|| صحافة ||

«لن تتجلّى خطورة ما حدث في اليمن، إلّا عندما تصبح الطبقة السياسية مستعدّة للتعامل مع العالم الجديد الذي نعيش فيه؛ عالمٌ لا تمتلك فيه الولايات المتحدة أسلحة جديدة لتستخدمها، وما لديها منها لا يكفي حتى للاقتراب من النصر»؛ هكذا، يختصر موقع «UnHerd» البريطاني نتائج «التجربة» الأميركية في اليمن، والتي تبدو حاضرةً في التخطيط العسكري، سواء الإستراتيجي أو التكتيكي، كما في مجال تكييف الصناعات العسكرية لتلائم التهديدات الناشئة.

وتبدو واشنطن تتّجه نحو تعزيز إستراتيجية القوّة العسكرية القائمة على تجنُّب المهمات غير المحدّدة، والابتعاد عن الصراعات المفتوحة التي ميّزت حروبها السابقة، لا سيما في فيتنام وأفغانستان والعراق، بعدما أظهرت التطوّرات في البحر الأحمر تحدّياً غير متوقّع من جماعة دائماً ما اعتُبرت تهديداً هامشيّاً.

وممّا يسرّع التحوّل المشار إليه، التغييرات التي طرأت على طبيعة الحروب والخصوم، والتي تستدعي الحدّ من الاعتماد على الأسلحة التقليدية (من مثل الدبابات الثقيلة، والطائرات المقاتلة الضخمة، وحاملات الطائرات)، واللجوء بدلاً من ذلك إلى المعدّات الصغيرة والمتطوّرة (من مثل المسيرات، والذكاء الاصطناعي، والأنظمة الذاتية).

وفي هذا الجانب، قال نائب الرئيس الأميركي، جيه دي فانس، أمام حفل تخريج في الأكاديمية البحرية، إن «عصر الهيمنة الأميركية على البحر والجو والفضاء، انتهى الآن»، معتبراً أنه سيكون على الولايات المتحدة وجيشها أن «يتكيّفا». ورأى فانس أن الزيارة الأخيرة للرئيس دونالد ترامب إلى الشرق الأوسط، كانت إيذاناً بــ«نهاية نهجٍ» استمرّ عقوداً في السياسة الخارجية، في ما سيشكّل قطيعةً مع ما «أرساه آباؤنا المؤسّسون».

وأضاف: «لقد مررنا بتجربةٍ طويلة في سياستنا الخارجية، حيث قايضنا الدفاع الوطني والحفاظ على تحالفاتنا، ببناء الأمّة والتدخل في شؤون الدول الأجنبية، حتى عندما كانت تلك الدول الأجنبية بعيدة». وعن اضطرار واشنطن إلى وقف إطلاق النار في اليمن، قال نائب الرئيس الأميركي: «لقد دخلنا بهدف ديبلوماسي واضح، ليس لتوريط أفراد قواتنا في صراع طويل الأمد مع جهة فاعلة غير حكومية، بل لضمان حرية الملاحة الأميركية عبر إجبار الحوثيين على التوقّف عن مهاجمة السفن الأميركية».

 

يعمل المجمع الصناعي الأميركي على تحليل طبيعة الصواريخ والمسيّرات والتكتيكات المستخدمة في اليمن

في هذا الوقت، يعمل المجمع الصناعي الأميركي على تحليل طبيعة الصواريخ والمسيّرات والتكتيكات المستخدَمة إبان الحملة الجوية الأخيرة على اليمن، والتي يَظهر أنها وفّرت مادّةً يمكن الركون إليها، وفق ما أشارت إليه مجلة «ناشونال إنترست» الأميركية. ولفتت المجلة إلى أن «المهمّة في البحر الأحمر ضدّ الحوثيين، مثّلت أعنف عملية قتالية للبحرية الأميركية منذ الحرب العالمية الثانية»؛ علماً أن واشنطن كانت قد أرسلت، أثناء الحرب، أكثر من بعثة فنية إلى البحر الأحمر لتقييم الثغرات في البحرية ونقاط الضعف وتحديد الاحتياجات الدفاعية، وتطوير إستراتيجيات للتعامل مع التهديدات المتزايدة من جانب «أنصار الله»، مثل الهجمات الصاروخية والمسيّرة والتهديدات البحرية الأخرى.

ومع ذلك، لم يستطع العسكريون الأميركيون حلّ الكثير من الشيفرات العسكرية اليمينة، من قبيل القدرات الفنية والاستخبارية، والتزوّد بالصور الجوية الفورية، وتطوير الدفاع الجوي، وامتلاك صناعات عسكرية متطوّرة، من مثل الصواريخ الفرط صوتية. وعلى هذه الخلفية، دعا فانس، المشرّعين والقيادات العسكرية، على السواء، إلى أن يتعلّموا التكيّف مع عالم تُلحِق فيه الطائرات المسيّرة الرخيصة، وصواريخ كروز المتاحة بسهولة، والهجمات الإلكترونية، «أضراراً بالغة بأصولنا العسكرية وأفراد خدمتنا».

 

وفي موازاة ذلك، كشف موقع «وور زون» المتخصّص في الشؤون العسكرية، عن معطيات تشير إلى أن قدرات الدفاع الجوي اليمنية ربّما تكون أكثر تطوّراً ممّا كان يُعتقد سابقاً، مؤكداً أن «الحوثيين» اقتربوا من إسقاط مقاتلة أميركية من طراز «إف-35»، وحاولوا مراراً إصابة مقاتلات أخرى من طراز «إف-16». ووفقاً للموقع، فإن البيانات التي كانت تصدر عن مسؤولين يمنيين، والتي تفيد بأن دفاعاتهم الجوية تقلّل من الدقّة في إصابة الأهداف، وأحياناً تتيح منع الطائرات من التحكّم في الرمي، هي بيانات دقيقة، معترفاً بأن اليمن نجح في تعطيل خطط الضربات الجوية الأميركية، رغم الاعتقاد السائد بأن نظامه الدفاعي بدائي.

والجدير ذكره، هنا، أن واشنطن كشفت، في بداية العدوان، أن صنعاء تستخدم أجهزة رادار مدنية في مهمات عسكرية، من مثل الرصد الجوي أو المرور البحري، فيما أشارت تقارير إلى أن الرادار المشار إليه، والمسمّى «Simrad HALO»، هو نظام رادار بحري صغير الحجم وغالباً ما يُركّب على قوارب الصيد أو الزوارق السريعة، ويتميّز بقدرته على توفير تغطية بزاوية 360 درجة، ما يُمكنه من تتبع الأهداف البحرية بدقّة. كذلك، يُعتقد أن اليمن استخدم هذا الرادار في مواقع ساحلية متنقلة لمراقبة حركة السفن في البحر الأحمر؛ علماً أن «Simrad HALO» متاح تجاريّاً ويمكن شراؤه بسهولة واستخدامه في العمليات العسكرية.

 

لقمان عبدالله: الاخبار اللبنانية