صنعاء تحيّد «فخر» الصناعة الأمريكية: «إم كيو – 9» صيداً دائماً

|| صحافة ||

يُنظر، في واشنطن، إلى نجاح «أنصار الله» في إسقاط 21 طائرة من طراز «أم كيو – 9» ذي المهام المتعددة، منذ أكتوبر 2023، على أنّه «تهديد جدّي» لسلاح الجو الأميركي المتفوّق في العالم، لا يفتأ يثير نقاشاً عميقاً في الدوائر الدفاعية والإعلامية الأميركية حول كيفية علاج الوضع الراهن، من دون أن يخلص هذا النقاش، حتى الآن، إلى أي علاج فعلي لـ«اللعنة اليمنية» التي تستمر في ملاحقة صنّاع السياسة الأميركيين.

وفي حين تتركّز سياسة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، عادةً، على دبّ «الرعب» في قلوب خصومه، بغية انتزاع تنازلات منهم، ولا سيما عبر التهديد باستخدام القوة، فإنّ الوضع في اليمن يبدو مختلفاً كلياً، بعدما فشل الأميركيون في التلويح بالقوة، واستخدامها الفعلي، عبر الهجمات الجوية المكثّفة أخيراً، في تحقيق الأهداف المرجوّة.

وبدلاً من الرضوخ للمطالب الأميركية، يبدو أنّ «أنصار الله» حوّلت الهجمات الأخيرة إلى «فرصة» لتطوير قدراتها، سواء على مستوى القيادة والسيطرة والتكتيكات المتّبعة، أو تعزيز تجارب إنتاج المنظومات المصنّعة محلياً، والتي اختُبر بعضها للمرة الأولى خلال الحرب، ما أتاح اكتشاف الثغرات فيها وإصلاحها بشكل فوري.

وبصورة أعمّ، عزّز توسيع إنتاج منظومات الدفاع الجوي الجديدة، القدرة على محاكاة التفوق التكنولوجي الأميركي في شنّ الغارات، وذلك باعتراف الجانب الأميركي نفسه.

وإذ تشير الإحصاءات إلى أنّ عدد الغارات بلغ، في الجولة الثانية، 750، بحسب «القيادة المركزية الوسطى»، و900 وفقاً للبيانات اليمنية، فإنّ القدرة على تحييد جزء من الطيران الحربي الأميركي، ولا سيما طائرات «MQ-9 Reaper»، تشير إلى أنّ صنعاء في طريقها إلى امتلاك القدرة على حماية أجوائها.

وفي هذا السياق، أكّد قائد حركة «أنصار الله»، السيد عبد الملك الحوثي، أخيراً، أن القوات اليمنية «باتت قادرة على تحييد جزء من الطيران الحربي الأميركي»، بعدما تمّ اعتراض 11 هجوماً جوياً وإحباطه، باستخدام الدفاعات الجوية اليمنية المحلية الصنع. وطبقاً للمصدر نفسه، شملت عمليات الاعتراض حتى طائرات الشبح المتقدّمة الاستراتيجية، والتي تحلّق على ارتفاع عال.

ودعّم تقرير نشرته شبكة «إن بي سي» الإخبارية الأميركية صحة الموقف اليمني، مشيراً إلى أنّ «الحوثيين لا يزالون هم من يسيطرون على المجال الجوي في اليمن»، عقب أنباء عن إسقاط القوات اليمنية سبع طائرات من نوع «MQ-9»، ثلاث منها في أسبوع واحد منذ بداية الجولة الثانية، ما رفع عدد المُسيّرات التي أُسقطت منذ بدء العدوان على اليمن إلى الـ21.

وأثارت عمليات التصدّي اليمنية تلك، الكثير من التساؤلات حول آلية سير الهجمات الأميركية، وإمكانية استمرارها بالشكل الراهن.

وفي هذا الإطار، نقلت قناة «سي إن إن» عن مسؤولين أميركيين قولهم إنّ «نجاح اليمن في إسقاط 7 مُسيّرات، عرقل الانتقال إلى المرحلة الثانية من الحملة؛ إذ كنا نأمل في تحقيق تفوّق جوي خلال 30 يوماً، وإضعاف الدفاع الجوي للحوثيين، والبدء في مرحلة جديدة تركّز على جمع المعلومات ومراقبة قادة الجماعة لاستهدافهم».

وأشار هؤلاء إلى أن مُسيّرات «أم كيو – 9» هي الأنسب لتنفيذ تلك المهمة، لكنها تتعرّض للإسقاط بشكل متكرر. وأقرّ المسؤولون، كذلك، بأنّ «اليمنيين أصبحوا أكثر براعة في استهداف الطائرات المُسيّرة»، لافتين إلى أنّ «استمرار الخسائر يصعّب علينا تحديد مدى نجاح عمليات تدمير الأسلحة بدقّة»، علماً أنّ القوات الأميركية مُجبرة على استخدام هذا النوع من المُسيّرات، نظراً إلى أنّه يوفّر معلومات المراقبة والاستطلاع في الوقت الفعلي، والتي تُعد أساسية في تحديد أهداف الغارات الجوية.

كذلك، يشير عدد من الخبراء إلى أنّ محدودية التقويم الفلكي، ودورات إعادة زيارة قمر الاستشعار عن بُعد، وعدم قدرة تقنيات الاستشعار المتاحة حالياً على تتبّع الأهداف المتحركة… كلها عوامل تحول دون إمكانية توفير تلك الأقمار لإحداثيات آنية لضرب أهداف متحركة، من مثل السفن والمركبات المتنقلة، ما يجعل شنّ ضربات على أهداف من هذا النوع غير ممكن، من دون استخدام «أم كيو – 9».

ولا تقتصر الوظيفة الأساسية للطائرة المذكورة على جمع المعلومات الاستخبارية لدعم مهام الهجوم والتنسيق والاستطلاع، بل هي المُسيّرة الهجومية الرئيسية لدى القوات الجوية الأميركية، والمنوط بها تنفيذ المهام القتالية واستهداف الأهداف الثابتة والمتحركة ضمن عمليات الاستطلاع. وهي تمتاز أيضاً بقدرتها على التحليق لفترات طويلة وعلى ارتفاعات عالية تتجاوز الـ15 كيلومتراً، جنباً إلى جنب كونها مزوّدة بأجهزة استشعار متقدمة واسعة النطاق، وأنظمة اتصالات متعدّدة الوظائف، وحزمة من الأسلحة الدقيقة التي تعزز كفاءتها في ميدان القتال.

وتحتفظ القوات الجوية الأميركية بنحو 280 طائرة من طراز «أم كيو – 9» في مخزونها، يبلغ سعر كل منها نحو 30 مليون دولار، وفقاً لدائرة أبحاث الكونغرس، ما جعل المسؤولين في البنتاغون وأفرعة الدفاع والأمن في الكونغرس، يقدّرون الخسارة الناجمة عن إسقاط الطائرات بأكثر من 200 مليون دولار في ستة أسابيع فقط، وهي التكلفة الأكثر دراماتيكية للبنتاغون في الحملة العسكرية على اليمن.

وهكذا، تتعرّض الثقة والهالة المحيطة بتلك الطائرات لنكسة قوية، وسط تأكيد المسؤولين، الذين طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم، أنّ الطائرات المُسيّرة كانت تُنفّذ هجمات جوية أو تُجري عمليات استطلاع قتالي واستخباري، قبل أن تسقط في الماء وعلى الأرض. وفي حين تعهّد «البنتاغون» بأن الولايات المتحدة ستتخذ كل الإجراءات الممكنة لحماية القوات والمعدات والمصالح الأميركية، فقد رأى مسؤول دفاعي، في حديث إلى وكالة «أسوشييتد برس»، أن زيادة الغارات الأميركية ستعرّض الطائرات، على الأرجح، للمزيد من المخاطر.

 

لقمان عبدالله: الاخبار اللبنانية

قد يعجبك ايضا