول في المرحلة الثانية ورفض الانسحاب من محور رفح، وكذلك مساعيه للانقلاب على الاتّفاق مع حزب الله، من خلال رفض الانسحاب الكامل من جنوب لبنان، حَيثُ يهدف العدوّ من خلال هذه المساعي المدعومة من الولايات المتحدة بشكل كامل إلى تفريغ الاتّفاقَينِ من مضمونهما، وإبقاء جزءٍ مهم من مسارات التصعيد والعدوان على غزة ولبنان قائمًا تحت مِظلة الاتّفاق المجمَّد عمليًّا.

ويأتي تحذير القائد بعودة التدخل العسكري اليمني في هذا السياق بمثابة حماية مهمة لمكاسب الاتّفاقَينِ، حَيثُ يجعل هذا التحذير كُـلّ مساعي العدوّ محفوفة بمخاطر عودة الانفجار الذي لا يخفي العدوّ رغبته في تجنبه على الأقل في هذه المرحلة، وبالتالي فَــإنَّ هذا التحذيرَ يشكّل نوعًا من الضمانة المهمة التي استطاعت قيادة الجبهة اليمنية أن تفرضها على الواقع من خلال توليها دور المراقب لحالة وقف إطلاق النار.

ومن ناحية أُخرى ينطوي تحذير السيد القائد للعدو على إشارة واضحة إلى تطور القدرات العسكرية اليمنية المهدّدة بشكل مباشر لكيان العدوّ الصهيوني؛ فحديث القائد عن “عودة كُـلّ كيان العدوّ تحت النيران” في حال عودة الحرب يحمل تلويحًا بأن الجبهة اليمنية قد تمكّنت خلال الفترة الماضية من تطوير إمْكَانياتها العسكرية لتغطية كامل مساحة الأراضي المحتلّة، وهو أمر كان متوقعًا بالنظر إلى حجم الاختراقات الهائلة التي استطاعت القوات المسلحة اليمنية تحقيقها في هذا الصدد خلال فترة الإسناد، والتي كانت قد وصلت إلى حَــدّ ضرب أهداف بالقرب من مدينة حيفا المحتلّة بالصواريخ.

هذه الإشارة تعزز قوة رسالة التحذير التي وجهها القائد؛ لأَنَّها تعيد العدوّ إلى مشهد العجز الفاضح وغير المسبوق الذي عاشه خلال الأشهر التي سبقت وقف إطلاق النار، عندما كانت الضربات الصاروخية والجوية اليمنية تنهال على عمق الأراضي المحتلّة بشكل شبه يومي وتصيب أهدافها بدقة، متجاوزة كُـلّ منظومات الرصد والدفاع “الإسرائيلية” والأمريكية والإقليمية، وتدفع حوالي نصف المستوطنين إلى الملاجئ كُـلّ ليلة، كما تتسبب بإغلاق مطار “بن غوريون” بشكل متكرّر، في ظل فشلٍ واضح ومعلَنٍ ومعترَفٍ به على كُـلّ المستويات في التعامل مع تلك الضربات سواء على المستوى الدفاعي، أَو على مستوى احتواء التأثيرات، أَو على مستوى محاولةِ إيقافِها من خلال القصف الجوي على اليمن.

ووفقًا لذلك فَــإنَّ بقاءَ الجبهة اليمنية على الاستعداد والجاهزية للتدخل في أية لحظة وَفْقًا لما أعلنه القائد يحملُ تأثيرًا كَبيرًا على المشهد، ويعكس استمرارَ حضور اليمن في الصراع بعد معركة إسناد غزة ليس فقط بنفس القدر من الفاعلية بل بمستويات أعلى؛ فجاهزية الجبهة اليمنية الآن تأتي مبنية على انتصاراتها ومكاسبها الكبيرة في معركة “الفتح الموعودة” من الناحية العملياتية والتكتيكية ومن ناحية القدرات، بينما في المقابل لا يزال العدوّ محشورًا في نفس حالة العجز والفشل التي كان يعيشها في المرحلة الماضية فيما يتعلق بالجبهة اليمنية، وهو ما اعترف به وزير خارجية العدوّ مؤخّرًا في حديث لوفد من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي، حَيثُ قال: إن “مصطلح “الردع” ليس مناسبًا في الحديث عن مواجهة اليمن، وإن الحل الوحيد يكمن في تشكيل تحالف دولي وإقليمي”، وهو استنتاج غير جديد، وقد حاول كيان العدوّ تطبيقه وفشل تمامًا.

ومن المكاسب التي تستند عليها حالة الاستعداد والجاهزية اليمنية، هزيمة الولايات المتحدة، والتفوق على أدواتها ووسائلها الاستراتيجية للردع العسكري بحرًا وجوًّا وَأَيْـضًا التفوُّق على محاولات الضغط السياسي والاقتصادي، وهو الأمر الذي لا تجدُ واشنطن بعدُ أية وسيلة لتغييره؛ فبالرغم من قرار التصنيف الذي أعلنته إدارة ترامب ليشكل أرضية جديدة للتصعيد ضد اليمن، لا يزال هذا التصعيد محفوفًا بنفس المخاطر والقيود التي واجهتها إدارة بايدن على مختلف المستويات، بما في ذلك المستوى العسكري، حَيثُ عبّر مسؤولون أمريكيون مؤخّرًا عن صدمتهم إزاء تطور القدرات الدفاع الجوي اليمنية، في الوقت الذي لم تجد فيه البحرية الأمريكية أية وسيلة لتغيير واقع هزيمتها في معركة البحر الأحمر، وهي أمورٌ يعرفُ العدوُّ الإسرائيلي أنها ستكونُ مؤثرةً في حال عودة الحرب؛ لأَنَّ اليمنَ سيبدأ من حَيثُ انتهى في مرحلة الإسناد، بينما لا يزال العدوّ وشركاؤه في مربع الصفر فيما يتعلق بالتعامل مع الجبهة اليمنية.

ووفقًا لما سبق فَــإنَّ خيارَ الاستعداد والجاهزية الذي أكّـد عليه السيدُ القائِدُ يمثِّلُ بحد ذاته معادلةً استراتيجيةً مؤثرة في مسار الصراع خلال هذه المرحلة، بما لا يقلُّ أهميّةً عن معادلات معركة الإسناد، حَيثُ يغلق هذا الخيار كُـلَّ الطرق أمام مساعي العدوّ للالتفافِ على مكاسب “طوفان الأقصى” وإعادة العجلة إلى الوراء، وهو ما يمثِّلُ تجسيدًا ملموسًا لفاعليةِ الدور الجديد المتقدِّم الجديد الذي توَّلته الجبهةُ اليمنيةُ بعد وقف إطلاق النار والمتمثل بمراقبةِ الوضع وضمانِ الحِفاظِ على انتصارِ جبهة المقاومة.

 

صحيفة المسيرة

قد يعجبك ايضا