مليونية الجمعة.. رسائل أقوى ودلالات أعمق
موقع أنصار الله. تقرير | علي الدرواني
لا يمكن النظر إلى المسيرات المليونية التي خرجت الجمعة بعد دعوة السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي يحفظه الله، على أنها نفس المسيرات التي تعودت عليها الساحات والميادين اليمنية في ميدان السبعين بصنعاء وفي عموم المحافظات، وإن كانت تشبهها بشكل كبير، إلا أنها تحمل رسائل أكثر قوة، ودلالات أبلغ عمقا، وبشكل لا لبس فيه، فهي ذات أبعاد إضافية على تلك التي تميزت بها مسيرات ومليونيات ما قبل وقف إطلاق النار في غزة.
إحباط الحرب النفسية الأمريكية
لا يخفي أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد تولى بنفسه مسؤولية شن الحرب النفسية، واستخدام مصطلحات وعبارات طنانة في توجيه رسائل حربه تلك، من أمثلة، التدمير، الجحيم، القضاء التام، بالإضافة إلى استخدام أحدث ما توصلت إليه المصانع الأمريكية من آلات الحرب؛ وعلى رأسها قاذفات القنابل وما يسمى بالطائرات الشبحية، وطائرات الـF35، وإلقاء القنابل شديدة الانفجار على العاصمة صنعاء ومحيطها، وكلها تهدف لبث حالة الرعب والخوف، وتحقيق مفهوم الردع ضد الشعب اليمني وقواته المسلحة، وهي الأهداف التي وضعها اليمنيون تحت أقدامهم في ميدان السبعين وبقية المحافظات اليمنية، ورددت حناجرهم الشعارات المنددة بالعدوان الأمريكي والإسرائيلي، وأكدت على ثبات الموقف اليمني إلى جانب غزة.
تأكيد التكامل الشعبي والرسمي
لطالما كان الموقف الرسمي نابعا ومحل تأييد كامل من الموقف الشعبي في اليمن. يتجلى ذلك في الفعاليات والمسيرات والوقفات والتبرعات للقضية الفلسطينية، وحالة التعبئة الشاملة في كل القرى والمدن والأحياء والمحافظات، ومعسكرات التدريب. ومع موجة العدوان الأخيرة من قبل ترامب، فقد حاولت وسائل الإعلام الأمريكية والعربية التابعة لواشنطن تشويه الموقف اليمني، وتصوير عمليات القوات المسلحة بأنها لا تتوافق مع تطلعات الشعب، أو أنها ضد رغبته ومواقفه، وأن أولويات اليمنيين لا تضع غزة في الحسبان، وبالتالي تذهب لوصف العمليات بالمغامرة غير المحسوبة، فأتت المليونيات الشعبية في ميدان السبعين وبقية المحافظات، لتؤكد على تكامل الموقف الرسمي والشعبي، وتجديد مطالبة الجماهير بتفعيل كل القدرات اليمنية في كل المجالات والمستويات، لدعم غزة ومقاومتها وشعبها، والرد على العدوان الأمريكي المتواصل ، كما نص على ذلك بيان المسيرات.
لا كلل ولا ملل
بعد خمسة عشر شهرا واصل اليمنيون فيه، وبشكل اسبوعي، الخروج المليوني كل يوم جمعة في كل الساحات، منذ بدء طوفان الأقصى، وتوقفت مع إعلان وقف النار في غزة وبدء دخول المساعدات وتبادل الأسرى، وها هي تعود مجددا، وبزخم كبير ولافت، يثبت أن الشعب اليمني، لم يكل ولم يمل، من الخروج الأسبوعي في المرحلة السابقة، وأنه لا يزال مستعدا لمواصلة هذا الخروج تحت كل الظروف الجوية وتقلبات الطقس، طالما هناك مأساة، طالما هناك أهل لنا وأخوة لنا في غزة يعيشون تلك المعاناة الرهيبة نتيجة العدوان والتوحش الإسرائيلي، في ظل دعم واضح من الغرب بقيادة واشنطن، وصمت مطبق لأبناء الأمة، عدا بعض الشعوب الحرة التي رأيناها في الساحات في الأيام الماضية، ولهذا فلا مكان للملل، ولا مجال للكلل، بل على العكس، هناك حالة تحدٍّ كبيرة يعيشها اليمنيون تجعلهم يتوقون لملاقاة العدو، ومشاركة المقاومة في دحر العدو الإسرائيلي ومواجهته، لو توفرت الظروف لهذه المشاركة. وخروج المليونية التي نتحدث عنها، قدم رسالة واضحة لهذا التوجه الفردي الجمعي لأبناء اليمن وشبابها ورجالها.
الثقة بالقوات المسلحة اليمنية
المطالبات التي سمعناها في مسيرات المليونيات من مختلف الساحات إلى القوات المسلحة، بالاستمرار بتنفيذ العمليات في عمق العدو، وفرض الحصار، والرد على القطع الحربية الأمريكية، تؤكد أن القوات المسلحة اليمنية، قد وصلت إلى بناء ثقة كبيرة لدى جماهير الشعب، بقدراتها وتكتيكاتها، وأدواتها، حتى بات الشعب يراهن عليها لفرض معادلات الردع في وجه القوة البحرية الأمريكية الأكبر في العالم، وهذه الثقة ليست مستندة إلى القدرات المادية فحسب، بل إلى الاعتماد أولا وأخيرا على الله تعالى، والتوكل عليه، ولذلك فهناك ثقة مطلقة بالتوفيق والنصر، بناء على المبادئ الأساسية التي يؤمن بها شعب الإيمان والحكمة.
رسالة لغزة: لستم وحدكم
مهما اشتدت المعاناة، وتخاذلت الحكومات والشعوب، تبقى رسالة الشعب اليمني لأبناء فلسطين عموما وغزة على وجه الخصوص، لستم وحدكم، فالله معكم، وشعب اليمن معكم، بالكلمة والموقف والدم، فلا تستوحشوا لقلة المتضامنين، ولن نترككم ، مهما فعلت واشنطن، ومهما حشدت، أو قتلت أو أرعبت، فاليمنيون ثابتون، حتى تحقيق النصر، والإيمان والأمل بالله تعالى كبير جدا، والصبر سلاح المؤمنين، صبر في ميدان العمل، صبر في ساحة المواجهة، صبر في معرض التضحيات الجسيمة، والدماء الزكية التي تسقي شجرة نصر قريب بإذن الله تعالى.
والخلاصة:
يدرك اليمنيون أهمية الخروج المليوني كرسالة رد قوية على ترامب، تؤكد على المعاني السابقة، ومن منطلق الإيمان بالله، والوعي بالمخططات الخبيثة لأمريكا وإسرائيل، وليس فقط من منطلق العاطفة، وإن كانت العاطفة فعالة بشكل كبير ، لا سيما تجاه ما يجري للنساء والأطفال من قتل وحشي من قبل العدو الإسرائيلي، مضافا إليه الحصار الخانق، وتوقف المخابز في غزة، حتى ظهرت كل علامات الجوع والمآسي هناك، ولهذا جاءت مسيرات الجمعة بزخم هائل، وحماس منقطع النظير، ومعنويات تناطح السماء، تراها في وجوه المشاركين، كبارا وصغارا، وتلمسها في القبضات المرفوعة، وتحسها تنطلق من الحناجر المجلجلة، لقد كان مشهدا مهيبا، يختصر كل معاني الوفاء والتضحية والجهاد والثبات والاستبسال.