موقع أنصار الله ||مقالات || بشير ربيع الصانع

ما بين صوت القائد ونبض الجماهير، ما بين نظرته الواثقة وخطاه الموقنة، حكاية من نورٍ تسري في عروق الزمان، تشهد أن الله جلّ جلاله حين يختار، لا يختار عبثًا، وحين يُمهِّد الطريق، يُمهِّده لحكمة وغاية عُظمى.

أهي علاقة بين قائد وجمهور؟ أم هي نغمة سماوية عزفها القدر الإلهي على وتر شعبٍ استثنائي، وقائدٍ مصطفى من نور الرسالة وامتداد النبوة؟

إنه الولاء الذي لا يُشترى، والإخلاص الذي لا يُلقّن، والارتباط الذي لا تصنعه وسائل الإعلام ولا الشعارات الزائفة، بل يصنعه الإيمان حين يخالط القلوب، ويصبغ النفوس بعقيدةٍ لا تتزعزع، وعهدٍ لا ينفصم.

كلما نطق القائد بكلمة، هرعت القلوب قبل الأجساد، وتسابقت الأقدام لا تنتظر تحفيزًا ولا تخشى وعورة الطريق.

ينادي للمسيرة.. فتُفتح الأرض لتستقبل سيولًا بشرية تموج بالملايين، كأنها بحرٌ لا ساحل له.

يُوجّه بالقتال.. فتخضرّ الجبهات وتشتعل بالعزائم، ويُولد من بين الصفوف رجال كأنهم الجبال، لا تزعزعهم الزلازل، ولا تهزمهم الأعاصير.

توجيهٌ بسيط.. يتحوّل إلى فعلٍ جماعي، منضبطٍ كأن روحًا واحدة تسكن هذا الشعب العظيم، لا فوضى، لا تلكؤ، لا عذر، بل تنفيذ يتنزل وكأنه فرض من رب السماء.

فهل شهدت العصور مثل هذا؟

تاريخ الأمم يحدّثنا عن تمردات هنا، وعن انشقاقات هناك، حتى أُولئك الذين عُدّوا قادة العصر، لم يسلموا من ضعف الطاعة وتردّد الأتباع.

لكن هنا.. في هذا الزمن.. وعلى أرض اليمن، نرى مشهدًا استثنائيًّا؛ طاعة طواعية، وتسليم نابع من يقين، لا من رهبة أَو مصلحة، بل من بصيرة ترى في هذا القائد مشروع نهضة أُمَّـة، لا مُجَـرّد فردٍ في موضع قيادة.

وهنا تتجلى عناية الله..

الله هو من اصطفاه، وهو من ألهمه، وهو من أيّده وأعدّه، ثم هيّأ له شعبًا يليق بهذه المهمة العظيمة، شعبًا قال عنه النبي من قبل: "الإيمان يمانٍ والحكمة يمانية"، شعبًا إذَا سمع نداء الله، لبّى دون تردّد، وَإذَا رأى بصمة القائد، تبعها بثقة؛ لأَنَّه يرى فيها آثارًا من نهج علي، وملامح من عز الحسين.

لقد أودع الله في هذا القائد شيئًا غير مألوف، وأودع في هذا الشعب روحًا قلّ أن تجد لها مثيلًا.

هو ليس قائدًا وحسب.. بل مظلّة ربانية تستظل بها أُمَّـة، وامتداد طبيعي لمسار النبوة حين خُتمت الرسالة وظلّ الهدى ممتدًا في العترة الطاهرة.

وشعبه ليس جمهورًا عاديًّا، بل خلاصة إرث إيماني، تراكم عبر أجيال الصبر، والتضحيات، والولاء، حتى باتوا بحقّ مؤهلين لحمل مشروع الله في الأرض.

{فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ}..

أيّ وصفٍ أنسب من هذا الآية لهؤلاء؟

هم الذين إذَا أحبّوا فبصدق، وَإذَا جاهدوا فبإخلاص، وَإذَا بايعوا، فبيعهم عند الله لا يُنقض.

أذلة على المؤمنين، أعزة على الكافرين، لا تفتّ فيهم المحن، ولا تخبو فيهم العزائم، يجاهدون في سبيل الله لا يخافون لومة لائم؛ لأَنَّهم آمنوا بأن الحق أغلى من الحياة، وأن رضا الله فوق كُـلّ مصلحة.

ولذلك.. لم يدخلوا ميدانًا إلا كانت لهم الغلبة؛ لا لأَنَّهم الأقوى عُدة؛ ولا لأَنَّهم الأوسع نفوذًا؛ بل لأَنَّهم حزب الله، ومن يتولَّ الله ورسوله والذين آمنوا فَــإنَّ حزب الله هم الغالبون.

هي منظومة ربانية لا يشوبها خلل، قائدٌ يرى بنور الله، وشعبٌ يسير خلفه كأنه يسير إلى اليقين، لا يخشى تعرجات الطريق ولا ألسنة الناقدين.

فإذا أردت أن تُبصر هذه العلاقة، فلا تُمعن النظر في الكتب، بل انظر إلى الساحات، إلى الميادين، إلى التاريخ وهو يُكتب من جديد.

واسمع صدى الحقيقة يدوّي:

هذا القائد مؤيَّد، وهذا الشعب مسدَّد، وهذه الأُمَّــة مختارة لزمن الاستخلاف العظيم.