فلسطين لم تعد تعنينا

موقع أنصار الله  || صحافة عربية ودولية || رفعت البدوي/ العهد الاخباري

 

فلسطين ليست مجرد كلمة وليست مجرد أرض، فلسطين هي وطن بكل ما تعني الكلمة من معانٍ سامية، فلسطين جمعت العرب فيما مضى وقربتهم من بعضهم البعض وذوّبت الفوارق وقرّبت الأفكار ووحّدت المسارات وكانت سبباً لإطلاق الشعارات الرنانة التي رددها العرب في مجالسهم وقممهم لعقود خلت. فلسطين وحّدت وجهة الهدف والبوصلة عند العرب، فلسطين كانت سبباً رئيساً في نشأة المقاومة الفلسطينية مستمدة العزيمة والقوة من تجربة المقاومة الجزائرية ضد المحتل الفرنسي. فلسطين ساهمت في رصّ صفوف العرب، فلسطين رسمت حدوداً وخطوطاً حمراء تتوقف عندها خلافات العرب، فمهما تفاقمت تعود فلسطين لجمعهم وتكون سبباً في ازالة خلافاتهم وتوحيد رؤاهم.

 

العداء لـ”إسرائيل”، هذا الكيان الغاصب وحّد الجهود والرؤى والمقاومة والبندقية من أجل تحرير فلسطين وتجلّت صورة توحيد الجهود والمفاهيم في قمة الخرطوم العربية التي أتت على خلفية الاجتياح الاسرائيلي لكل من القدس وجزيرة سيناء في مصر وهضبة الجولان في سوريا، حصل ذلك في الرابع من حزيران من العام 1967.

وفي ظل الاحباط العربي جراء احتلال “إسرائيل” للأرض العربية في مصر وسوريا، بالإضافة إلى احتلال عاصمة فلسطين العربية القدس، ورغم النكسة التي أصابت شعوب وجيوش المنطقة وحالة الضياع، إلا أن تلك القمة العربية في الخرطوم استطاعت أن تطلق الشعار العربي الشهير “لا صلح، لا تفاوض، لا اعتراف”، كما اكتشف الزعيم العربي جمال عبد الناصر باكراً أن الصراع مع العدو الاسرائيلي يجب ان يعتمد مبدأ المقاومة كفعل إيمان وعمل دائم لاستعادة الارض العربية وكرامة الأمة العربية وتحرير فلسطين فأطلق شعاره الشهير “ان ما اخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة”. هذا الشعار الذي آمنا به كسبيل وحيد لاستعادة مقدسات وكرامة العرب وتحريرها من براثن المحتل الاسرائيلي.

 

منطق التسويات

 

لقد حاول العرب استعادة الأرض العربية التي أحتلت، وكرامة العرب التي سلبت، برد عسكري منسق بين مصر وسوريا في السادس من شهر اكتوبر في العام 1973 فكتب لهم نصف نجاح أما النصف الآخر الذي لم يتحقق فكان بمثابة الكارثة التي قسّمت العرب وضربت وحدتهم وسبب في اشتعال فتيل الخلافات فيما بينهم وبروز أدوار مشبوهة عمادها الغدر والخيانة قادها رئيس مصر أنداك “محمد انور السادات” الذي سبّب في انحراف بعض العرب عن الهدف الرئيسي، وهو العدو الاسرائيلي، والجنوح نحو مفاوضات مذلّة فكان “إتفاق كامب دايفيد” الشهير في العام 1979 الذي ضرب المصالح العربية الجامعة في عرض الحائط وشرّع باب الانقسام العربي على مصراعيه ما أدى الى تخلي معظم العرب تدريجياً عن القضية المركزية فلسطين بعد ان كانت تحتل سلم اولويات الامة العربية لتهبط من قمة الاهتمامات العربية وتتدحرج نزولاً عقب “إتفاق اوسلو” المليئ ببنود الذل والغدر للفلسطينيين والعرب ولم تتوقف فلسطين القضية عن النزول من القمة، بل أن فلسطين أكملت هبوطها من قمة الاهتمامات العربية وبوتيرة أسرع من المتوقع عقب اتفاق واي بلاتيشن وما تلاها من “إتفاق واي ريفر” وصولاً الى “اتفاق وادي عربة” في الأردن.

اللافت ان كل تلك الاتفاقات لم تكن في يوم من الأيام في مصلحة فلسطين أو مصلحة الشعب الفلسطيني بل ان عقب كل إتفاق كانت السلطة الفلسطينية بمشاركة وتشجيع من بعض العرب تقدم التنازل تلو التنازل حتى بات مطلب تحرير فلسطين يعتبر ترفاً سياسياً او ضرباً من ضروب الخيال وصرنا نسمع بعض العرب يرّوج لمبادرات تفضي بما يسمى “الأرض مقابل السلام” أو بما يسمى بـ”حل الدولتين” فكانت قمة بيروت العربية الشهيرة في العام 2002 عقب انتفاضة الأقصى المجيدة في القدس والتي أرعبت الكيان الصهيوني كما أرعبت بعض العرب المؤيدين لحل الدولتين والانحراف نحو الاعتراف بالعدو الاسرائيلي، عندها خرجت قمة بيروت بما يسمى المبادرة العربية للسلام والقائمة على بند انسحاب “إسرائيل” الى حدود الرابع من حزيران 1967 مقابل الاعتراف بـ”إسرائيل”.

أيضاً وأيضاً دفع الفلسطينيين ثمن هذه المبادرة العربية فكان من ثمارها أن زاد العدو الاسرائيلي من قضم ومصادرة الأراضي الفلسطينية وهدم بيوت الفلسطينيين وطردهم والتنكيل بهم مقابل بناء المزيد من المستوطنات الاسرائيلية على الاراضي الفلسطينية وعلى عقارات الفلسطينيين فيما يجري تشريد الفلسطيني واعتقاله وإعدامه ميدانياً مترافقاً مع غياب شبه كامل لموقف عربي رافض أو من دون وجود اي تحرك عربي يذكر.

 

حرف البوصلة

الملاحظ أن كل تلك المبادرات كان الهدف منها ولم يزل هو وقف وقمع الانتفاضة الفلسطينية وضرب كل أشكال المقاومة ضد العدو الاسرائيلي لأنها السبيل الناجع والوحيد لإعادة فلسطين إلى قمة الاهتمام العربي والعالمي ولأجل تعطيل وضرب تحقيق هذا الهدف عمد العدو الاسرائيلي في تفجير الساحات العربية بما يسمى الربيع العربي المزيف ما ادى الى حرف البوصلة من اتجاهها نحو فلسطين وتوجه البندقية والمدفع العربي نحو الداخل العربي بهدف تفتيت الجغرافيا والمجتمع العربي وكل ذلك صب في خدمة أمن واستمرار العدو الاسرائيلي.

 

اليوم وبعد كل هذا التخاذل والتآمر العربي السري والعلني وتبادل الزيارات المشبوهة والمكشوفة بين الكيان الاسرائيلي وبعض المسؤولين العرب وذهاب بعض الحكومات العربية للتحالف مع العدو بحجة منع ووقف تمدد النفوذ الايراني في المنطقة متنازلين عن كرامة العرب فلسطين أطل علينا رئيس وزراء العدو الاسرائيلي رافضاً مبدأ حل الدولتين مؤمناً بحل الدولة اليهودية الواحدة مدعوماً من التخاذل العربي العلني والمتحالف معه سراً.

أذكر هنا حادثة حصلت: مسؤول خليجي كبير وفي معرض شرح موقف بلاده من أزمات المنطقة كال الاتهامات ضد إيران مدعياً أن إيران تستغل القضية الفلسطينية لبسط نفوذها بالمنطقة العربية، عندها قاطعته بالقول: “ولماذا لا توجهون طائراتكم ومدافعكم وصواريخكم نحو “إسرائيل” وبذلك تستطيعون بسط نفوذكم وتتزعمون المنطقة العربية”. فما كان من المسؤول الخليجي إلا أن رمقني بنظرة حاقدة قائلاً لي “إن فلسطين لم تعد تعنينا، إن فلسطين وتحريرها شأن فلسطيني يعني الشعب الفلسطيني فقط”.

 

 

 

.. نحو فلسطين

نستخلص من كل ما تقدم أن معظم الانظمة العربية البائدة قد تخلت عن فلسطين، أما نحن فنؤكد أنه لم يعد أمام الشعب الفلسطيني إلا المقاومة والانتفاض على هذا الواقع المرير، واعلان الانتفاضة الفلسطينية ضد الاحتلال عندها، وعندها فقط سنهزم تلك الانظمة المتآمرة المتخاذلة ومعها “إسرائيل” لنعيد البوصلة نحو اتجاهها الصحيح نحو فلسطين لان في ذلك السبيل الوحيد لإنهاء ازمات منطقتنا العربية واعادة الكرامة والمجد للامة .

قد يعجبك ايضا