|| صحافة ||
ثماني طبقات من الدفاع الجوي المحصّن، والتي كلّف إنشاؤها مليارات الدولارات، جعلت "إسرائيل" تطلق على أجوائها لقب "السماء الحديدية"، في إشارة إلى أنها لا يمكن أن تُختَرَق، بيد أن الصواريخ الإيرانية، أثبتت عدم صحة هذه المقولة، إذ بثت الفضائيات على الهواء مباشرةً، مشاهد السقوط المباشر للصواريخ على أهدافها في "تل أبيب" وحيفا والجنوب الفلسطيني المحتل.
وتتألّف منظومة الدفاع الأكبر في العالم، نسبةً إلى مساحة الأراضي، من أنظمة إسرائيلية وأخرى أميركية، فضلاً عن بطاريات الدفاع الجوي المنتشرة في بلدان محيطة بفلسطين المحتلة.
فما هي هذه الطبقات؟ وكيف استطاع السلاح الصاروخي الإيراني اختراقها؟
أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية:
نظام القبة الحديدية
طوّرت "إسرائيل" العديد من أنظمة الدفاع الجوي، وأشهرها القبة الحديدية.
وأُنشِئ هذا النظام، بتعاون بين شركة "رافائيل" للصناعات العسكرية، التي استهدفت إيران مقراً لها منذ أيام، وشركة صناعات الفضاء الإسرائيلية"، بالإضافة إلى جهات أميركية.
"القبة الحديدية" ترصد الصواريخ قصيرة المدى (4-70 كلم)، وتوفّر نطاق حماية يصل إلى 155 كلم مربع، وتتألّف بطاريتها من رادار لرصد الأهداف، ووحدة تحكم (أجهزة تحكم وتوجيه وعناصر بشرية)، إضافة إلى 3-4 منصات إطلاق لكل بطارية.
وتبلغ كلفة صناعة البطارية الواحدة نحو 100 مليون دولار، فيما تبلغ كلفة صناعة الصاروخ قرابة 50 ألف دولار، وتطلق منصة الإطلاق الواحدة 20 صاروخاً اعتراضياً.
نظام مقلاع داوود
إضافةً إلى "القبة الحديدية"، تشترك شركة "رافائيل" الإسرائيلية مع شركة Raytheon في صناعة نظام "مقلاع داوود"، الذي دخل الخدمة في عام 2017، وتبلغ كلفة صناعة البطارية الواحدة منه 250 مليون دولار، فيما تتراوح كلفة صناعة الصاروخ الاعتراضي الواحد بين 700 ألف ومليون دولار أميركي.
ويتصدّى "مقلاع داوود" للمروحيات العسكرية، وبعض المقاتلات الجوية، فضلاً عن الطائرات المسيّرة، والصواريخ الباليستية متوسّطة المدى.
ويبلغ مدى الصاروخ الاعتراضي 300 كلم كحد أقصى.
منظومة "السهم"
شركة صناعات الفضاء الإسرائيلية (IAI) ، بدأت منذ التسعينيات، بالشراكة مع شركة "BOEING" الأميركية، تطوير منظومة "السهم"، التي وصلت إلى جيلها الثالث ويجري العمل لصناعة الجيل الرابع، منذ إعلان إيران عن دخول صواريخ "فتاح 1" و"فتاح 2" إلى ترسانتها الصاروخية.
وتُستخدَم هذه المنظومة لاعتراض الصواريخ الباليستية بعيدة المدى، وتعدّ أكثر أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية كلفة، إذ تبلغ كلفة صناعة صاروخ اعتراضي واحد لها نحو 3 مليون دولار أميركي.
وترصد المنظومة 30 هدفاً "معادياً" في الوقت نفسه، وتطلق 6 صواريخ اعتراضية في المرة الواحدة.
منظومة "الشعاع الحديدي"
الكلفة المرتفعة لتشغيل نظام "القبة الحديدية"، دفعت الاحتلال الإسرائيلي، إلى إنشاء نظام أقل كلفة، وهو منظومة "الشعاع الحديدي"، والذي دخل الخدمة عام 2020، لكنه لم يُفَعّل بشكل كامل حتى الآن.
ويتصدى هذا النظام، كما "القبة الحديدية"، للصواريخ قصيرة المدى، لكنه يعتمد في التصدي على أنظمة الليزر.
سلاح الجو الصهيوني
سلاح الجو الإسرائيلي، شريك أيضاً، في تكوين "السماء الحديدية"، إذ يتم استخدام الطائرات الحربية النفاثة، والمروحية، والطائرات من دون طيار الهجومية، لصدّ هجمات المسيّرات، إضافة إلى بعض صواريخ "كروز" التي يتم رصدها مبكراً، في حالات قليلة.
ويعدّ هذا الأسلوب في التصدي مكلفاً جداً، بالنظر إلى تكاليف الوقود ومصاريف الطيارين والفنيين، ناهيك بالصيانة بعد كل طلعة جوية.
بطاريات الدفاع الجوي الأميركية
بالنظر إلى العرض السابق، يتبيّن أن الأنظمة الإسرائيلية تشكّل 5 طبقات حماية جوية، فيما تشكّل أنظمة الدفاع الجوي الأميركية المنتشرة فوق الأراضي الفلسطينية المحتلة، طبقتين إضافيتين هما بطاريات "ثاد" و"باتريوت"، إضافة إلى سلاح الجو، الأميركي هذه المرة.
منظومة "باتريوت"
بحسب شركة "Defense express"،المتخصّصة في تغطية السياسات العسكرية والصناعات الدفاعية، تستحوذ "إسرائيل" على 8 بطاريات "باتريوت"، معدّة "للاستخدام المحلي في إسرائيل"، فيما لا يوجد رقم معلن بشأن منصات إطلاق الصواريخ الاعتراضية التابعة لهذه المنظومة، لكنّ التقديرات تشير إلى وجود 32 منصة.
وتتراوح تكلفة صناعة الوِحدة من هذه الأنظمة بين مليار وملياري دولار، فيما تبلغ كلفة تصنيع صاروخها الاعتراضي، الذي يصل مداه إلى 160 كلم، إلى 4 ملايين دولار كحد أدنى و10 كحد أقصى.
ويُذكر أن هذا العدد لا يشمل البطاريات المنتشرة في القواعد الأميركية في الشرق الأوسط، والتي تشترك في إسقاط الصواريخ الإيرانية.
منظومة "ثاد"
الأب الروحي لمنظومة "السهم" الإسرائيلية، نظام "ثاد"، وصل الأراضي المحتلة بعد تنفيذ القوات المسلحة الإيرانية عملية "الوعد الصادق 2"، في تشرين الأول/أكتوبر من العام الماضي، بأمر مباشر من الرئيس الأميركي السابق جو بايدن، بهدف التصدي للصواريخ الباليستية التي تُطلق من اليمن أو إيران.
ويتصدى "ثاد" للصواريخ الباليستية بمدى 200 كلم، ويستطيع رصد المقذوف على بعد 1800 كلم.
ترفع هذه المميزات من تكلفة إنشاء وِحدة واحدة من هذا النظام، لتبلغ 1.25 مليار دولار، فيما تبلغ قيمة الصاروخ الاعتراضي الواحد المستخدم فيه نحو 12 مليون دولار.
سلاح الجو الأميركي
كمثيله الإسرائيلي، يشترك سلاح الجو الأميركي في التصدي للأجسام التي تستهدف "إسرائيل"، إذ تستخدم حاملات الطائرات الأميركية الموجودة في المنطقة، مقاتلاتها وأجهزة الرصد التابعة لها، فضلاً عن بعض السفن الحربية، في التصدي لتلك الأجسام.
وتكلف عملية التصدي الواحدة الخزانة الأميركية ملايين عدة من الدولارات، في حين قد تصل هذه الكلفة إلى مليارات الدولارات في المعارك التي تستمر لأسابيع.
منظومات الدفاع في دول "الطوق"
رغم عدم مشاركتها الكبيرة في التصدي للمقذوفات التي تستهدف الأراضي المحتلة، فإن بعض أنظمة الدفاع، في ما يسمى "دول الطوق"، تشارك في بعض الأحيان في التصدي للمسيرات الإيرانية، المتجهة نحو الأراضي المحتلة، أو تساهم في الإنذار المبكر لرفع جهوزية أنظمة داخل كيان الاحتلال.
أسلوب "الإغراق"
وعلى الرغم من هذه الطبقات الثماني من أنظمة الدفاع الجوي، استطاعت الصواريخ الإيرانية إصابة أهداف مباشرة، منها لمواقع حساسة وذات أهمية داخل الكيان، كمحيط مقر "الموساد"، ومقر وزارة "الأمن" (الكرياه)، ومبنى البورصة الإسرائيلية، ومعهد "وايزمان"، كما حقّقت المسيرات إصابات مباشرة أيضاً، آخرها كان ما أعلنت عنه وسائل إعلام عبرية، اليوم السبت، في منطقة بيسان، شمال شرق القدس المحتلة.
يمتلك الاحتلال الإسرائيلي، أكبر منظومة دفاع جوي، نسبة للأراضي التي يحتلها، لكن هذه المنظومة تحمل ثغرة، كما كل أنظمة الدفاع في العالم، وهي استخدام الطرف المهاجم أسلوب الإغراق، حيث يُستخدم في العمليات أساليب مركبة، تقوم على إرسال عدد من الطائرات المسيّرة الانتحارية والصواريخ التي من شأنها إنهاك الدفاعات لفتح المجال الجوي أمام الصواريخ الأكثر دقة وقدرة تدميرية.
في السياق، قال حرس الثورة في إيران، خلال إعلانه عن إحدى موجات "الوعد الصادق 3"، قبل يومين، إنه بدأ "هجمات المركبة بالصواريخ والطائرات المسيّرة".
ومع محدودية المخزون الإسرائيلي من الصواريخ الاعتراضية لمنظومتي "ثاد" و"السهم"، تلجأ "إسرائيل" إلى إعطاء الأولوية للدفاع عن الأهداف "الحساسة"، واختيار أهداف الصواريخ الاعتراضية بعناية.
تقييمات استخبارية أميركية وإسرائيلية، أوردتها "واشنطن بوست"، نقلاً عن مصدر مطلع، أفادت بأن "إسرائيل قادرة على الحفاظ على دفاعها الصاروخي لمدة 10 أو 12 يوماً إضافياً، إذا حافظت إيران على وتيرة ثابتة للهجمات، من دون إمدادات من الولايات المتحدة أو مشاركة أكبر من القوات الأميركية".
وأضاف المصدر أن أنظمة "إسرائيل" قد لا تتمكن، في وقت مبكر من هذا الأسبوع، من اعتراض سوى نسبة أقل من الصواريخ، نظراً لضرورة ترشيد الذخائر الدفاعية، وتابع: "سيتعيّن عليهم اختيار ما يريدون اعتراضه، النظام مُثقل بالفعل"، بحسب الصحيفة.
خصائص الصواريخ الإيرانية
أعلن التلفزيون الإيراني،في وقت سابق من هذا الأسبوع، أن الصواريخ التي استخدمها حرس الثورة لأول مرة هي صواريخ "فتّاح"، وأن الصواريخ هذه المرة "غير قابلة للاعتراض". وفي بيان نقلته وكالة "تسنيم"، حذّر حرس الثورة الإيراني من أن الضربات القادمة "ستشهد استخداماً أوسع للصواريخ الفرط صوتية".
ويستطيع الصاروخ الفرط صوتي تجاوز الصواريخ الاعتراضية بسرعة تفوقها، إلى جانب تخطي مناطق تغطية الرادارات المعادية، والالتفاف حول العوائق أياً كان نوعها سواء كانت جبالاً أو مباني أو غيرها.
الميزة الثانية، وربما الأهم، أن هذا الصاروخ يستطيع تغيير اتجاهه إلى مسارات منخفضة قريبة من سطح الأرض، محافظاً على سرعته الهائلة.
ونتيجة لذلك، فإن رادارات الإنذار المبكر المعادية لا تلتقط إشارات التحذير إلا قبل فترة وجيزة جداً من وصول الضربة، وهو ما يعطّل القدرة على اتخاذ قرار الاعتراض في الوقت المناسب.
ويشترك في عملية تجاوز الدفاعات الجوية، أساليب أخرى كالخرق السيبراني، بحسب ما تفيد به وسائل إعلام عديدة، فيما تظل بقية الأساليب قيد الغموض، مع عدم الإفصاح عنها.
حيدر الرمح: الميادين نت