القيمة المضافة للموقف اليمني الصاعد والمتصاعد وفق خطاب السيد القائد
قراءة تحليلية: يحيى الشامي
يقدم السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي في خطابه الأخير عمليات اليمن العسكرية الإسنادية وموقفه الإنساني الإيماني في معركة “طوفان الأقصى” وما تلاها، ليس كحدث عسكري بطابع تكتيكي في حدود رمزية الفعل وردّة الفعل، بل كعامل تغيير استراتيجي ذي قيمة مضافة نوعية. ويركز الخطاب بشكل كبير على إبراز هذه القيمة، مستشهداً ليس فقط بأفعال الجانب اليمني، بل وبشكل موضوعي، بتفسير ردود أفعال “الطرف الآخر” قادة الصهيونية “أمريكا وإسرائيل وحلفائهما” كدليل قاطع على فاعلية هذا الدور وتأثيره.
يمكن تفصيل هذا الموقف اليمني بعد تحديثه من خطاب السيد بنوع من التحليل الموضوعي وفق السياق الذي جاء فيه الخطاب، وبالطريقة التي عنونها وأوردها، مع دمج الشواهد من ردود فعل العدو كما يرسمها خطاب السيد:
فتح جبهة استنزاف جيوسياسي واقتصادي غير متوقعة (البحر الأحمر ومضيق باب المندب)، وهنا يتوقف السيد في عدة مواضع من الكلمة للتأكيد على “النجاح التام” في منع الملاحة المرتبطة بالعدو الإسرائيلي عبر البحر الأحمر وخليج عدن والبحر العربي، وهو نجاح تجاوز أبعاده العسكرية بطابعها الإسنادي إلى جوهر التغيير الكبير الذي تقف المنطقة والعالم اليوم على مشارفه، ويظهر جلياً في الخريطة الجيوستراتيجية المستقبلية للمنطقة دور اليمن البارز كمساهم رئيس وطرف فاعل لا يمكن تجاهله، وهي نتيجة طبيعية وإن كانت غير مقصودة أو منشودة من الموقف اليمني التاريخي، بل وتجنب السيد القائد الاستثمار فيها أو حتى التلويح إليها في أي من خطاباته وكلماته، محافظاً على صفاء ونقاء الموقف اليمني المنطلق من خلفية دينية إيمانية تتوخى -وحسب- المسؤولية الأخلاقية في نصرة غزة، وتبحث عن كل ما يسهم في التخفيف عن مأساة إنسانية في لحظة تخلٍّ غير مسبوق من قبل ما يُسمى المجتمع الدولي، وفي ظل ترك عربي لا لفلسطين كخط دفاع عن الأمة ووجودها وحسب، بل وتجاهل كامل لمصالح الدول العربية وأمنها القومي والوجودي.
من هذه الحقيقة المفزعة يمكنُ تثمين الموقف اليمني الذي جاء ليسد فراغاً مهولاً مسقطاًُ كل ذرائع التماهي والصمت، ومعلياً من القيم الإنسانية والدينية، ومقدّماً شهادة قد تكون الأرقى في تاريخ الصراعات البشرية، ويمهرها بدمه على مذبح موقفه الصادق والمتصلب بل والمتصاعد مع زيادة تضحياته في مواجهة العدوان الأمريكي القادم هذه المرة بكل ثقله العسكري من حاملات الطائرات الى القاذفات الجوية والقنابل الفراغية والتدميرية والارتجاجية. كل هذه الحشود يلقي عليها السيد عصا توكله على الله واستناده إليه، فتلقف كل ما جاءت به أمريكا وما يمكرون.
من هذه الزاوية يمكن قراءة كيف تموضع اليمن في أعلى قائمة القوى الفاعلة في رسم خريطة المنطقة اليوم وغدا وللمستقبل، وهي حقيقة فرضها وأفرزها قوة الموقف وصلابته، وكرسها البعد الأخلاقي الإنساني.
يذكر صراحة أن ميناء إيلات (أم الرشاش) أصبح “مهجوراً” ولم يعد بإمكان العدو الإسرائيلي الاستفادة منه، في الوقت ذاته يشير صراحة إلى إسهام العدو الأمريكي -في جولته التصعيدية الجديدة- في تطوير القدرات اليمنية وتمتين الخبرة العسكرية لليمن، كاشفاً، بشهادات الخبراء الأمريكيين وصناع القرار، عن ورطة تاريخية يصعب على واشنطن الفكاك منها هروباً إلى الأمام أو تراجعاً إلى الخلف.
يعتبرُ السيدُ أن سُعار الحملة الأمريكية العسكرية على اليمن شاهد على فاعلية وقوة الموقف اليمني، دون الحاجة لانتظار تصريح مباشر من العدو الإسرائيلي أو الأمريكي للإقرار بالضرر، فالحملة العسكرية الأمريكية عالية الكلفة بنفسها تظل أكبر شاهد، بدءاً من تشكيل تحالفات بحرية لحماية الملاحة الإسرائيلية، وصولاً الى شنها عدواناً مباشراً بأسلحة وذخائر معدّة لدخول حرب عالمية، هي بحد ذاتها اعتراف قسري بمدى فعالية وتأثير هذا الموقف اليمني، من الحصار البحري اليمني إلى غارات الصواريخ والمسيّرات على أهداف العدو في فلسطين المحتلّة. يستعرضُ السيد في خطابه بعضاً من تفاصيل العدوان والتصعيد الأمريكي كشاهد على فاعلية الموقف اليمني، ومدى تأثيره على العدو الإسرائيلي، ويستعرض تأثيراته الاقتصادية والأمنية، والأهم هو ما أورده تلميحاً إلى التأثيرات الاستراتيجية، ويشرح كم أنّ هذه الحالة مقلقة جداً للأعداء ومحبطة لمشروعهم الساعي لفرض معادلة الاستباحة لدول وشعوب المنطقة ومقدراتها.
يشدد الخطاب مراراً على حقيقة فشل الولايات المتحدة في تحقيق أهدافها المعلنة من عدوانها على اليمن: “فشل في أن يؤمِّن من جديد الملاحة البحرية للعدو الإسرائيلي”، “فشل في ذلك، لم ينجح أبدا”، “لم يتمكن ولن يتمكن بإذن الله تعالى من إضعاف القدرات العسكرية”، “ولا هو أيضاً تمكن من إيقاف العمليات الصاروخية والمسيرات إلى فلسطين المحتلة”. ويستدعي السيد اعترافات وردت بألسنة مسؤولين في وزارة الدفاع الأمريكية، وفي غيرها، يؤكدون فشلهم في إضعاف القدرات العسكرية. يقول السيد بالحرف الواحد: “يعترف بفشله في منع العمليات العسكرية” و”يعترف بفشله في تأمين الملاحة البحرية للعدو الإسرائيلي”، وهما المحكّان اللذان بهما يقاس نجاح الحملة الأمريكية على اليمن من فشلها… والواقع مع الاعترافات يشهد بذلك. كما يفسر لجوء أمريكا لاستهداف “الأعيان المدنية” (خزانات مياه، مرافق صحية، منازل) كعلامة على الإفلاس العسكري واليأس: “ماذا يعني ذلك؟ يعني أنه فاشل؟ فلأنه فشل في إضعاف القدرات العسكرية.. اتجه إلى استهداف الأعيان المدنية”. هذا التصعيد ضد المدنيين يصبح دليلاً إضافياً يقدمه الخطاب على فشل العدو في تحقيق أهدافه العسكرية.
تطوير القدرات العسكرية اليمنية تحت النار
يقدم السيد مفارقة لافتة: العدوان الأمريكي لا يضعف القدرات العسكرية اليمنية، بل يساهم في تطويرها. “بل يقيناً وقطعاً أنه يسهم في تطويرها أكثر فأكثر، والمسار تصاعدي في ذلك”.
يواصل السيد بالقول “تشهد الأحداث نفسها والعمليات المستمرة أن المسار تصاعدي” يُقدم كدليل عملي على فشل جهود الاحتواء والتدمير الأمريكية، ويستشهد بحملة بايدن السابقة لمدة خمسة عشر شهراً، في تأكيد عجز القوة الأمريكية بكل قدراتها العسكرية والدبلوماسية في وقف العمليات اليمنية أو كبح عجلة تطور القدرة اليمنية، وعودة للتذكير بصلابة الموقف الإيماني اليمني كأرضية ينطلق منها ويتعاظم فيها الموقف اليمني على ضوء سوء تقدير أمريكي، وخطأ في فهم العقل اليمني في مواجهة غير معتادة تغامر فيها واشنطن بموقعها ونفوذها في لحظة ترقب دولي كبير.
يصور الخطاب المواجهة مع أمريكا كجزء طبيعي ومتوقع من الموقف الداعم لفلسطين. ويؤكد على عدم تأثر الشعب اليمني بالتهديدات أو استعراض القوة الأمريكية: “لن يؤثر أبداً على إرادة هذا الشعب، على معنوياته، لا بالإرجاف والتهويل: (الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا)،
يُقدّم السيد عروض القوة واستعراض واشنطن بالحشد العسكري والتهديدات والتصعيد على أنها أدوات “إرجاف وتهويل” فشلت في تحقيق هدفها أمام ثبات الموقف اليمني الشعبي والرسمي والعسكري في وجه هذا الضغط الهائل، يضعها في سلة التجارب كدليل على فشل استراتيجية الردع والترهيب الأمريكية، وعلى أن الإيمان والثقة بالله هما مصدر قوة لا تستطيع ولن تستطيع القوة المادية الأمريكية كسره، وهذا بحد ذاته قيمة مضافة، حيث يُظهر لشعوب المنطقة ويُثبتُ لأنظمتها إمكانية تحدي الهيمنة الأمريكية المباشرة والصمود في وجهها، وإسقاط معادلاتها التي تسعى لفرضها.
يقارن السيد، أمام الوعي العربي، بين الموقف اليمني “الإيماني الجهادي” الذي يمثل العزة والشرف والكرامة (“أن نكون أسوداً في مواجهة أولئك الأعداء”)، وبين خيارات أخرى في المنطقة “الاستحمار” وفق فهرس العنصرية اليهودية، يصفها بالاستسلام والخضوع والولاء للعدو، والتي تحقق لليهود من طموحاتهم التلمودية المحرّفة، وتترجم لهم عقدة وعقيدة احتقارهم للآخرين، والآخرون هنا هم كل ما سواهم من الأمم والشعوب، حيث هم وحدهم شعب الله والبقية (“مطية للركوب وحيوانات للاستحمار”).