لا يبدو أن العدو الإسرائيلي في وارد الاحتفاظ بأي صداقة مع الدول العربية مهما قامت تلك الدول بتقديم التنازلات.
وفي ظل معادلة الاستباحة التي يسعى العدو الإسرائيلي إلى فرضها على الدول العربية، يمكن التأكيد على حقيقة مفادها أن من لم يغضب من أجل غزة لن يغضب من أجل دولة أخرى، وأن ما يبديه البعض من تعبيرات الصدمة والخذلان نتيجة غطرسة العدو الصهيوني، لم تعد مجدية مع عدو لا يفهم إلا لغة القوة.
نتنياهو صرح بكل وقاحة بأنه استهدف الدوحة لأنها "المكان الذي احتفلت فيه حماس بعملية السابع من أكتوبر"، ما يؤكد أن العدو الإسرائيلي لن يتوقف كثيرا أمام اختلاق ذرائع مناسبة من أجل العدوان على الدول العربية، وكما تم قصف قطر، لن يتردد الصهاينة في ابتكار أي مبررات للاعتداء على مصر أو السعودية أو دولة عربية أخرى، بعد أن كان الصمت العربي تجاه ما يحدث في غزة، بمثابة مؤشر للكيان الصهيوني والولايات المتحدة، بأن الدول العربية تفتقر لأي ردة فعل حقيقية يمكن أن تشكل خطرا على العدو الإسرائيلي.
ومن العدوان المتواصل على اليمن وسوريا ولبنان، إلى الاعتداء الذي تعرضت له قطر، مرورا بتصريحات نتنياهو بإقامة "إسرائيل الكبرى" على أراضي ثمان دول عربية، يبدو أن الكيان الصهيوني لن يوفر أحداً من دول وشعوب المنطقة، والواقع يشهد أن ما يحدث في غزة لن ينتهي هناك، وأن على شعوب العرب أن تستعد لما هو أسوأ في قادم الأيام.
ورغم التحذيرات التي أطلقها السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي في وقت مبكر من مخاطر الاستباحة الإسرائيلية لدول وشعوب المنطقة، انطلاقا من معتقدات دينية صهيونية، إلا أن الأنظمة العربية لم تتمكن حتى اللحظة من استيعاب خطورة المرحلة، حيث تعتقد بعض الأنظمة العربية -خصوصاً تلك المتخمة بأموال النفط- أنها أكثر قيمة عند أمريكا و"إسرائيل" من بقية دول المنطقة، وأن عليها أن تؤثر السلامة حتى وإن كانت بلا كرامة في مواجهة العدو الصهيوني.
في خطابه الأخير أشار السيد القائد إلى السياق الذي أتى فيه الاعتداء على دولة قطر، والذي أتى ضمن السعي الإسرائيــلي المستمر في تثبيـت معـــادلة الاستبـــاحة، وتعميمها على كل الأُمَّة، وألَّا يكون في مقابلها استثناء لأي بلدٍ عربيٍ ومسلم.
ولأن قطر دولة ذات سيادة، ودولة لها تأثيرها على المستوى الإقليمي، وعلاقاتها الدولية الواسعة، وفي نفس الوقت لها شراكة دولية مع الدول الكبرى في برامج مهمة، ولها دورٌ أساسيٌّ في مفاوضات وقف العدوان على غزَّة، فقد وصف السيد القائد العدو الإسرائيلي على قطر بأنه ارتكاب لعدوانين: عدوان يستهدف به الوفد المفاوض لحركة حماس المتواجد في دولة قطر. وعدوان على السيادة القطرية، واستباحة للسيادة القطرية، واستهداف لأبناء قطر، للمقيمين فيها، ولشعبها، وهناك شهيد من أهالي قطر.
فالعدو الإسرائيلي بهذا التجاوز هو يكشف لكل الدول العربية -سواءً في الخليج وفي غير الخليج- أنَّه يسعى لتوسيع معادلة الاستباحة لسيادة هذه الدول والبلدان، وأنَّه لا يحترم أي حق في هذه البلدان: لا حق السيادة، ولا أي اعتبارات أبداً، ولا شك أنَّه -في إقدامه على مثل هذه الخطوة- مطمئنٌ تماماً إلى الدعم الأمريكي، والمساندة الأمريكية، وهو يستخدم الوسائل الأمريكية أساساً، ويعتمد بشكلٍ أساسيٍّ على الإمكانات والدعم الأمريكي، والشراكة الأمريكية؛ ولـذلك فالأمريكي شريكٌ معه في تكريس هذه المعادلة الجائرة، الظالمة، العدوانية: معادلة الاستباحة لهذه الأُمَّة، لكل شعوبها وبلدانها ودولها، فهي جريمة كبيرة.
دفعت قطر أكثر من ترليون ومئتي مليار دولار للرئيس الأمريكي ترامب، ومثلها فعلت السعودية والإمارات، على أمل أن تحظى تلك الدول بمكانة خاصة لدى الإدارة الأمريكية، لكن تلك الأموال الضخمة والتي "عملت على انقاذ الاقتصاد الأمريكي من التدهور"، لم تشفع لدافعيها من أن يكون لهم مصير آخر غير ذلك المصير الذي ينتظر كافة دول وشعوب المنطقة في حال استمرت على مواقفها المتخاذلة في التصدي للعدو الصهيوني.
ما يسمى رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي، المجرم نتنياهو هدد بصريحة العبارة دولة قطر بالعودة إلى استهداف قادة حركة حماس المتواجدين على أراضيها، إذَا لم تبادر إلى "طردهم" أَو محاكمتهم. وقال نتنياهو في بيانٍ باللغة الإنجليزية، الأربعاء: "أقول لقطر ولكل الدول التي توفر ملاذًا للإرهابيين: إما أن تطردوهم أَو تحاكموهم؛ لأنَّه إذَا لم تفعلوا، سنقوم نحن بذلك"؛ حَــدّ تعبيره.
بينما تأخذ المهزلة أبعادا أكثر خطورة، في ظل انتشار القواعد العسكرية الأمريكية في دول الخليج، وعلى رأسها قاعدة العديد المتواجدة في قطر، والتي تُعد أكبر قاعدة عسكرية في المنطقة، إلا أن تلك القواعد لم توفر أي حماية لدولة قطر، وبما يثير التساؤلات حول هدف وجود تلك القواعد، وما إذا كانت مجرد خطوط عسكرية متقدمة لخدمة العدو الإسرائيلي؟.
ومن الغريب جدًّا، ومن الفظيع، ما سمعناه من وسائل الإعلام عن أنَّ الرئيس الأمريكي (ترامب) المجرم الكافر، اشترك في عملية التضليل، بتقديم ما أسماه بـ [مقترح]؛ من أجل أن يجتمع عليه الوفد المفاوض في قطر لدراسته؛ لتتم عملية الاستهداف أثناء الاجتماع. وكل هذه مؤشرات أن الأمريكي والإسرائيلي وجهان لعملة واحدة، ويتحركان ضمن تنفيذ مخطط واحد.
وفي حين لا يتردد قادة الكيان الصهيوني من تكرار مواقفهم العدائية تجاه العرب، إلا أن الأنظمة العربية تصر على التمسك بسقف دون المستوى في مواجهة العربدة الصهيونية، التي يبدو أنها لن توفر أحدا، بما في ذلك الأنظمة التي تتسابق لتقديم الخدمات للكيان الصهيوني، سواء من حيث محاولة شرعنة وجود الاحتلال الإسرائيلي بالتطبيع، أو مساندة جرائم الإبادة الجماعية التي يتعرض لها أهل غزة من خلال إمداد العدو الصهيوني باحتياجاته من التموينات الغذائية، أو فتح الأجواء والموانئ وتوفير السفن لإيصال السلاح للعدو الصهيوني، في إطار مساعدته على مواصلة الجريمة بحق الشعب الفلسطيني في غزة.
وللأسف الشديد، فإن ما يتم اتخاذه من معظم الحكومات والأنظمة، هو أن يكون الموقف هو البيان، أو التصريح، عبارات تكتب في ورقة، تتضمن توصيفات معيَّنة، تتفاوت، بعضها -مثل ما هو الحال في بعض الأنظمة الغربية- يراعي العدو الإسرائيلي حتى من العبارات الجارحة للمشاعر، أو العبارات المُدِينَة، ويتحرى بدقة وعناية فائقة عبارات لا تحمل أي مضمون إدانة، فهم يحرصون ألَّا يكون في بياناتهم ما يعتبر إدانةً للعدوان الإسرائيلي على قطر.
إن البلطجة والعربدة الإسرائيلية منشأها: شطب كل تحرك عملي وفعلي من قِبَل الأنظمة العربية، والأنظمة الإسلامية، وأن يكون السقف العالي جدًّا هو اتصالات تضامنية كلامية فقط، أو عبارات تكتب في ورق، وتنتهي المسألة دون أي موقف عملي، وهذا شيء خطير على هذه الأُمَّة.
وفي ظل خنوع الأنظمة العربية، تبقى اليمن هي الوحيدة التي اتخذت موقفا استباقيا متقدما، ولم تنتظر في صفوف بيانات الشجب والإدانة الميتة، حيث يتميز موقف اليمن أنه يأتي انتصارا لمظلومية الشعب الفلسطيني، وليس مجرد ردة فعل على هستريا الاحتلال الإسرائيلي، وحملات القصف الشعواء ضد الجميع، التي تسجل كل يوم تصعيدا جديدا بحق دول المنطقة.