موقع أنصار الله . تقرير |  وديع العبسي

ما إن بدأت الجمهورية الإسلامية في إيران موجات الردع والتأديب للكيان الصهيوني على ما اقترفه من جُرم وخطأ فادح باستهدافه للمنشآت الإيرانية وعدد من قادتها وعلمائها، حتى توارى النتنياهو وجوقة الصهاينة المحيطين به، من سوء ما بُشِّروا به، حينها تبين لهم أن قرار العدوان على الجمهورية الإسلامية قد أودى بهم في مهالك الخزي والعار. تراجعت إلى مستوى (الصفر) تلك التصريحات التي كان يرعد بها قادة الكيان حول ضرب القدرات الإيرانية، بينما واصل الحرس الثوري والجيش الإيراني عملياتهما التي جعلها بشكل متصاعد -من حيث حجم التأثير والقوة التدميرية- نوعيةُ الأسلحة المستخدمة.

كان الفعل الإجرامي الذي ارتكبه الكيان تجاوزاً سافراً لكل الأعراف والمواثيق، وفيه منح الكيان نفسه الحق في استباحة الجمهورية الإسلامية في إطار محاولات فرض الهيمنة على دول المنطقة، لذلك كان من الطبيعي أن يخرج قادة الدولة في إيران ليؤكدوا بأن هذا الفعل لا يمكن أن يمر بلا فعل رادع وبلا تأديب على هذا التجرؤ.

ما (بعد) لن يكون كما (قبل)

وعلى إثر الإجرام الصهيوني، لم تتوقف صافرات الإنذار. وفي موجات صاروخية باليستية وفرط صوتية وطيران مسيّر، مزيج من الصواريخ بعيدة المدى والثقيلة جدا، العاملة بالوقود السائل والصلب ذات الرؤوس الحربية المدمرة، ومتعددة الرؤوس جاء الدرس الإيراني ليعلّم الكيان الصهيوني، ويكتب رسالته الواضحة لقوى الاستكبار (أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وباقي الاتباع الأوروبيين) بأن محطة "الوعد الصادق 3" ستمثل انعطافة أكيدة لن يكون ما بعدها كما قبلها وقد تجرأ الكيان الصهيوني إلى مستوى فتح جبهة انتحارية مع الجمهورية الإسلامية، وهو الذي لا يزال يعيث فسادا في الإنسانية عبر حرب إبادة مدعومة غربيا ضد أبناء الشعب الفلسطينيين في غزة.

جاءت الموجات الإيرانية لتؤكد حقيقة الاقتدار الإسلامي بأن هناك من يردع العربدة الصهيوني ويضع أتباعها في الأطر الضيقة التي لا تمكنهم من اتخاذ أي إجراء على مسار تنفيذ مؤامرة إخضاع الأمة العربية والإسلامية لإرادتهم الشيطانية.

لم يكن حتى في كوابيس ترامب والنتنياهو وباقي الجوقة الصهيونية تخيل أن الجمهورية الإسلامية يمكن أن تذهب بهذا الشكل من الاستهداف الساحق والحاسم، وتصوروا أن درجة التأثير لن تتجاوز ما كانت عليه عملية "الوعد الصادق" بنسختيها الأولى والثانية، وهو ما أمكن لهم حينها تجاوزها، كما لم يدُر في خلدهم أن يتحول الرد الإيراني إلى تهديد وجودي وهم يرون أن ما بنوه طيلة عقودٍ ينهار، بما في ذلك ثقة الغاصبين في استمرار تواجدهم على الأراضي الفلسطينية المحتلة.

أهداف استراتيجية تشلّ العدو

كشفت خارطة الأهداف الاستراتيجية التي ضربها الحرس الثوري والجيش الإيراني بكل ثقة واقتدار عن اشتغال استخباراتي إيراني ناجح، وفّر لهم معلومات كافية عن بنك أهداف استراتيجي لمراكز ومنشآت تعطي الكيان ميزة التقدم العلمي والعسكري.

بعض الهجمات لم تكن تقليدية، فأظهرت تكتيكات استثنائية للقوات الإيرانية، مثل ما شهدته الموجة (17)، والتي "تضمنت قصفا مركبا بالصواريخ بعيدة المدى والثقيلة جدا." وفق بيان للحرس الثوري الإيراني. وجاء في البيان أن هذه الموجة استهدفت "مواقع عسكرية، وصناعات حربية، وقواعد دعم إسرائيلية، ومراكز صنع قرار على مختلف المستويات"، فيما اعترفت وسائل إعلام إسرائيلية بأن بعض الصواريخ "تحتوي على رأس حربي متشظٍّ يضم 26 صاروخا صغيرا".

وفي سياق الضربة بالضربة والرد بالمثل، وحين تبين أن الكيان الصهيوني لن يرتدع إلا حين يرى القوة الإسلامية تضرب وتنسف منشآته المقابلة لما يقوم هو باستهدافها في محور المقاومة وفي مقدمته إيران، استهدفت قوات الجمهورية الإسلامية سلسلة من الأهداف الاستراتيجية التي أوجعت الكيان، وحتى أمريكا، هي أهداف عسكرية ومراكز صناعية تابعة للصناعة العسكرية، فقصفت مقر القيادة والسيطرة والاستخبارات الكبرى في "جيش" العدو الإسرائيلي (IDF C4I)". وقصفت المعسكر الاستخباري التابع للعدو داخل مجمع التكنولوجيا (غاڤ-يام)، والذي يقع بالقرب من أحد المستشفيات.

ومن القواعد التي دكّتها الصواريخ الإسلامية قاعدة "نيفاتيم"، وقاعدة "حتسريم"، وقاعدة "رامون"، وقاعدة "جيليلوت" العسكرية (مقر وحدة الاستخبارات العسكرية 8200) شمال "تل أبيب". كما قصفت مقر البث الميداني للقناة الـ14 في حيفا بصواريخ "سجيل 3" بعد إنذار مسبق.

ومن الأهداف الاستراتيجية جدا والتي أوجعت الكيان الصهيوني وأمريكا، استهداف معهد "وايزمان" للعلوم Weizmann Institute في "رحوفوت" جنوب ما تسمى بـ"تل أبيب"، والذي يمثل قلب البحث الإسرائيلي، فقد هزت الضربة الإيرانية، التي أصابته بشكل مباشر ودمرت فيه عشرات المختبرات المتطورة، كبرياء وطموحات العدو، إذ ينظر إلى هذا المعهد كرافد أساسي للأبحاث العلمية الاستراتيجية في مجال التصنيع العسكري، وقُدرت الأضرار المادية للمعهد بنحو نصف مليار دولار.

 ويعد المركز أهم معهد بحثي علمي في "إسرائيل"، إذ يضم 286 مجموعة بحثية، و191 عالماً من أعضاء هيئات التدريس، والمئات من طلبة الدكتوراه. وذكر مراقبون أن استهداف المعهد "خلف ضربة موجعة وجرحا عميقا في العقل الأكاديمي الإسرائيلي لا تضمده إعادة البناء وحدها، بل يحتاج سنوات طويلة لاستعادة ما فقد من معرفة وأبحاث وتجارب ومصادر نادرة، بعضها قد لا يستعاد أبدا" كما تقول غالي وينيرف مراسلة العلوم في صحيفة "غلوبس". وزار النتنياهو و"رئيس" الكيان الصهيوني المعهد عقب قصفه، ما يؤكد هذا الوقع المؤلم لتعرض المعهد للاستهداف، خصوصا للأهمية التي يمثلها في تطوير أبحاث البرنامج النووي الصهيوني.

ومنذ عقود، يضطلع المعهد بدور مركزي في دعم البرنامج النووي الإسرائيلي من خلال أقسام الفيزياء النووية وفصل النظائر، وتدريب العلماء في مفاعل "نحال سوريك"، فضلا عن دور بارز لأعضائه، من بينهم ديفيد بيرغمان وهاري ليبكين، في تأسيس البنية العلمية للقدرات النووية الإسرائيلية.

كما تم استهداف معهد" إسرائيل" للأبحاث البيولوجية، وهو معهد دفاع "حكومي" يختص بالأبحاث البيولوجية، كالكيمياء الطبية وعلم البيئة، يقع في "نيس صهيونة"، على بعد 20 كيلومتر جنوب "تل أبيب"، وهو مركز سري للغاية، ومتخصص في مجال السموم .

صاروخ باليستي يوقف أكبر مصافي النفط

وعن أسطورةِ واحدة من أكبر المصافي في شرق البحر المتوسط وأكبر مصفاة نفط داخل الكيان الإسرائيلي، يأتي خبر صاروخ فرط صوتي إيراني، أنهى حصانتها من القصف، وأعلن خروجها عن الخدمة. وأعلنت الشركة المشغلة لمصافي النفط في حيفا، شمال فلسطين المحتلة، توقف جميع منشآتها عن العمل جراء "الضرر الكبير" الذي لحق بمحطة توليد الكهرباء إثر إصابتها بصاروخ إيراني. وأوضحت أن "المحطة التي تضررت مسؤولة عن جزء من إنتاج البخار والكهرباء التي تُستخدم لتشغيل منشآت المجموعة"، لافتة أيضا إلى وجود "أضرار إضافية"، دون الكشف عنها. وقد فاقم استهداف مصفاة النفط الأكبر في الكيان الإسرائيلي من أزمة طاقة تمر بها الأسواق داخل الكيان..

تقع المصفاة في المنطقة الصناعية الشرقية للمدينة، وتُعد جزءًا من مجمع صناعي ضخم يضم أكبر منشأة متكاملة لتكرير النفط والبتروكيماويات، وتلعب دوراً محورياً في تكرير النفط الخام، وتحويله إلى منتجات بترولية متقدمة ومشتقات وقود.

واستهدف الحرس الثوري مقر الاستخبارات العسكرية الصهيوني، ومركز العمليات التابع لجهاز الاستخبارات (الموساد)، وهو مركز تصميم عمليات الاغتيال والأعمال التخريبية للكيان الصهيوني. وكذلك مصنع الأمونيا في ميناء حيفا، ومحطة توليد الكهرباء، والبنية التحتية التي تضررت بشدة، بسبب القصف الصاروخي، الذي استهدف أيضاً مطار "بن غوريون"، والمناطق المحيطة به.

واجهة القوى الاستعمارية تنهار

ولم تستثن الهجمات الإيرانية شيئا استراتيجيا في كيان العدو الصهيوني، وهو الواجهة الممثلة والمعبرة عن القوى الاستعمارية، والعصى التي أرادوها غليظة ضد شعوب المنطقة. إذ تحولت حياة الغاصبين إلى جحيم، في "بئر السبع" و"غوش دان" وهي ما تسمى "تل أبيب الكبرى"، وفي حيفا، والقدس، و"نِس تسيونا"، و"هرتسيليا"، و"حولون"، وأخرى، وصار الفرار إلى الملاجئ نشاطا يوميا لهم مع استمرار صافرات الإنذار في التحذير من موت قادم مع الصواريخ الإيرانية.

وفي ظل ذلك، عجزت المنظومة الدفاعية الإسرائيلية والأمريكية عن إثبات صدارتها الدفاعية المزعومة في رد هذه الهجمات، وظهرت محاولات العدو عبثية، إذ اخترقت الصواريخ كلاً من أنظمة "ثاد"، و"باتريوت"، و"السهم 3"، و"السهم 2" و"حيتس" و"آرور" ، وأصابت أهدافها المحددة، وبدلا من توفير المنظومات الاعتراضية للحماية باتت عبئا، وفي كل مرة كانت تزيد من رقم الخسائر. وتذكر صحيفة "وول ستريت جورنال" أن "إسرائيل" تنفق مئات الملايين من الدولارات يوميا على العمليات العسكرية ضد إيران، لافتة إلى أن هذه النفقات قد تقوض قدرة "إسرائيل"على خوض حرب طويلة الأمد مع إيران.