التحركات الأخيرة في حضرموت ومشروع “الشرق الأوسط الجديد”

موقع أنصار الله. تحليل | أنس القاصي

 

تشهد اليمن تحولات متسارعة في محافظة حضرموت، حيث برز حلف “قبائل حضرموت” بقيادة الشيخ “عمرو بن حبريش” كفاعل محلي صاعد يدفع باتجاه “الحكم الذاتي”، في سياق إقليمي بالغ التشابك تتقاطع فيه مصالح السعودية مع الطموحات الأمريكية والمشاريع الإماراتية والتركية، وتتصاعد فيه التوترات بين القوى الجنوبية المتنافسة، على وقع مشاريع إعادة التشكيل الإقليمي المعروفة بـ”الشرق الأوسط الجديد”.

تعيش حضرموت لحظة مفصلية قد تعيد رسم الخارطة السياسية لليمن والجنوب والشرق اليمني. فالمشروع السعودي يجد ترجمته الميدانية في مطالب “الحلف القبلي” بالحكم الذاتي، وقد أضفى اللقاء اللافت الذي جمع “بن حبريش” بوزير الدفاع السعودي في الرياض بعداً استراتيجياً على تحركات الحلف، ما يوحي بتقاطع مصالح وتنسيق في الأهداف بين الطرفين.

وبعد يومين فقط من تحركات “بن حبريش”، أُعلن في مدينة سيئون عن تأسيس كيان سياسي جديد تحت مسمى “تيار التغيير والتحرير” برئاسة أبو عمر النهدي، وبدعم تركي – إخواني، في خطوة تعكس انخراط قوى إقليمية أخرى في الساحة اليمنية الحضرمية. جاء هذا الإعلان في لحظة سياسية دقيقة تشهد فيها المحافظات الجنوبية والشرقية تنافساً حاداً على النفوذ بين السعودية، الإمارات، الولايات المتحدة، تركيا، وقطر.

وفي تطوّر لاحق، أكد هيوستن هاريس، المسؤول السياسي في السفارة الأمريكية لدى اليمن، خلال اتصال مرئي بمحافظ حضرموت في حكومة الفنادق مبخوت بن ماضي (بتاريخ 17 إبريل 2025م)، حرص بلاده على “دعم استقرار المحافظة وتطوير خدماتها”، مشيراً إلى زيارة مرتقبة للسفير الأمريكي ستيفن فاجن إلى حضرموت لمناقشة الأوضاع الأمنية والاقتصادية.

ويأتي هذا الانخراط الأمريكي – التركي المباشر في توقيت حساس، ليعكس تصاعد الاهتمام الدولي بمحافظة حضرموت ذات الموقع الجيوستراتيجي المطل على بحر العرب.

في هذا التقرير، نسلّط الضوء بشكل خاص على التحرك السعودي عبر الحلف القبلي، نظراً لكونه التحرك الأكثر تأثيراً وخطورة في اللحظة الراهنة، مع الإشارة إلى أن هذا المسار لا يبدو متعارضاً مع الانخراط الأمريكي، بل يُكمل ملامح الترتيب الإقليمي الجديد في اليمن.

 

قراءة في البيان الصادر عن “حلف قبائل حضرموت” (12 أبريل 2025م)

 

في ظل تحولات سياسية وأمنية متسارعة في اليمن، وتحديداً في الشرق اليمني، برز بيان “حلف قبائل حضرموت” الصادر في 12 أبريل 2025م كوثيقة سياسية تعكس توجهاً واضحاً نحو الحكم الذاتي والانفصال عن الكيان اليمني المركزي. تتقاطع هذه النزعة مع مشروع توسعي سعودي واضح المعالم، بالإضافة إلى اهتمام أمريكي متصاعد بإنشاء قاعدة عسكرية في ساحل “بروم ميفع” على البحر العربي.

 

السياق الجيوسياسي العام منذ اندلاع العدوان 2015م:

 بدأت المملكة العربية السعودية بتوسيع نفوذها في محافظة حضرموت، مستفيدة من غياب الدولة المركزية اليمنية ومن الانقسامات في القوى المحلية، والحرب المستمرة منذ عشرة أعوام، هذا التمدد السعودي الجديد والسابق للحرب تجاوز، بحسب تقارير عديدة، اتفاق ترسيم الحدود الرسمي بين اليمن والسعودية، وفي ذات الوقت تسعى الولايات المتحدة لإنشاء قاعدة عسكرية استراتيجية على ساحل حضرموت، وتبحث الإمارات عن حضور لها، وتدخل تركيا مؤخراً في اللعبة، ما يعكس تنافساً دولياً على هذه المنطقة الحيوية.

 

مضامين بيان حلف قبائل حضرموت

تتبنى خطاب الحكم الذاتي؛ فالبيان يطالب بشكل صريح بحق حضرموت في ما يسميه “الحكم الذاتي” و”تقرير المصير”، ويصف الوحدة اليمنية بأنها “إلحاق قسري” منذ عام 1967؛ فقديماً كان على بريطانيا أن تسلم لثوار جبهة 14 أكتوبر “الجبهة القومية” مناطق حكومة اتحاد إمارات الجنوب العربي التابعة لبريطانيا، فيما “حضرموت لم تكن جزءًا منها، وبالتالي فتسليم حضرموت لم يكن التزاما بريطانيا، إلا أن الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل أسقطت السلطنات في حضرموت قبل الاستقلال، ولم تذهب إلى المفاوضات مع بريطانيا في جنيف نوفمبر 1967م إلا وقد أصبح كل جنوب وشرق اليمن تحت سيطرتها بما في ذلك حضرموت”. فعودة البيان إلى هذه الحادثة التاريخية يعكس خطاباً انفصالياً كاملاً عن اليمن بجنوبها وشمالها.

 

سردية المظلومية التاريخية

 

يستحضر البيان سلسلة من الأحداث والمراحل ليُظهر أن حضرموت كانت ضحية لتهميش وظلم منذ الاستقلال، ما يهدف إلى تعبئة جماهيرية محلية خلف المشروع السياسي الجديد.

الانفتاح على السعودية: يشير البيان إلى تقديرهم “تفهم السعودية لمطالب الحضرميين”، حد تعبيره، في محاولة لشرعنة التدخل السعودي وتحويله من دعم لوجستي إلى دعم سياسي لمشروع الحكم الذاتي.

  تجاهل متعمد لليمن عموماً، فلم يذكر الحكومة الوطنية في صنعاء ولا الحكومة العميلة في عدن، ولا حتى “المجلس الانتقالي” الجنوبي الذي يتحدث عن حدود ما قبل عام 1990م، بل يشير إلى “هيمنة الأطراف الأخرى”، ما يعكس نية لفك الارتباط الكلي مع المركز السياسي اليمني.

 العلاقة مع المشروع السعودي منذ بدء الحرب: دفعت السعودية بعدد من شيوخ حضرموت لتوقيع عريضة تطالب بضم المحافظة للمملكة، ويأتي البيان الحالي استمراراً لتلك الجهود ولكن تحت عباءة “الحكم الذاتي” كمرحلة أولى، وتركز السعودية على استخدام واجهات محلية قبلية واجتماعية للتغلغل الناعم في حضرموت، بعيداً عن الصدامات المباشرة أو الاحتلال التقليدي.

 الارتباط بالمشاريع الأمريكية: البيان يتحدث عن التنمية والبنية التحتية والعيش الكريم، وهي مفردات تتماهى مع الخطاب الأمريكي الذي يرافق عادة إنشاء قواعد عسكرية أو مناطق نفوذ دائمة.

 

المخاطر المترتبة على هذه التحركات

تفكك الدولة اليمنية، وتحويل حضرموت إلى كيان تابع أو منطقة نفوذ إقليمي دولي. ونشوء صراعات محلية داخل حضرموت بين القوى الرافضة والموالية لهذا المسار. وتعزيز النزعات الانفصالية في مناطق جنوبية أخرى، ما يُسرّع من تفتيت البلاد، وإعطاء فرصة لدور سعودي يتجاوز الدعم إلى السيطرة، ولوجود أمريكي عسكري مباشر، وطوال الأعوام الماضية ظهرت قوات المارينز في عدة مناطق من حضرموت.

 في العموم لا يمكن فهم بيان “حلف قبائل حضرموت” خارج سياق الصراع الإقليمي والدولي على الجنوب والشرق اليمني؛ فهو ليس فقط تعبيراً عن تطلعات محلية، بل هو جزء من إعادة تشكيل خارطة النفوذ في المنطقة، ومشروع الشرق الأوسط الجديد القائم على تفكيك الدول المركزية إلى دويلات تابعة وخاضعة للمشروع الإمبريالي الصهيوني. ومن دون استراتيجية وطنية واضحة تعيد الاعتبار للهوية اليمنية الوحدوية الجامعة، فإن مشاريع الانفصال والتبعية ستجد بيئة خصبة للنمو والتجذر.

  

ردود الأفعال وصراع القوى في حضرموت

 

كشف الإعلان الأخير لـ”حلف قبائل حضرموت” حول مشروع الحكم الذاتي عن تفاعلات سياسية متباينة، عكست تشابك المصالح الداخلية والإقليمية، والتنافس المحموم بين المشاريع السياسية في الجنوب الشرقي من اليمن، حيث تلعب حضرموت دوراً محورياً في ترجيح أي من أطراف الصراع إذا ما أستولى عليها.

 

 تنافس “حلف القبائل” و”المجلس الانتقالي الجنوبي”

 أوضح الحراك القبلي تصاعد التوتر مع “المجلس الانتقالي” الجنوبي، الذي يرى في الحلف تهديداً مباشراً لمشروعه القائم على استعادة “دولة الجنوب”، وصف الانتقالي تحركات الحلف بـ”محاولة للهيمنة الداخلية”، بينما ركّز الحلف على خطاب تعبوي يستهدف القاعدة الشعبية، ما يُبرز تنافساً على من يملك الشرعية الشعبية في الجنوب. تعكس هذه المواجهة تناقضاً في الرؤية الجغرافية والسياسية؛ فبينما يتمسك “الانتقالي” بوحدة الجنوب تحت سلطته ويتحدث حول مظلومية حرب 1994م، يسعى الحلف لتفكيك هذا المشروع من الداخل، باسم “الحكم الذاتي”.

  

الموقف السعودي

 الزيارة اللافتة لرئيس الحلف “عمرو بن حبريش” إلى الرياض ولقاؤه بوزير الدفاع السعودي أعطى بعداً استراتيجياً لتحركات الحلف. يُقرأ هذا اللقاء كرسالة ضمنية مفادها أن السعودية تفضل التعامل مع قوى محلية مستقلة نسبياً في حضرموت، بعيداً عن المجلس الانتقالي والإصلاح وحتى عن سلطة حكومة العليمي العميلة، ويُظهر ذلك استمرار الاستراتيجية السعودية الهادفة إلى تقويض أي قوة جنوبية موحدة قد تتقاطع مع النفوذ الإماراتي.

  

موقف الحكومة العميلة

 الموقف الرسمي للسلطة العميلة في عدن اتسم بـ”الغموض”، في ظل غياب بيانات حاسمة من الرئاسة أو الحكومة العميلين، واقتصار الرد على تحذيرات اللجنة الأمنية من التشكيلات الخارجة عن الدولة. التصريح الذي صدر عن اللواء فرج البحسني، وهو عضو مجلس القيادة الرئاسي-العميل وابن حضرموت- الموزع ولاؤه بين الإمارات والسعودية-، جاء محافظاً وموحداً، داعياً إلى “التكاتف وتجاوز الانقسامات” دون تبنٍّ صريح لموقف الحلف أو رفضه، وهو ما يعكس حرصه على البقاء نقطة توازن بين المشاريع المتنافسة.

  

خلاصة المشهد

ما نشهده في حضرموت ليس مجرد تحرك قبلي، بل إعادة رسم لخريطة السيطرة والنفوذ في اليمن، تتداخل فيها قوى محلية تتنازع تمثيل المحافظة، وقوى إقليمية تسعى لاستخدام الملف الحضرمي كورقة تفاوض ومشروع نفوذ.

بيان الحلف ومجريات ما بعده تُظهر بوضوح أن حضرموت لم تعد هامشاً، بل ساحة صراع محورية تحدد توازن الجنوب ومستقبل اليمن. والتصريحات والتحركات الأمريكية جزء من هذه المساعي. فتحركات السفير الأمريكي ليست عشوائية أو منفصلة عن السياق الدولي، بل هي جزء من استراتيجية شاملة تتداخل فيها أدوات الانفصال، والسيطرة الجغرافية، وتحالفات التطبيع، لتكريس مشروع الهيمنة الأميركي في النظام العالمي الجديد الذي يتشكل.

قد يعجبك ايضا