(نص+فيديو) المحاضرة الرمضانية الـ15(القصص القرآني) للسيد عبدالملك بدرالدين الحوثي 15 رمضان1446هـ | 15 مارس 2025م


 

أَعُـوْذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.

الَّلهُمَّ اهْدِنَا، وَتَقَبَّل مِنَّا، إنَّكَ أنتَ السَّمِيعُ العَلِيم، وَتُبْ عَليَنَا، إنَّكَ أنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمْ.

أيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات:

السَّـلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

في سياق الحديث على ضوء الآيات المباركة من (سورة الشعراء)، والتي تُبيِّن لنا مقاماً من مقامات نبي الله إبراهيم “عَلَيْهِ السَّلَامُ”، في دعوته لقومه إلى عبادة الله وحده، وفي سياق استعراضه للدلائل والبراهين العظيمة، على أنه (لا إله إلا الله)، أنه وحده المعبود بحقٍّ “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، لا يستحق العبادة إلَّا هو، وهو ربُّ العالمين، أتى في هذا العرض قوله: {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ}[الشعراء:78]، تحدثنا عن نعمة الخلق، وما فيها من برهانٍ عظيم، على أن الله وحده هو الذي يستحق العبادة؛ لأنه الخالق، المالك، المنعم.

{فَهُوَ يَهْدِينِ}[الشعراء:78]، كذلك الهداية هي في صدارة النعم الإلهية، والهداية لا تأتي إلا من الله، مصدر الهداية هو الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وهي جزءٌ من تدبيره، الذي يتعلق بمخلوقاته، وفي إطار مملكته الواسعة، يعني: لأنه الإله الحق؛ فهو الذي يهدي، لأنه رب العالمين؛ فمنه الهداية “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.

تحدثنا في المحاضرة الماضية عن هداية الله الواسعة، التي تشمل:

  • الهداية الفطرية، ولها أهميتها الكبيرة في حياة الإنسان، والكائنات الحيَّة، وهي بمستويات متفاوتة، هي في واقع الإنسان أوسع وأكبر من واقع بقية الكائنات الحيَّة؛ لأنها ترتبط بالمهام والأدوار الأساسية في الحياة.
  • وتحدثنا أيضاً فيما يتعلق بجزءٍ من هذه الهداية، وهو: بما وهب الله الإنسان من إدراكٍ وتمييزٍ وتعقُّلٍ، وما وهبه لذلك من وسائل تساعده على الإدراك، على التَّعَقُّل، على التمييز، وكذلك فيما جعله الله في الأرض والسماوات، في هذا العالم، في هذا الكون الفسيح، من معالم، في الأرض نفسها الكثير جدًّا من معالم الهداية، التي تساعد الإنسان على الاهتداء، على المعرفة؛ في سير حياته، وشؤون حياته، وحركته في أسباب معيشته، وأسباب بقائه، وجلب المنافع، ودفع المضار… وغير ذلك.
  • وعن الهداية الإرشادية، والتي هي جزءٌ أساسيٌ من هداية الله لعباده، لاسيَّما لعباده من الإنس والجن، الملائكة أيضاً هم ممن يهديهم الله بهذه الهداية، الهداية أيضاً الإرشادية، التي هي: تعليمات من الله، وإرشادٌ من الله، وهدىً يقدِّمه الله لضبط مسيرة الحياة، في إطار ما يعمله الإنسان في هذه الحياة.

فيما يتعلق بالهداية الإرشادية، التي هي بكتب الله ووحيه، إلى رسله وأنبيائه، من بعد الرسل والأنبياء امتداد خط الهداية، وطريق الهداية، في ورثة كتب الله المهتدين بها، الذين يهدون بها، ويتحركون بالناس على ضوئها، في إطار تعاليم الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.

مهام الإنسان واسعة، ودوره في الحياة ومسؤولياته كبيرة، أكثر من غيره من بقية الحيوانات التي في الأرض، والكائنات الحيَّة التي في الأرض؛ ولـذلك هو مفتقرٌ إلى هدايةٍ واسعة، أكثر من حاجة البقية من الكائنات على هذه الأرض، الهداية التي يحتاج إليها هداية واسعة، والله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” منح البشر هذه الهداية الواسعة، وأتاحها لهم، وأوصلها إليهم- كما قلنا- في هذه الأشياء الواسعة: من داخل الإنسان، في محيطه في الحياة، في ما وهبه من إدراكٍ وتمييزٍ وتعقُّل، وبالهداية الإرشادية العظيمة المهمة.

الهداية الفطرية، وما وهبه الله للإنسان من إدراكٍ وتمييزٍ وتعقُّل، تُشكِّل- بنفسها- أرضيةً مهمةً جدًّا للهداية الإرشادية، فتأتي الهداية الإرشادية فيما يتعلق بمساحة واسعة من شؤون الإنسان:

  • ما يتعلق برسم نظامٍ لحياته، تقوم عليه المعاملات، والعلاقات، وكذلك يقوم عليه التدبير في الشؤون التفصيلية، في مختلف مجالات حياته: السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية… وغيرها، المواقف، الولاءات، العداوات، هذه التفاصيل الكثيرة تحتاج إلى الهداية الإرشادية، يحتاج الإنسان فيها إلى الهداية الإرشادية.
  • المعرفة لحقائق الكون والحياة، يحتاج فيها إلى الهداية الإرشادية، إلى تعليمٍ من الله، وإلى توجيهٍ من الله، وإلى إرشاداتٍ من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.

تأتي هذه التعاليم، هذه التوجيهات، هذه الإرشادات، تأتي- كما قلنا- من خلال وحي الله وكتبه، إلى رسله وأنبيائه.

الإنسان في هذه الهداية الإرشادية، يتَّجه لاستيعابها، والتفاعل معها؛ لأن لها جذورها في فطرته، فهناك تطابق ما بين الهداية الفطرية في فطرة الإنسان، والهداية الإرشادية، تتطابق فيما بينها، فالجذور لتلك التفاصيل والتعاليم والحقائق موجودة، وبذورها في الهداية الفطرية للإنسان، وكذلك جانب الإدراك والتمييز والتعقُّل وسيلة تساعد على التَّفَهُّم، والفهم، والاستيعاب للهداية الإرشادية؛ ولـذلك هناك ترابطٌ تام ما بين كل جوانب الهداية الإلهية، هناك فيما بينها ترابط، تطابق، تكامل، يستفيد منه الإنسان، ويتحرَّك بنور الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في مسيرة حياته، عندما يكون مستجيباً للهداية الإرشادية.

أمَّا إذا كان الإنسان لا يتقبل الهداية الإرشادية والتوجيهية من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، واتَّجه في تفاصيل شؤون حياته، فيما يتعلق بما يضبط به مسيرة حياته في مختلف شؤونه، التي يختلف بها عن بقية الحيوانات والكائنات الحيَّة في الأرض، كما قلنا: في تدبير مسيرة حياته في مختلف المجالات: السياسية، الاجتماعية، الأمنية، العسكرية، الاقتصادية… وغيرها، إذا اتَّجه بعيداً عن الهداية الإرشادية؛ فهـو يخطئ، ولا يتَّجه الاتِّجاه الذي يتطابق وينسجم مع فطرته، يتَّجه اتِّجاها خاطئاً، الفطرة هي توجهه، لكنه بحاجة مع الفطرة إلى الهداية التفصيلية، التعليمية، التوجيهية من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وإلَّا إذا اتَّجه من دونها، اتَّجه اتِّجاهاً خاطئاً.

فمثلاً: في فطرة الإنسان أن يتوجه بالعبادة، بالطقوس العبادية، هذا هو فطرة في الإنسان، يريد أن يصلي، يريد أن يذكر، أن يُقَدِّس، أن يُعظِّم، أن يلتجئ، يُحِسّ بهذه الحاجة في نفسه كفطرة، فإذا انحرف كما حصل لكثير من الأمم والأقوام، عملوا معابد لأصنام، واتَّجهوا بالطقوس العبادية لتلك الأصنام، بدلاً من أن يتوجَّهوا بها إلى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، الذي هو الاتِّجاه الصحيح لتلك الفطرة.

مثلاً: في فطرة الإنسان أن يكون في حياته التزامات، فيها حلال، فيها حرام، يدرك هذه الحقيقة في فطرته، وانضباط وفق تشريعات معيَّنة، هذه هي فطرة في الإنسان، لكن إذا انحرف الإنسان عن هداية الله الإرشادية والتوجيهية والتعليمية، يتَّجه اتِّجاهاً خاطئاً، يتَّجه بإغواءٍ من الشيطان، لابتكار تشريعات وتوصيفات للحلال والحرام باطلة، غير صحيحة.

وهذا حصل لأمم وأقوام أشركت بالله، وكفرت برسالته، ولم تقبل هديه مع رسله وأنبيائه، وكفرت بكتبه؛ فابتكرت لها بدائل مغلوطة، خاطئة، وفي أكثر الأحوال ساذجة، وخاطئة، وباطلة، وسيئة؛ ولـذلك نجد الكثير من التفاصيل هذه، فيما تحدث عنه القرآن الكريم عن واقع المشركين، مما كانوا يُشَرِّعُونه هم لأنفسهم: {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ}[المائدة:103]، {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ}[النحل:116].

والإنسان بذلك يتدخل فيما ليس من اختصاصه؛ لأن كل ما هو فيه في هذه الأرض هو لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، والأمر فيه لله؛ لأن الله هو المالك، المالك للأرض وما فيها، والمالك للإنسان، الإنسان حتى عندما يتدخل في مسألة التشريع هو يتدخل فيما ليس له؛ لأن كل ما هو في هذه الأرض هو مِلكٌ لله، هو الذي له أن يقرر فيما يملكه بما يشاء ويريد؛ فَيُحَرِّم هذا، ويُبِيح ذاك، ويأذن للإنسان في التصرف بكيفية معيَّنة في شيءٍ هنا، ولا يأذن له في شيءٍ هناك… وهكذا، فالإنسان مِلْكٌ لله، وما في الأرض هو مِلْكٌ لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، مع أن الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” هو يُحِلُّ للإنسان الطيِّبات وما فيه الخير له، ويُحَرِّم عليه الخبائث وما هو شرٌّ عليه، فهو الأعلم بهذا من الإنسان.

وهكذا فيما يتعلق برسم نظامٍ للحياة، تقوم عليه المعاملات، العلاقات، المواقف، الولاءات، العداوات، تنظيم المجالات السياسية، الاجتماعية… غيرها، الإنسان عندما لا يقبل هداية الله في ذلك، وما أتى من تعليمات الله، ويقوم هو بابتكار بدائل من جهة نفسه؛ يُخطئ، يخطئ ويتصرف فيما ليس له الحق أن يتصرف فيه، مما هو لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، والأمر فيه إليه، إلى الله الربّ، المالك، الملك “جَلَّ شَأنُهُ”.

على مستوى النظرة إلى العالم، والظواهر الكونية، الإنسان إذا لم يقبل ما أتاه من الله، ويتَّجه على أساسه في مسألة التفكير، والتأمل، والدراسة، والبحث، واتَّجه اتِّجاهاً خاطئاً، اتِّجاهاً آخر بديلاً من عند نفسه، يريد أن ينظر هو نظرة من جهة نفسه، بعيداً عمَّا قد ذكره الله له عن حقائق الكون والحياة، وعن حقيقة الظواهر الكونية، وما يتصل بها، ما خلقه الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في هذا العالم؛ فالإنسان إنما يُنتج بديلاً عن ذلك خاطئاً، مغلوطاً، غير صحيح، ويترتب عليه ضلال كبير في واقعه العملي.

ولـذلك نجد– مثلاً- أن الكثير من الأمم والأقوام حينما أعرضوا عن هدى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وكفروا برسالة الله وكتبه، والحقائق التي فيها، وقاموا هم بإنتاج تصوُّرات لأنفسهم، من تلقاء أنفسهم، عن هذا العالم: عن السماوات والأرض، وعن الكواكب والنجوم، كيف كانت تصوراتهم خاطئة، وباطلة، وغير صحيحة على الإطلاق، وصل بهم الحال إلى أن يُفَكِّروا أن هذا العالم غير مخلوق، وأنه هكذا عالمٌ من دون بداية، لم يوجد في مرحلة معيَّنة، ولم يُوجِدْهُ مُوْجِد؛ وإنما هو قديمٌ- كما يتصورون- منذ الأزل، فلاسفة تتصور هذا التصور، بخلافٍ للفطرة التي فطر الله البشر عليها، مع أن واقع البشر الإقرار بأن هذا العالم هو خلق الله، لكن عندما يأتي فلاسفة يريدون أن ينتجوا تصورات من عندهم؛ يشذُّون حتى عن الفطرة التي لدى كل الأمم، ولدى كل الأجيال، وهي أيضاً متوارثة في النُّبُوَّات، من بعد الأنبياء والأمم، والهداة في تلك العصور، فيما يتعلق أيضاً بالنظرة إلى الكواكب، إلى النجوم… إلى غيرها، حصل عندهم تصورات سخيفة، خرافية، كم من الخرافات هي ناتجة عن ذلك.

فالإنسان عندما يتَّجه بعيداً عن هداية الله الإرشادية هو يخطئ، وهو يظلم نفسه؛ لأنها لا تستقيم حياته، يكون بعيداً عن الفطرة، وبعيداً عن الانسجام مع السنن، التي رسم الله الحياة عليها.

الحياة أيضاً رسم الله فيها سُنن، تستقيم بها الحياة، وسنن أيضاّ إذا انحرف الإنسان كيف تكون النتائج، إذا اتَّجه اتِّجاه الخير كيف تكون النتائج، إذا اتَّجه اتِّجاه الشر كيف تكون النتائج، ثم على المستوى التفصيلي في نطاق الخير وفي نطاق الشر، ما يتحقق في سنة الله في الأسباب ونتائجها، في الذي رسمه في هذه الحياة.

فإذاً، الإنسان عليه أن يدرك أنه مفتقرٌ إلى هداية الله الإرشادية، وأن الهداية الإرشادية والتوجيهية من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، والتعليمات لعباده، هي جزءٌ أساسيٌ من هدايته الواسعة، تتكامل وتتطابق معها، وفي نفس الوقت تعود إلى مُلْكِهِ، وتدبيره الواسع لشؤون عباده؛ لأنه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” هو ربُّهم، هو ربُّ العالمين، هو مَلِك السماوات والأرض، وهو من إليه تدبير شؤون السماوات والأرض، الإنسان ليس سوى مفردة، جزء واحد، مخلوق من مليارات المخلوقات، التي خلقها الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وخلقه الله في أرضه، استخلفه في هذه الأرض في إطار دور محدد، وغاية رسمها الله له؛ ولـذلك هو جزءٌ من مخلوقات الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، في مملكة الله الواسعة، التي تدبير شؤونها بكلها، بما فيها هذا الحيِّز الصغير منها الذي هو الأرض، والذي عليه هذا الكائن المخلوق الضعيف الذي هو الإنسان، التدبير فيها كلها لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.

فالهداية التشريعية والإرشادية هي جزءٌ من تدبير الله في مُلكه لعباده، وأرضه وسماواته، وربوبيته على عباده، والإنسان- كما قلنا- هو عبدٌ لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ولله في مُلْكِه وملكوته هو “جَلَّ شَأنُهُ” حق الأمر والنهي في عباده، له حق التدبير في ملكوته، والهداية الإرشادية هي جزءٌ من تدبيره الواسع لشؤون مخلوقاته في عالمه وملكوته.

أيضاً الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” هو ربُّنا، ربُّنا نحن كبشر، نحن الناس الله ربنا، فهو المعني برعايتنا، وتربيتنا، جزءٌ من الرعاية لنا هو في الهداية الإرشادية، في التعليمات: أن يُعَلِّمنا، أن يُوَجِّهنا ماذا نعمل في هذه الحياة، ماذا نعمل في هذه الأرض، ما هو دورنا في إطار الاستخلاف لنا في هذه الأرض، ما الذي علينا أن نعمله، وماذا علينا أن نتركه، في إطار رعايته لأمرنا؛ لأنه المعني “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” برعايتنا.

ثم إن الإنسان هو مسؤول أمام الله تعالى في هذه الأرض، في إطار مسؤوليته كمستخلفٍ في هذه الأرض، هو في مقام مسؤولية؛ ولـذلك جزءٌ من الهداية له، من التدبير للشؤون، يأتي من خلال تعليمات لهذا الإنسان، وتوجيهات لهذا الإنسان، وأوامر ونواهٍ لهذا الإنسان؛ لأنه في مقام مسؤولية، مستخلفٌ في هذه الأرض، أعماله وتصرفاته قد تكون في نطاق الخير، وقد تكون في نطاق الشر، هو يتصرف في هذه الأرض فيما هو مِلكٌ لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، عليه أن يكون تصرفه في حدود ما أذن الله له به، حتى في كيفية التصرف، أخطاؤه، انحرافاته كإنسان لها تبعات، لها نتائج، لها تأثيرات في واقع حياته هو، فهذه الحياة ليست عبثية، بل في مقام مسؤولية بالنسبة للإنسان؛ ولهـذا هناك جزاء عظيم في الآخرة، وجزءٌ منه في الدنيا، لكن الجزء الكبير والوافي في الآخرة، {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ}[المؤمنون:115]، فهناك مسؤولية كبيرة على هذا الإنسان، في إطار هذه المسؤولية يحتاج إلى تعليمات الله، وتوجيهاته، وهدايته.

الهدايــة- كما يتضح لنا في قوله تعالى: {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ}[الشعراء:78]، {الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى}[طه:50]– الهدايــة هي مرتبطةٌ بالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”؛ لأنه الخالق، يعني: لها علاقة بمسألة الخلق (الهداية)، الذي يهدي عباده هو الذي خلقهم، هو “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” من يعلم السِّرَّ في السماوات والأرض، هو المحيط بكل شيءٍ علماً، هي تحتاج إلى هذا المستوى من العلم (الهداية)، الهداية للخلائق تحتاج إلى هذا المستوى من العلم: الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” يعلم السِّرَّ في السماوات والأرض، محيطٌ بكل شيءٍ علماً، يعلم الغيب والشهادة، هو “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” الذي يعلم بالنفس البشرية، بخصائصها، يعلم بكل ما في هذه الحياة، في ظروف هذا الإنسان، في أحواله، في مختلف شؤونه.

فالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” الذي يعلم أعماق النفس البشرية، ويعلم بهذا العالم، هو محيطٌ به علماً، بكل مفرداته، بكل شؤونه، بكل الأحوال فيه؛ هو الذي يُمْكِن أن يُشرِّع لهذا الإنسان ما تستقيم به حياته.

ولـذلك لم يوكل الله هذه المهمة لا إلى ملكٍ من ملائكته، ولا إلى أنبيائه، ولا إلى أحدٍ من خلقه، يعني: حتى في مستوى الملائكة، لم يوكل هذه المهمة إليهم، أو إلى أحدٍ منهم، أن يكون هو الذي يُشَرِّع للناس ويهديهم من ما يبتكره هو.

الأنبياء كذلك والرسل، لم يوكل هذه المهمة إليهم، مع أنهم أكمل الناس في مستوى ذكائهم، ورشدهم، وفهمهم، وبصيرتهم، ووعيهم، ومداركهم، وما وهبهم الله إياه، هم أكمل الناس في كل ذلك؛ مع ذلك لم يوكل هذه المهمة إليهم، يقول لهم: [اهدوا الناس من نفوسكم، ابتكروا لهم هداية، ابتكروا لهم تشريعاً، لتنظيم شؤون حياتهم]؛ إنما كانوا هم مبلِّغين عن الله، يوحي إليهم بهديه، بتعليماته، وهم يقدِّمونها إلى عباده.

كذلك فيما يتعلق بالهداة من عباده، الذين يسيرون على نهج الأنبياء، ويتمسَّكون بهدى الله، من ورثة كتب الله المهتدين بها، والهادين بها، دورهم هو هذا الدور المحدود في نطاق الهداية والاهتداء بكتب الله وتعاليمه، وليس لهم صلاحية أن يُشَرِّعوا، أن يبتكروا من أنفسهم هدايةً من غير الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.

فالمسألة هذه مرتبطة بالله الخالق؛ لأنه المالك والملك، ولأنه المحيط بكل شيءٍ علماً، الذي له “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” الألوهية على عباده، والربوبية على عباده؛ فلـه هو “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” صلاحية أن يُشَرِّع لعباده، وأن يُقَدِّم لهم الهداية، التي هي هدايةٌ صحيحة، هدايةٌ حقيقية.

والإنسان– بنفسه- مفتقرٌ ومحتاجٌ إلى هداية الله تعالى، لا غنى له عنها، يعني: ليست المسألة أن بالإمكان للإنسان أن يقول لله: [أنا لا أريد هدايتك، ولا توجيهاتك، ولا تشريعك، ولا أن تُقَدِّم لي أنت الحقائق عن هذا الكون، وهذه الحياة، وهذا العالم، أنا سأكتفي بنفسي]، لا يمكن للإنسان ذلك، الإنسان بمجرد أن يتَّجه بعيداً عن هداية الله؛ يقع بشكلٍ تلقائيٍ في الضلال:

  • إمَّا من جهة نفسه هو: تنشأ عنده تصورات باطلة، أفكار خاطئة، يُبنى عليها تصرفات خاطئة؛ أو يُقدِّم كذلك تشريعات خاطئة، لا تنسجم مع الفطرة، لا تنسجم مع السنن الإلهية، لا تُلَبِّي المتطلبات الحقيقية لهذا الإنسان، بما يلائمه فعلاً، يلائم حياته، يلائم ظروفه، يلائم مختلف أوضاعه، الإنسان قاصر، ضعيف، محدود في معرفته، في مداركه، حتى تلك التي وهبه الله إيَّاها هي بنسبة محدودة، وفي نفس الوقت يخضع لتأثيرات أخرى.
  • ثم هناك الشيطان: الشيطان يعمل على إضلال الإنسان، وإذا اتَّجه الإنسان بعيداً عن هداية الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، في هدايته، وإرشاده، وتشريعه، وتعليماته؛ فالشيطان أيضاً يعمل على أن يُقدِّم للإنسان تصورات خاطئة، تنحرف به في مسيرة حياته، إلى ما فيه الشَّرُّ عليه، والخطر عليه، والضلال، والفساد، ويسبب له سخط الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وهذه مسألة مهمة.

عندما نتأمل– مثلاً- في قصة نبي الله آدم “عَلَيْهِ السَّلَامُ”، في مسألة الشجرة، الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” قبل أن يبدأ آدم مشواره في مسؤوليته في هذه الحياة جعله في جنة، فيها كل احتياجاته ومتطلباته، {إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (118) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى}[طه:118-119].

وأذن الله له بالاستفادة من كل ما فيها، باستثناء شجرة واحدة، حظر عليه أن يذوق منها، وحتى أن يقربها هو وحواء “عَلَيْهِمَا السَّلَامُ”، {وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ}[الأعراف:19].

حذَّره الله من الشيطان، قال لهما هو وحواء: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ}[الأعراف:22]، قال له: {فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى}[طه:117]، أخبرهما أن الشيطان يريد أن يخرجهما من تلك الجنة التي هما فيها، وذلك النعيم، ورغد العيش الذي هم فيه.

هذه الحقائق التي أخبرهم الله بها: عن تلك الشجرة، وعن الشيطان، حقائق واضحة.

الشيطان ماذا عمل؟ هو حاول أن يقدِّم تصورات ثانية، تصورات أخرى عن الشجرة نفسها، وعن الأكل منها، وتصورات تتعلق بموقفه هو، ماذا يهدف إليه من وراء ذلك، فحاول أن يُقَدِّم لهما فكرة مغلوطة عن الشجرة، تلك الفكرة أنها شجرة الخلد، إذا أكلا منها لا يموتان، وإذا أكلا منها ارتقى درجة عالية في مستوى الملائكة، فيحظيا بمقامٍ معنويٍ عظيم، ويتاح لهما حتى في القرب من الله ما هو أكبر وأعظم، وأنها شجرة الملك الذي لا يبلى، ويبقى متجدداً مع الدهر.

هذه التصورات الخاطئة، الباطلة، التي لا أساس لها من الصحة، عندما تقبَّلها آدم وخُدِع بها، كانت النتيجة: أنه ذاق تلك الشجرة، فَأُخْرِجَ من الجنَّة التي كان فيها، من رغد العيش والنعيم الذي كان فيه، ليعاني في هذه الحياة.

فهذه التصورات التي يقدَّمها الشيطان كبدائل، إذا اتَّجه الإنسان ولو عن طريق الغفلة، ولو عن طريق الغفلة، كبدائل عن هدى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”؛ فالإنسان هو بحاجةٍ إلى هدى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.

والله “جَلَّ شَأنُهُ” زوَّد الإنسان بهذه الهداية الإرشادية، منذ بداية مسيرة حياته في الوجود على الأرض، بدءاً من آدم وحواء “عَلَيْهِمَا السَّلَامُ”، بداية المجتمع البشري، والوجود البشري، واستمرت هذه الهداية على مرِّ التاريخ، كما قال الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}[النحل:36]، وكما قال الله “جَلَّ شَأنُهُ”: {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ}[فاطر:24]، فالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” لم يترك عباده، لم يتركهم بدون هذه الهداية، يخلقهم في هذه الأرض ثم يتركهم، ليتيهوا، ويضلُّوا، ويضيعوا، ويتَّجهوا في إغواء الشيطان، فيما يغويهم به، ويضلهم به هو وأولياؤه.

وهي من مظاهر نعمة الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ومن مظاهر ربوبيته وألوهيته: أن يهدي عباده؛ ولهـذا يقول “جَلَّ شَأنُهُ”: {قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى}[يونس:35]، بل جعلها الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”- كما قلنا- مما إليه هو؛ باعتبار ربوبيته وألوهيته، ورعايته لعباده، {إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى}[الليل:12]، فالهدى الذي هو هدى حقيقي للإنسان، وصحيح، هو هدى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، {قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى}[البقرة:120]، {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا}[الكهف:17].

ويترتب على هدى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” مسيرة حياة الإنسان، بما يترتب عليها من نتائج، على أساسٍ من ذلك، يعني كما قلنا: الإنسان إذا اتَّجه على أساس هدى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” هو المستفيد، هو الذي سيحيا الحياة الطيبة، هذا الهدى الذي سينقذه من الوقوع في الضلال، في الأخطاء الرهيبة، في المتاهات البعيدة، التي تضيعه في حياته، تسيء إلى حتى مقامه الإنساني؛ ولـذلك يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}[البقرة:38]، {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى}[طه:123].

ثم عند الاستجابة لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، والتَّوجُّه على أساس تعليماته وهديه، إرشاداته، وتعليماته، وأوامره، ونواهيه، تأتي من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” الهداية الواسعة، في النطاق التفصيلي، في إطار المهام التفصيلية في الحياة هذه، كما يقول الله تعالى: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ}[محمد:17]، ويقول “جَلَّ شَأنُهُ”: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}[العنكبوت:69]، تأتي من الله الهداية العظيمة في مختلف مجالات الحياة، في الشؤون التفصيلية.

والإنسان بحاجة إلى هداية متجددة، بحاجة إلى الهداية التشريعية، وإلى هداية متجددة: كيف يعمل؟ كيف يتصرف؟ كيف يقف المواقف الصحيحة المتطابقة مع تعليمات الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”؟ كيف يتحرَّك في آليات تنفيذية لتوجيهات الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” على نحوٍ صحيح؟ وغير ذلك، فالإنسان بحاجة إلى الهداية المستمرة؛ ولـذلك نجد في قول نبي الله إبراهيم “عَلَيْهِ السَّلَامُ”: {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ}[الشعراء:78]، {يَهْدِينِ}: هداية مستمرة، فالهدى نعمةٌ عظيمة.

نحن آخر الأمم، وفي الحقبة الأخيرة من تاريخ الوجود البشري، وقد أنعم الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” علينا:

  • بالقرآن الكريم، الذي هو نعمةٌ عظيمة، الذي هو من أعظم كتب الله، هو المهيمن على كتب الله السابقة، والمُصَدِّق لما سبقه من كتب الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.
  • وبخاتم النَّبِيِّين وسَيِّد المرسلين محمد “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”، الذي هو أيضاً سيِّد الرسل والأنبياء، وأعظمهم منزلةً عند الله تعالى.

فهيَّأ الله لنا من أسباب هدايته، ومن قنوات هدايته، ما يجعلنا على أرقى مستوى إن استجبنا، إن اتَّجهنا، إن تَقَبَّلنا هذا الهدى، وأقبلنا على هذا الهدى العظيم.

مشكلتنا نحن المسلمين هي: السلبية الكبيرة في النظرة إلى هدى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”؛ ولهـذا نجد الحالة في واقع المسلمين أنفسهم- في معظمها- هي حالة الإعراض عن هدى الله، من لا يستشعر قيمة وعظمة وأهمية هذا الهدى، والحاجة إلى هذا الهدى، ومستوى وقدر هذا الهدى، فالتعامل في معظم شؤون حياتنا هو بعيدٌ عن هدى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، عن القرآن الكريم، عن هذه الهداية العظيمة، التي فيها الخير لنا في هذه الدنيا، الشرف، العِزّ.

مع أنه كان من مسؤولية المسلمين: أن يهتدوا بهذا الهدى، على مستوى الاستيعاب، وعلى مستوى الالتزام والاتِّباع والتَّمسُّك، ثم أن يتحركوا به على المستوى العالمي؛ لأنه هدى الله للعالمين، والرسالة هي رسالةٌ للعالمين، {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}[الأنبياء:107].

لكن أين هو واقع المسلمين في هذه المرحلة من تاريخهم؟! واقعٌ مأساوي، انحطاطٌ كبيرٌ، تَخَلُّفٌ كبير، ضعفٌ وتَمَزُّقٌ وتشرذمٌ، هناك نسبة هائلة جدًّا من الأفكار، والتصورات، والمفاهيم الخاطئة، التي لا تنسجم بأي حالٍ من الأحوال مع القرآن الكريم، وهذه إشكالية كبيرة في واقع المسلمين.

نستكمل- إن شاء الله- الحديث عن عظمة نعمة الله علينا بالقرآن الكريم، هذه النعمة العظيمة، أهمية هذا الهدى العظيم، في المحاضرة القادمة إن شاء الله.

نَسْألُ اللَّهَ “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أَنْ يُوَفِّقَنَا وَإِيَّاكُم لِمَا يُرْضِيهِ عَنَّا، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهْدَاءَنَا الأَبْرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أَسرَانَا، وَأَنْ يَنْصُرَنَا بِنَصْرِه، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء.

وَالسَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

قد يعجبك ايضا