سياسة التهجير في الأغوار: تآكل الوجود الفلسطيني أمام التوسع الاستيطاني الصهيوني

موقع أنصار الله – متابعات – 21 شوال 1446هـ

قبل نحو أسبوعين، كان المواطن الفلسطيني ياسر أبو عرام، من الأغوار الشمالية، على موعد مع فصل جديد من فصول معاناته اللا منتهية، بعد اقتحام قوات العدو الصهيوني تجمع الرأس الأحمر، وهدم وتفكيك خيامه ومنشآته كافة، والاستيلاء عليها.

قبل ذلك بنحو شهر، اضطر أبو عرام، مع أبنائه وعائلاتهم، ومجموعهم خمس عائلات تضم 35 فردًا، للرحيل قسرًا عن تجمع وادي الفاو الذي كانوا يقيمون فيه، لتكون آخر العائلات المهجّرة قسرًا منه، حيث هجّرت العائلات منه تباعًا على مدار عام ونصف، تزامنًا مع العدوان على قطاع غزة، نتيجة تصاعد اعتداءات المستوطنين في المنطقة، ووصولها إلى مراحل في غاية الخطورة.

ما واجهته عائلة أبو عرام من تهجير قسري، واجهته مئات العائلات مؤخرًا في الضفة، خاصة في مناطق السفوح الشرقية والأغوار، التي تشهد استهدافًا متصاعدًا من المستوطنين المدعومين من قوات العدو، حيث تصاعدت عمليات التهجير بشكل غير مسبوق، تزامنًا مع حرب الإبادة على قطاع غزة منذ عام ونصف.

وتشير معطيات هيئة مقاومة الجدار والاستيطان إلى أن 29 تجمعًا في الضفة الغربية المحتلة، تم تهجيرها منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2023 وحتى الآن.

يروي أبو عرام، في حديثه لـ”وفا”، تفاصيل ما تعرض له مع أبنائه وعائلاتهم خلال الشهرين الأخيرين من عنف المستوطنين، الذين حملوه، في نهاية المطاف، على الرحيل قسرًا عن وادي الفاو، وصولًا إلى ملاحقته وهدم وتفكيك منشآته، والاستيلاء عليها من قبل قوات الاحتلال في منطقة الرأس الأحمر، التي انتقل إليها مؤخرًا، لإجباره على الرحيل عنها أيضًا.

يشير أبو عرام إلى أن حياة المواطنين في وادي الفاو، تحولت إلى جحيم خلال العقد الأخير، عقب إقامة المستوطنين بؤرتين رعويتين عند جانبي التجمع من الجهتين الشرقية والغربية. أُقيمت أولى البؤرتين في العام 2015، فيما أقيمت الثانية في العام 2019.

ويؤكد أنه، منذ سنوات طويلة، لم يعرف شعور الأمان، فلم يدّخر المستوطنين وسيلة إلا واتبعوها لإرهاب السكان والاعتداء عليهم، لإجبارهم على ترك مساكنهم وتجمعاتهم في الأغوار، فيما يقومون عقب ذلك بتسييج هذه الأراضي، وضمها إلى البؤر والمستوطنات القائمة.

وتنوعت اعتداءات المستوطنين بين مهاجمة المواطنين في مساكنهم، والاعتداء عليهم، ومحاربتهم في رزقهم القائم على الثروة الحيوانية، من خلال ملاحقتهم في المراعي، ومنعهم من دخولها، بالإضافة إلى دعس المواشي أثناء الرعي أو سرقتها.

يضيف أبو عرام: “كل ما كابدناه من عذابات مع المستوطنين في سنوات طويلة، لا يُقارن بقسوة ما شاهدناه منهم خلال الأيام الأخيرة قبل رحيلنا عن وادي الفاو، ففي أواخر شهر شباط/ فبراير الماضي، أقام مستعمرون من البؤر القريبة خيمة على بُعد أمتار من مساكننا، عندها بدأ الأمر يزداد خطورة”.

وعلى مدار أيام بعد ذلك، عاشت عائلة أبو عرام حالة أشبه بالحصار، كما وصفها، اختبروا خلالها صنوفًا كثيرة من الخوف، وكانوا يتعرضون لترهيب واعتداءات على مدار الساعة، من المستوطنين المدججين بالأسلحة. بعد ذلك، خرجوا من التجمع قسرًا، مع بداية شهر آذار/ مارس الماضي، متجهين إلى منطقة الرأس الأحمر.

ووفقًا لرئيس مجلس قروي المالح والمضارب البدوية، مهدي دراغمة، فإن 13 عائلة كانت تسكن تجمع وادي الفاو قبل حوالي عام ونصف، وهذه العائلات تعرضت للتهجير تباعًا بفعل إرهاب المستوطنين، وآخرها عائلة ياسر أبو عرام وعائلات أبنائه، والبالغ عددها خمس عائلات.

وتشير التقديرات لدى دراغمة إلى أن أكثر من 30 عائلة من الأغوار الشمالية وحدها، تعرضت للتهجير القسري من أماكن سكنها، بسبب اعتداءات المستوطنين. يأتي ذلك تزامنًا مع العدوان على قطاع غزة منذ شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2023 وحتى الآن.

كما تشير المعطيات لدى هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، إلى أن 29 تجمعًا في الضفة، تعرضت للتهجير القسري في الفترة نفسها، وهي تشكّل أضعاف عمليات التهجير عن الفترة السابقة، فعلى مدار عامين قبل ذلك، تم تهجير أربعة تجمعات فقط.

ويضيف دراغمة أن مناطق الأغوار الشمالية، التي تشهد اعتداءات متصاعدة من المستوطنين لتهجير سكانها قسرًا، تتعرض أيضًا لهجمة غير مسبوقة من قوات العدو الصهيوني، في تكامل واضح للأدوار.

ويؤكد أن قوات العدو الصهيوني استولت على مساحات واسعة من الأراضي في الفترة الأخيرة، بالإضافة إلى تطبيق قوانين جديدة تتيح هدم المنشآت دون إخطار مسبق، وهذا ما تم تطبيقه مؤخرًا مع عائلة أبو عرام في منطقة الرأس الأحمر، وغيرها من العائلات في مناطق الأغوار.

بعد تهجير عائلة أبو عرام من وادي الفاو، وانتقالها إلى الرأس الأحمر، بدأت تعايش صنوفًا جديدة من العذاب في المكان الذي أقامت فيه، فعمليات الهدم والاستيلاء التي نفذتها قوات الاحتلال، شملت كافة منشآتهم السكنية، وحظائر مواشيهم، بالإضافة إلى ممتلكاتهم من مولدات كهربائية، وأنظمة طاقة شمسية، وخزانات وصهاريج مياه.

اضطرت العائلة نتيجة لذلك، للرحيل مرة أخرى إلى أرض مجاورة في منطقة الرأس الأحمر ذاتها، وخلال ذلك، تعايشت مع ظروف صعبة وشاقة، فيما لا تزال مخاطر التهجير تلاحقهم.

كما تعرضت العائلة لخسائر في المواشي، خلال عملية تفكيك قوات العدو الصهيوني للحظائر أثناء تواجد المواشي داخلها، وسقوط عدد من الأعمدة والقضبان الحديدية عليها، ما أدى إلى نفوق حوالي 10 رؤوس من الماشية، تباعًا خلال أيام بعد ذلك. ويتخوف أبو عرام من ازدياد الخسائر بمواشيه التي يعتاش منها، بسبب ما لحق بها من أذى، فضلًا عن بقائها دون مأوى.

ويؤكد أبو عرام، الذي يمتلك مع أبنائه حوالي ألفي رأس من الماشية، أنه كان يمتلك خلال السنوات الماضية عددًا أكبر، لكن مواشيه تناقصت تدريجيًا خلال الأعوام الأخيرة، بسبب عدة عوامل، جميعها متعلقة بانتهاكات وتضييقات المستوطنين وقوات الاحتلال، ومنها ملاحقة الرعاة، والاستيلاء على المراعي، وما تبقى من ينابيع ومصادر مياه.

ونتيجة لذلك، فقد الرعاة سبل الوصول إلى المياه والمراعي، وضاقت عليهم الأرض بما رحبت، وهم الآن يضطرون لشراء الأعلاف على مدار العام، ونقل المياه بواسطة الصهاريج من المناطق المجاورة، وهذه أيضًا رحلة محفوفة بالمخاطر، حيث يتعرض المواطنون خلال ذلك لملاحقة من المستوطنين وقوات العدو، التي تستولي على صهاريج النقل في أغلب الأوقات.

وتشير ورقة بحثية صادرة عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية، نُشرت في شهر أيلول/ سبتمبر 2024، بعنوان (واقع القطاع الزراعي في الأغوار بعد السابع من أكتوبر 2023)، إلى أنه “قبل عام 1967، كانت الأغوار موطنًا لحوالي 320 ألف فلسطيني، إلا أن هذا العدد تقلص بشكل كبير، بسبب سياسات التهجير القسري المستمرة التي ينفذها الاحتلال”.

اليوم، لا يتجاوز عدد الفلسطينيين في الأغوار 65 ألفًا، موزعين على 27 تجمعًا سكانيًا (مركز الإحصاء الفلسطيني، 2023)، في المقابل، تضاعف عدد المستوطنين الإسرائيليين ليصل إلى أكثر من 15 ألفًا، يعيشون في 37 مستعمرة، تستولي على ما يزيد على 50% من الأراضي الزراعية (بتسيلم، 2023). وتهدف هذه التحولات الديموغرافية إلى تغيير التركيبة السكانية للأغوار، وتسهيل السيطرة الصهيونية على المنطقة.

ووفقًا للورقة، “ازدادت التحديات التي تواجه القطاع الزراعي والرعوي في الأغوار منذ السابع من أكتوبر 2023، نتيجة حرب الإبادة التي يشنها العدو الصهيوني على غزة، وحملات التهجير العرقي المنظمة في الضفة الغربية؛ فقد شهدت الأغوار في هذه الفترة تصاعدًا غير مسبوق في الاعتداءات على المزارعين والرعاة، بما في ذلك تدمير المحاصيل، وقطع الأشجار المثمرة، وتهجير الرعاة من المراعي.

ولا تهدف هذه الاعتداءات إلى تقويض الزراعة والرعي فحسب، بل تسعى أيضًا إلى إفراغ الأغوار من سكانها الفلسطينيين، وتحويلها إلى منطقة استعمارية خالصة”.

كما يؤكد تقرير صدر مؤخرًا عن حركة “السلام الآن” الصهيونية، المناهضة للاستيطان، “أن العام الماضي 2024 تميز بسياسة تقليص المساحة الفلسطينية في مناطق (ج) و(ب)، وتوسيع الوجود الإسرائيلي في هذه المناطق”.

ويضيف التقرير: أنه تم “إنشاء ما لا يقل عن 59 بؤرة استعمارية جديدة، معظمها بؤر زراعية، تشارك في الاستيلاء على الأراضي، وتهجير الفلسطينيين من المنطقة بشكل منهجي”، مؤكدًا أن “هذا عدد غير مسبوق من البؤر الاستعمارية الجديدة، فمنذ عام 1996 وحتى بداية عام 2023، تم إنشاء ما معدله السنوي أقل من 7 بؤر في السنة”.

 

قد يعجبك ايضا