القواعدُ العسكرية الإماراتية في اليمن وأفريقيا: تمدُّدٌ أمريكي بتمويل وقناع خليجي

 

موقع أنصار الله  || صحافة محلية || إبراهيم السراجي/ صدى المسيرة:

 

  الإمارات قطعت شوطاً كبيراً في بناء قاعدة عسكرية في جزيرة ميون. وقال الموقع العسكري البريطاني “جاينز” إن صور الأقمار الصناعية تظهر عمليات بناء المدارج وتشير إلى أن تلك الأعمال لم تبدأ قبل أكتوبر الماضي

 

تعتبَرُ منطقةُ الشرق الأوسط، التي تنتمي إليها الإمارات، منطقةً يُطلق على دولها بأنها “دول ملعب” بمعنى أن الجغرافيا السياسية لا تسمح لها بأن تكون لاعباً دولياُ، وبالتالي ولعدة أسباب خاصة بها فإن الإمارات لا يمكن أن تكون قوة عسكرية مؤثرة ومتوسعة في المنطقة، ولذلك فإن تحَـرّكاتها لبناء قواعد عسكرية في الجزر اليمنية وباب المندب وفي دول القرن الأفريقي الواقعة على البحر الأحمر، ليست سوى غطاء لتحَـرّكات أمريكية-إسرائيلية تتقنع بغطاء وتمويل خليجي.

 

وبدأت الإمارات تنفيذ مُخَطّطات عسكرية أمريكية في الدول الواقعة على البحر الأحمر وعلى رأسها اليمن، عبر البدء بإنشاء قاعدة عسكرية في جزيرة ميون اليمنية قرب باب المندب، وقبل ذلك وقعت اتفاقية مع الفار عبدربه منصور هادي لتأجير جزيرة سقطرى اليمنية لمدة 99 عاماً وهناك بدأت الإمارات بتجنيد المئات من أبناء الجزيرة والبدء بمنحهم الجنسية الإماراتية تمهيداً لتنفيذ مُخَطّط احتلال وضم الجزيرة للسيادة الإماراتية.

 

في فبراير الماضي كشفت موقع بريطاني متخصص بالشؤون العسكرية ونقلت عنه الصحافة البريطانية، أن الإمارات قطعت شوطاً كبيراً في بناء قاعدة عسكرية في جزيرة ميون. وقال الموقع العسكري البريطاني “جاينز” إن صور الأقمار الصناعية تظهر عمليات بناء المدارج وتشير إلى أن تلك الأعمال لم تبدأ قبل أكتوبر الماضي؛ لأن الصور التي تسبق ذلك الشهر لم تكن تظهر وجود عمليات بناء.

 

بالتزامن مع الكشف عن بناء قاعدة في جزيرة ميون اليمنية، كشفت الصحافة العالمية أن الإمارات توصلت لاتفاق مع حكومة “أرض الصومال” التي أعلنت انفصالها عن الصومال ولم تحظَ باعتراف دولي، لبناء قاعدة عسكرية إماراتية في مدينة بربرة.

 

ووضعت الاتفاقية أمام البرلمان بجمهورية “أرض الصومال” وتمت الموافقة عليها، لكن رئيس البرلمان هناك، عبدُالرحمن محمد عَبدالله ورئيس الحزب الوطني المعارض كشف أنه تم إلقاءُ القبض على ثلاثة نوّاب بعدما رفضوا الموافقة على الاتفاق، وتم تهديدُ معظم النواب وإجبارهم على الموافقة. وأضاف قائلاً “نحن نقول للشعب إنه جرى إمرار هذا الاتفاق من طريق القوة”.

 

وبحُجَّة المخاوف من التهديدات الإيرانية والعدوان الذي تشارِكُ الإمارات فيه على اليمن يذكُرُ معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى التالي: “وقّعت دولة الإمارات العربية المتحدة عقد ايجار لمدة ثلاثين عاماً كجزءٍ من اتفاقية الشراكة المبرمة؛ لغرض إقامة قاعدةٍ عسكرية للإمارات في ميناء عصب بأرتيريا”.

 

التحَـرّكات الإماراتية التي قد تبدو في ظاهرها بأنها طموحٌ لامتلاك نفوذ في البحر الأحمر ودول القرن الأفريقي واليمن، إلا أن هناك كثيراً من الحقائق والعوامل والأسباب التي تؤكد أن الإمارات تتصدر مشروعاً لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل.

 

ومن تلك الحقائق أولاً أن دولة الإمارات التي قامت على الحماية البريطانية وانتقلت لحماية الولايات المتحدة مع تراجع القوة البريطانية، وبالتالي فإن الإمارات التي يبلغ تعداد جيشها بضعة آلاف وتأريخها العسكري كلها لا تؤهلها لأن تكون دولة ذات تواجد عسكري عابر للحدود، فهي غير قادرة على حماية أراضيها بنفسها، حيث ترابط هناك قواعد فرنسية وأمريكية وبريطانية توفر لها الحماية، وهو ما يجعلها أقل قدرة من ذلك على حماية مصالحها خارج حدودها.

 

ومن أسباب عدم قدرة الإمارات على تحقيق النفوذ العسكري في البحر الأحمر والقرن الأفريقي، أنها منطقة صراع قوى دولية عظمى تضم الصين وروسيا والولايات المتحدة، ونظراً للتحالف الإماراتي الأمريكي القائم على التبعية، فإن القواعد الإماراتية العسكرية تصب في صالح النفوذ الأمريكي وترجيح الكفة الأمريكية على المنافسين الآخرين.

 

الصراعُ على البحر الأحمر

يكتسبُ البحر الأحمر أهميته التجارية للعالم من كونه يربط قارات العالم الثلاث، آسيا، أفريقيا، أوروبا، ولذلك فهو من أهم طرق الملاحة البحرية في العالم، ونظراً لوجود قوى عظمى متصارعة على النفوذ، ووقوع دول شرق أوسطية عربية وإسلامية إلى جانب الكيان الصهيوني على هذا البحر، فقد كان من الطبيعي أن يكون أحد أخطر وأكثر الساحات التي تشد صراعاً دولياً كبيراً.

 

فبالنسبة لإسرائيل فإن البحر الأحمر يعد المنفذ الجنوبي الوحيد لتجارة الكيان، وعدم خضوعه للنفوذ الإسرائيلي الأمريكي يضع الكيان الصهيوني في مآزق أثناء الحروب، كما حدث في حرب 73 عندما أغلقت اليمن مضيق باب المندب بالاتفاق مع مصر. منذ تلك الحرب ونظراً لاستخدام سلاح النفط وإغلاق مضيق باب المندب، أدركت الولايات المتحدة أن بقاء إسرائيل لا يمكن إلا إذا جردت الدول العربية من القدرة على استخدام تلك الأسلحة، فزادت القواعد العسكرية في الجزر الواقعة على البحر الأحمر واستطاعت اخضاع الأنظمة الحاكمة في المنطقة.

 

أما سلاح النفط فقد قضت الولايات المتحدة عليه، وفق كتاب “الاغتيال الاقتصادي للأمم” أَوْ كما يطلق على نسخته العربية “اعترافات قرصان اقتصاد” لمؤلفه الأمريكي “جون بيركينز” وهو عبارة عن اعترافات مؤلف الكتاب الذي عمل قرصاناً لصالح المخابرات الأمريكية، ويقول إنه شارك في زيارة للسعودية عقب حرب 73 مع مسؤولين أمريكيين وقاموا بتهديد أسرة آل سعود، بالقضاء عليها إذا لم تسلم زمامَ الأمور للولايات المتحدة، وانصاع آل سعود وجروا معهم أنظمة الخليج، ومن يومها توارى سلاح النفط عن الصراع العربي الإسرائيلي.

 

الإمارات: الثراءُ والإخلاصُ لواشنطن

التحَـرُّكاتُ الإماراتية العسكرية في الجزر اليمنية والبحر الأحمر، أثارت جدلاً كبيراً في الإعلام الغربي، غير أن الجدَلَ لم يتضمَنْ الاعتراف بقدرات الإمارات العسكرية، بل عن طبيعة علاقتها بالولايات المتحدة الأمريكية المميزة التي تجعلها تحظى بالثقة الأمريكية.

 

الأموالُ الهائلة التي تملكها الإمارات وإخلاص قادتها للولايات المتحدة كانا أهم ركيزتين خوّلتا الإمارات للعب دور الوكيل الأمريكي في المنطقة، وهو ما تحدثت به صراحة صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية في تقرير لمراسلها الذي زار الإمارات، ونشر على صفحاتها نهاية يناير الماضي بعنوان “أسرار علاقة واشنطن والإمارات وحقيقة دور قاعدة الظفرة الجوية”.

 

وقالت الصحيفة الأمريكية “إن المسؤولين الأميركيين الحاليين والسابقين يرون أن ما يجعل الإمارات استثنائية، هو مجموعة من العوامل المجتمعة؛ الثروة التي مكنت الدولة لشراء أحدث الأسلحة، وتمويل برامج تدريب مكثفة، واستعدادها لوضع قواتها في مناطق خطرة من خلال المشاركة في العسكرية التي تقودها الولايات المتحدة”.

 

وتشيرُ الصحيفةُ إلى أنه “منذ عام 2012 حتى بداية العام الحالي 2017 أرسلت الإمارات ست مقاتلات إف-16 لدعَمِ عمليات الناتو في أفغانستان. وجاء نشْرُ القوات الإماراتية في قندهار في وقت كانت  قوات الدول الأوروبية تقلل من مستوى وجودها في البلد”.

 

وفيما يبدو أن الإمارات نجحت في نيل ثقة الولايات المتحدة، خُصُوْصاً أنها تشارك بفعالية في حروب أمريكية لا علاقة لها بها سوى أنها تحاول إرضاء الإدارات الأمريكية المتعاقبة، الأمر الذي ينطبق على حقيقة القواعد العسكرية الإماراتية في اليمن ودول أخرى تطلُّ على البحر الأحمر.

 

على مستوى الصراع الدولي على الممرات المائية، لا تمثل الإمارات أيَّ نوع من القوة، وتواجدها مرتبط بالتواجد الأمريكي؛ ولذلك وبحسب التقارير الصحفية الأمريكية، فإن القواعد العسكرية في اليمن والقرن الأفريقي منسوبةٌ بالاسم للإمارات لكنها تضم طائرات وجنوداً ومعدات أمريكية وتدار من الضباط الأمريكيين.

 

تعرف الولايات المتحدة أنها لم تتمكن من اختراق الشعب اليمني ولدى اليمنيين حساسية لم تتلاشَ من التواجد الأمريكي عكس محيطهم الخليجي؛ ولذلك فإن واشنطن تدرك أن ظهورها المباشر في اليمن سيعزز صحة ما تحذر منه القوى الوطنية في اليمن على رأسها “انصار الله” حول الأطماع الأمريكية؛ ولذلك توارت واشنطن خلف الدعم اللوجيستي وتقدّمت بتحالف تقودُه السعودية في العدوان على اليمن لتبعد نفسَها عن الصورة، وكذلك تقدمت بالإمارات لبناء قواعد عسكرية في الجزر اليمنية وعلى مضيق باب المندب.

 

بالمقابل يرابط آلاف الجنود الأمريكيين في قواعد أمريكية على الأراضي الإماراتية وأكبرها “قاعدة الظفرة” إلى جانب قواعد عسكرية فرنسية وبريطانيا، ومن أهم مهام التواجد الأمريكي هناك هو حماية النظام الإماراتي وفق اتفاقية أبرمتها واشنطن لحماية دول الخليج، فهل يمكن أن تكون دولة نفوذ عسكري يمتد إلى اليمن وأفريقيا ودولة واقعة تحت حماية أمريكية في نفس الوقت؟

 

وثمة متغيرٌ جديد جعل الولايات المتحدة لا تمانع بالوكالة الإماراتية لمشاريعها في مناطق نفوذ تتقاطع وتقترب من مناطق تواجد عسكري إسرائيلي في جزر بالبحر الأحمر كالقاعدة العسكرية الإسرائيلية في إرتيريا، ويتمثل ذلك المتغير بالتوجه الأمريكي المعلَن لإقامة تحالف يضم إلى جانب إسرائيل كلاً من السعودية والإمارات والأردن ومصر، وسط تنامي مستوى العلاقات الخليجية الإسرائيلية، وآخرها بالنسبة للإمارات افتتاح قنصلية إسرائيلية في أبوظبي.

 

تحرّك في مسار القلق الإسرائيلي

التحَـرّكات الإماراتية بالوكالة عن أمريكا في اليمن والقرن الأفريقي فيما يتعلق بالبحر الأحمر، ليس منفصلاً عن التحالف الذي تشكّل للعدوان على اليمن، الذي انطلق من القلق الإسرائيلي من ثورة 21 سبتمبر وعبّر عنه المسؤولون الإسرائيليين.

 

قلقُ إسرائيل من الثورة في اليمن ينقسم إلى جزأين، الأول، قلق عام من وجود تحول في اليمن خارج عن سيطرة الولايات المتحدة، والثاني، شق يمكن تشخيصه في باب المندب والبحر الأحمر، حيث التجارة القادمة من وإلى إسرائيل، وهذا القلق كان الأكثر وضوحاً في تصريحات رئيس الحكومة الإسرائيلي والمسؤولين الإسرائيليين، سواء قبيل العدوان بوقت قصير أَوْ عندما عبروا عن ارتياحهم للحملة العسكرية في أول أيام العدوان.

 

وبالنظر لخريطة التحَـرّك الإماراتي في الجزر اليمنية والدول الأفريقية الواقعة على البحر الأحمر وصولاً إلى “جمهورية أرض الصومال” الانفصالية، نجد أنها تتشكل في مسار القلق الإسرائيلي من تواجد أَوْ سيطرة عسكرية لأية جهة تكنُّ العداء لإسرائيل والإمارات على العكس من ذلك.

 

ووفقاً لكل تلك المعطيات لا يمكن فصلُ بناء القواعد العسكرية عن العنوان الكبير المتمثل بالعدوان السعودي الأمريكي على اليمن، الذي شهدت فيه العلاقة الإسرائيلية وضوحاً أكبرَ مع انطلاق معارك الساحل الغربي.

 

وبالعودة إلى شهر أبريل من العام 2015 أي بعد أيام قليلة من العدوان السعودي الأمريكي على اليمن، نشر موقع “ساسة بوست” تقريراً يسلّطُ الضوءَ على الموقف الإسرائيلي تجاه ما يحدث ورصد ما قالته الصحافة الإسرائيلية.

 

وبحسب التقرير تمثلت النظرة الإسرائيلية للعدوان على اليمن بأن ما يحدث هو “ساحة صراع بين معسكر معادٍ لتل أبيب، ومعسكر حليفٍ لإسرائيل والدول التي تسميها المعتدلة في الخليج والتي بينها مصالح مشتركة، وإحداها الموقف من الساحة اليمنية”.

 

أكد التقرير آنذاك أن “مضيق باب المندب يمثل مسارًا بحريًّا رئيسيًّا بالنسبة إلى الأسطول التجاري الإسرائيلي، إذ يعد بوابة الدخول إلى البحر الأحمر، الذي يمثل معبرًا حيويًّا للسفن في طريقها من الشرق الأقصى إلى ميناء إيلات أَوْ قناة السويس”.

 

كما يلفت التقريرُ إلى “إسرائيل لديها نفوذٌ في مضيق باب المندب بالتنسيق مع جيبوتي وإثيوبيا”، مشيراً إلى أن “اليمنَ خسر بعض نفوذه بسبب التدخُّل الأمريكي، بعدَ ما أغلق المضيق على إسرائيل في حرب 1973، إلا أنه قد لا يكونُ قادراً على غلقه أمامها مرة أخرى من الجهة العسكرية”.

قد يعجبك ايضا