ثبات الموقف اليمني تجاه فلسطين
في شرق أوسط يعج بالتحالفات المتغيرة والتهديدات المتزايدة، حيث تتردد دعوات مبهمة لتغيير معالم المنطقة بتنسيق أمريكي، يبرز جرح غائر ينزف منذ عقود: فلسطين. تعتبر هذه البقعة المقدسة ضمير الأمة الحي، وصوت الحق الذي يصدح في وجه صمت العالم وتخاذل الدول العربية. إن فلسطين تمثل نقطة التقاء الهوية العربية والإسلامية، وتحمل بين طياتها معاني الكرامة والعزة، مما يعكس رؤية أمتنا تجاه العدالة.
بينما تتشابك خيوط السياسة الدولية وتتقاطع المصالح، يظل جهاد الشعب الفلسطيني وتضحياته الأسطورية منارة تنير دروب الحرية، كاشفةً زيف ادعاءات العدالة والإنسانية في عالم يكيل بمكيالين. يرمز الفلسطينيون، برابطتهم القوية مع أرضهم وبسالتهم المستمرة، إلى الأمل والتحدي في وجه الطغيان الصهيوني، ويؤكدون أن الحق لا يُغمر مهما كانت الظروف. مع استمرار الاحتلال والاستبداد، تتجلى إرادة هذا الشعب في رسم معالم مستقبله، يتحدون بشجاعتهم كافة الصعاب.
على أرض مباركة ارتوت بدماء الأنبياء والصالحين، يسطر الشعب الفلسطيني ملحمة صمود فريدة في التاريخ الإنساني. جيلًا بعد جيل، يواجه هذا الشعب آلة القمع الصهيونية المدعومة بالدول الغربية التي تتجاهل جميع الأعراف والقوانين. لم تُثنه المجازر الوحشية، ولم تهز في عزيمته عواصف التهجير، ولم تُضعف إيمانه بعدالة قضيته أسوار الحصار الجائر.
في كل بيت حكاية بطولة، وفي كل زاوية شاهد على جريمة، وفي كل قلب ينبض بحب الأرض وتوق للحرية. إن جهاد الشعب الفلسطيني ليس مجرد خيار عبثي؛ بل هو ضرورة في وجه الظلم، وحق مقدس تكفله تعاليم الله والقوانين الوضعية لكل شعب يرزح تحت الاحتلال.
فالصمود الفلسطيني يمثل أملًا عالميًا في الإصرار على الحق والعدالة، ويُشعِل شعلة النضال في قلوب كل الأحرار حول العالم، مؤكدًا أن الحرية لا تُهدى بل تُنتزع. في خضم الصعوبات، يبقى الشعب الفلسطيني رمزًا للعزيمة والإرادة، يجسد أسمى معاني المقاومة ويُطلق صرخات تطالب بدين الحب والأمان والكرامة.
لا يمكن وصف الكيان الإسرائيلي إلا بوصفه غولًا توسعيًا، نشأ على أنقاض الأرواح واغتصاب الأراضي، مرتكبًا أبشع الفظائع بحق الشعوب. أطماعه لا تعرف حدودًا، تتمدد كالأخطبوط لتلتهم المزيد من الأراضي الفلسطينية، وتمحو الهوية العربية والإسلامية للقدس الشريف. الحصار اللاإنساني المفروض على غزة، الذي يحول حياة مليوني إنسان إلى جحيم يومي، والاعتداءات الهمجية المتكررة على المدن والقرى الفلسطينية، وهدم المنازل وتجريف الأراضي، كلها شواهد حية على وحشية وإجرام هذا الكيا. إنها جرائم حرب موصوفة وجرائم ضد الإنسانية تستدعي موقفا عسكريا حاسما.
وكما أشار السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي، فإن العدو الإسرائيلي “يستمر في هذه الانتهاكات بلا أي اعتبار، لا لا اتفاقيات سابقة، حتى مع السلطة الفلسطينية التي تتعاون معه في الضفة الغربية تحت عنوان “التنسيق الأمني”، وللأسف الشديد، ولا يعتبر أي مواثيق من الأمم المتحدة أو حقوق إنسان… ولا أي شيء. وأؤكد لكم أنه لا يوجد أي تحرك فعلي أو جاد من جانب العرب، ويستند إلى المعونة الأمريكية، والشراكة الأمريكية، والدعم الأمريكي”.
يؤكد السيد القائد في أكثر من موقف أن الأمريكي يواكب العدو الإسرائيلي؛ للاستمرار في الإجرام، و العدوان، و الإبادة الجماعية، والأمريكي يُقَدِّم للإسرائيلي باستمرار شحنات الأسلحة، التي لا تتوقف عمليات النقل لها بشكلٍ مستمر، يكاد أن يكون يومياً، وهناك في هذه الأيام تكثيف أمريكي، لتزويد العدو الإسرائيلي بشحنات الأسلحة بكميات ضخمة، من القنابل والذخائر لإبادة الشعب الفلسطيني؛ لمواكبته في جرائم الإبادة، وأيضاً لتعبئة المخازن (المخازن الأمريكية، والمخازن الإسرائيلية)، بعد نفاد ما قد نَفِد خلال الفترة الماضية” .
في تقرير لهيئة “البث العبرية”، ذكرت أن عشرات طائرات الشحن الأمريكية قد حطت مؤخرًا في “إسرائيل” محملة بأسلحة ثقيلة لدعم حرب الإبادة في قطاع غزة. خلال الفترة الأخيرة، وصلت طائرات عسكرية أمريكية من طراز (C17) إلى قاعدة “نفاتيم” الجوية، محملة بأسلحة وذخائر نُقلت من قواعد أمريكية حول العالم. تشمل الشحنات قنابل ثقيلة من نوع (MK-84) وذخائر أخرى لدعم العدوان على غزة.
ومن المقرر أن تصل آلاف الذخائر الإضافية إلى الكيان الإسرائيلي خلال الأسابيع المقبلة، في إطار عمليات إعادة ملء المخازن التي استُنزفت منذ بداية الحرب المستمرة على غزة.
وفقًا لتقارير إسرائيلية وأمريكية، قدمت الولايات المتحدة للعدو الإسرائيلي معونات عسكرية تجاوزت 22 مليار دولار منذ 7 أكتوبر 2023 حتى أغسطس 2024، شملت 50 ألف طن من الأسلحة، بما في ذلك صواريخ دقيقة وقنابل موجهة ومروحيات هجومية ومركبات مدرعة.
تشير البيانات إلى أن 69 بالمئة من واردات العدو الإسرائيلي من الأسلحة بين 2019 و2023 جاء من الولايات المتحدة، وارتفعت هذه النسبة إلى 78 بالمئة في الفترة التالية. حتى ديسمبر 2023، نقلت الولايات المتحدة أكثر من 10 آلاف طن من الأسلحة بقيمة 2.4 مليار دولار إلى الكيان الإسرائيلي، ليصل الرقم إلى 50 ألف طن بحلول أغسطس 2024.
في مواجهة كل هذا العدوان والاعتداء والطغيان، يبرز ثباتٌ عظيم للمجاهدين من (كتائب القسام، وسرايا القدس، وبقية الفصائل)، رغم الظروف الصعبة للغاية التي يواجهونها. إنهم يتصدون للعدو الإسرائيلي ببطولة لا تضاهى، يقاتلون ببسالة، ويثبتون في معارك حاسمة، حيث يوقعون العدو في كمائن الموت، ويواصلون إطلاق الرشقات الصاروخية، والقصف بقذائف الهاون، ويشتبكون مع العدو من المسافة صفر. المشاهد تُظهر استبسالهم وتفانيهم في الدفاع عن أرضهم.
وكما أكد السيد، ستظل فلسطين البوصلة التي تهدي جميع الضمائر الحية، وستبقى قضيّتها هي القضية المركزية للأمة العربية والإسلامية ولكل أحرار العالم. إن الحق الفلسطيني في أرضه، وفي سيادته الكاملة على ترابه الوطني وعاصمته الأبدية، القدس الشريف، هو حق مقدس ، ولا يمكن لأي قوة في العالم أن تنتزعه. وحق العودة للاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم التي هُجروا منها قسراً هو جوهر العدالة.
في هذا الظلام الحالِك، يسطع نور من أرض اليمن الشماء، صوت مدوٍ بالحق والعروبة والإسلام. إن الموقف الشجاع والصلب لليمن، قيادةً وشعبًا، في مساندة القضية الفلسطينية والدفاع عن المقدسات الإسلامية، يمثل نموذجًا فريدًا للتضحية والإباء. ورغم الجراح والتحديات الكبيرة التي يواجهها اليمن، يقف الشموخ أمام قوى الاستكبار، معلنًا دعمه المطلق لفلسطين وجهاد شعبها. هذه المساندة ليست مجرد شعارات، بل تتحقق من خلال مواقف عسكرية واضحة، ودعم شعبي لا يلين، ومواجهة عسكرية ضارية ضد الولايات المتحدة في البحر الأحمر، مع اختراق للعمق الإسرائيلي بواسطة المسيرات والصواريخ التي تهز أمنهم المزعوم. إن اليمن، رغم إدراك قيادته وشعبه لما هو متاح، يبعث الأمل في نفوس الفلسطينيين والأحرار في كل مكان أولئك الذين لا يزالون يؤمنون بالحق ويدافعون عنه.
في سياق متصاعد، نفذت القوات المسلحة اليمنية سلسلة من العمليات العسكرية الملحوظة خلال الأسبوع الجاري، دعماً للشعب الفلسطيني. حيث استهدفت عدة عمليات مواقع حساسة في الأراضي المحتلة، بما في ذلك قصف صاروخي وهجمات بطائرات مسيرة استهدفت يافا وعسقلان. من أبرز تلك العمليات، الهجوم على مطار “بن غوريون” بواسطة صاروخ “ذي الفقار”، واستهداف قاعدة صواريخ تابعة لقوات العدو الجوية شرق أسدود بصاروخ “فرط صوتي”. وقد أسفرت هذه الضربات عن توقف حركة الطيران في مطار العدو، مما أحدث حالة من الذعر والرعب بين الصهاينة الذين هرعوا بالملايين إلى الملاجئ تزامنًا مع ما يسمى بـ “عيد الفصح اليهودي”.
في هذا السياق، استمرت القوات المسلحة في التصدي للوجود العسكري الأمريكي في المنطقة، باستهداف مستمر لحاملة الطائرات الأمريكية، والاشتباك معها. كما تواصل فرض حظر على الملاحة الإسرائيلية والأمريكية في البحر الأحمر والبحر العربي، معلنةً توقف الملاحة بشكل كامل.
وفي إنجاز ملموس، أعلنت قوات الدفاع الجوي اليمنية عن إسقاط طائرة استطلاع مسلحة أمريكية من طراز “م كيو 9″، ليصل بذلك عدد الطائرات الأمريكية التي تم إسقاطها إلى 21 طائرة منذ بدء عمليات الإسناد للشعب الفلسطيني. ومنذ الخامس عشر من رمضان، نفذت القوات المسلحة 81 عملية، مستخدمةً 171 صاروخًا بالستيًا ومجنحًا وفرط صوتيًا، وطائرات مسيرة استهدفت العمق الفلسطيني واشتباكات مع القوات الأمريكية.
تواصل الاشتباكات مع حاملة الطائرات الأمريكية والقطع البحرية المرافقة لها شمال البحر الأحمر حيث تمت 33 عملية اشتباك باستخدام 122 من الصواريخ البالستية والمجنحة والطائرات لمسيرة، مما أدى إلى تحييد شبه كامل لدور حاملة الطائرات في المنطقة.
وخلال شهر شوال الجاري، أسقطت القوات اليمنية 6 طائرات استطلاع مسلحة أمريكية إضافية من طراز “م كيو 9″، وأكدت تنفيذ 4 عمليات إطلاق لصواريخ “قدس” استهدفت طائرات تجسس أمريكية. كما تمت أكثر من 11 عملية اعتراض لطائرات أمريكية، بما في ذلك طائرات الشبح B-2 والمقاتلات F-18. وفي سياق العمليات تجاه الأراضي الفلسطينية، تم تنفيذ 26 عملية باستخدام 30 صاروخا باليستيا ومجنحا وطائرة كسيرة. كما أكد السيد القائد، فإن الفاعلية الكبيرة لهذه العمليات تثبتها الحقائق على الأرض، من حيث حجمها ومستواها وزخمها. إن القدرات – بحمد الله – لا زالت معافاة وقوية، لم تتأثر بالعدوان الأمريكي، بل تتنامى وتقوى، مع زيادة الابتكار والإتقان في مجالات التصنيع والتقنية والتكتيك العملياتي.
إن تحليل الأحداث بمعزل عن القضية الفلسطينية يعتبر ضربًا من العبث، ويؤكد على قراءة مبتورة للتاريخ والجغرافيا. ستبقى فلسطين هي القلب النابض للأمة الإسللامية، وستظل قضيتها المحرك الأساسي للصراعات والتحالفات في هذه المنطقة. إن جهاد الشعب الفلسطيني ليس مجرد معركة على أرض، بل هو صراع مع عدو الأمة، ومن أجل كرامة وعزة الأمة. ومهما طال ليل الاحتلال، فإن فجر الحرية آتٍ لا محالة، بفضل صمود هذا الشعب الأبي وتضحياته الجسام، وبفضل أصوات الحق التي لا تزال تعلو في وجه الصمت والتخاذل. ستظل راية فلسطين خفاقة، وستعود القدس عربية حرة، وستُقام الدولة الفلسطينية المستقلة على كامل ترابها الوطني، شاء من شاء وأبى من أبى.