لأنَّنا أمام يزيد جديد بثوب معاصر، نحتاج أن نعيد قراءة كربلاء لا كقصة بل كخريطة طريق، أن ننصر المظلوم ولو كنا بلا سلاح.

في مثل هذه الأيام من كُـلّ عام، تهتزّ مشاعر الأُمَّــة، وتغمرنا ذكرى لا تزال تنبض بالحق رغم مرور أكثر من ألف عام… إنها عاشوراء، ذكرى استشهاد الإمام الحسين بن علي، سيد شباب أهل الجنة، وحفيد نبي هذه الأُمَّــة -صلوات الله عليه وعلى آله- لكنها ليست مُجَـرّد ذكرى دينية نمر بها كُـلّ عام، بل هي حكاية ثورة ودرس خالد في الكرامة والصمود والرفض القاطع للذل والخضوع.

 

كربلاء… الحكاية التي لا تموت:

في أرض كربلاء، وقعت مأساة لا تُنسى، لكن الأهم أن رسالةً خُلّدت حين وقف الحسين عليه السلام في وجه طغيان يزيد، رافضًا أن يبايع لحكمٍ فاسدٍ يُسحق فيه الحق، وتُقتل فيه العدالة. خرج الحسين عليه السلام من المدينة المنورة وهو يعلم المصير لكنه كان يزرع بدمه بذورَ الحرية للأجيال القادمة.

لم يكن الحسين عليه السلام يطلب مُلكًا ولا جاهًا، بل خرج ليقيمَ الحُجّـة على الناس، ويعلّمهم أن الحق لا يُساوم، وأن الدين لا يُباع بثمن الذل. فاستشهد الحسين ومعه أهل بيته وأصحابه، في لوحة أُسطورية جسّدت أعلى مراتب التضحية، والوفاء، والثبات على المبدأ.

 

عاشوراء اليوم… حين تتكرّر كربلاء

ما أشبه الأمس باليوم!

في غزة، يُقتل الأطفال ويُحاصر الأبرياء، كما حُوصرت قافلة الحسين. في اليمن وسوريا والعراق ولبنان، ما زالت قوى الاستكبار تشعل الحروب وتغذي الانقسامات، وتمدّ الطغاة بأدوات البطش والظلم. وبأموال عربية للأسف الشديد

في كُـلّ مكان، حَيثُ يُغتال الحق، ويُسحق الإنسان، تعود كربلاء بحلتها الجديدة، ويُطرح علينا السؤال الأبدي:

هل نكون مع الحسين عليه السلام أم مع يزيد؟

فالحسين لم يُقتل في كربلاء فقط، بل يُقتل كُـلّ يوم حين نصمت أمام الباطل، حين نُهادن الظالمين، حين ندفن القيم تحت ركام المصالح.

 

عاشوراء… مشروع وعي لا مناسبة عابرة

كثيرون اختزلوا عاشوراء في مشاهد الحزن والبكاء، لكن الحسين أراد لنا أن نحزن حين نخذل الحق، لا أن نحول دماءه إلى مناسبة موسمية. أرادنا أن نعيش بقيمه، لا أن نبكيه ونخون مبادئه في اليوم التالي.

عاشوراء مشروع إصلاح دائم… أن تقول لا ولو كنت وحدك.

أن تنصر المظلوم ولو كنت بلا سلاح.

أن تحمل راية الكرامة ولو على حساب حياتك.

 

عاشوراء اليوم… مسؤولية لا تقبل التأجيل

في زمن التطبيع العلني والتحالف مع المحتلّ، وانبطاح بعض الأنظمة العربية تحت أقدام البيت الأبيض نحتاج أن نعيد قراءة كربلاء لا كقصة، بل كخريطة طريق.

حين يتواطأ بعض حكامنا مع القاتل، ويصمت إعلامهم عن المجازر، ويُبرّر علماء البلاط خيانة الحق… فَــإنَّنا أمام يزيد جديد بثوب معاصر.

والسؤال: أين نحن من الحسين؟

هل نربي أبناءنا على "هيهات منا الذلة" أم على الخنوع والحياد الزائف؟

هل نواجه الظالم، أم نُبرّر له كي لا نخسر وظيفة أَو امتيَازًا؟

 

الحسين نداء يتجدد

الحسين لم يطلب منّا الحزن عليه بل أن نُكمل مسيرته.

أن نكون أحرارًا في مواقفنا، لا عبيدًا للمال أَو السياسة أَو الطائفة.

أن نُعيد للأُمَّـة وعيها… بأن الحق أغلى من الحياة، وأن الكرامة لا تشترى.

في عاشوراء، لا تسأل فقط: من قتل الحسين؟

بل اسأل نفسك: هل أخون الحسين اليوم بصمتي؟

وهل أرضى أن يُذبح المظلوم وأنا أكتفي بالمشاهدة؟

الحسين يناديك من كربلاء:

إن لم يكن لكم دين فكونوا أحرارًا في دنياكم

فهل نجيبه اليوم… أم نخذله كما خذله المتخاذلون؟!