موقع أنصار الله . تقرير | وديع العبسي
يوم عالمي آخر يأتي موعده ليصفع ما يسمى بـ"النظام العالمي" ويفضح نفاق المجتمع الدولي. بالأمس توارى اليوم العالمي لحقوق الطفل خجلا في اليمن وفي غزة، حيث لا وجود لقانون دولي ولا لمواثيق ومبادئ دولية بعد أن دفنها الصهاينة من أمريكان و"إسرائيليين" وأتباعهم مع عشرات الآلاف من الشهداء نساء وأطفال وشيوخ، وتحت أنقاض كمّ كبير من الخراب والدمار.
في اليمن وفي غزة تتجسد ذروة الشواهد على أن لا مكان للعدالة والإنصاف، ففيما يعمل العالم الغربي على الزيادة في مستوى رفاهية الطفل في مجتمعاته، يقفز الطفل العربي والمسلم على عمره متحملا هموم معيشة أسرته وقد غادر كراسي الدراسة، ومنهم من يقتله الحقد الصهيوني بأي صورة كان هذا الحقد غربي أو عربي، ومنهم من أقعده عن الحركة وقد فجّرت القنابل والصواريخ أجزاء من جسده. هذا هو مشهد الطفل في اليمن وغزة في يومهم العالمي.
اليوم العالمي لحقوق الطفل.. ليست المناسبة ولم تكن من أجل إقامة المهرجانات والكرنفالات، ولا حتى من أجل توزيع الحلوى على الأطفال، وإنما لغرض تقييم وضع الطفولة في العالم وتحديد مستويات حصولهم على حقوقهم الطبيعية في مختلف المناطق، وثم وضع المعالجات لردم الفجوات الهائلة في هذه المستويات.
هذا الأمر لم يعد هو الحاصل كي يشهد على صدقية التوجه لإعطاء اليوم العالمي للطفل حقه من الاهتمام والتركيز، وكي يشهد بصدقية تلك الشعارات والعناوين، وبدلا عنه يعيش "الطفل" اليوم في دول العالم الثالث وفي ظل النفاق العالمي أسوأ حال كنتيجة للعوار الذي يعانيه الغربي المتغطرس بحيث يرى أن ما يتحدث عنه من حقوق لا تعني الطفل في الدول العربية والإسلامية.
في اليمن لا تزال التقارير الحقوقية بشأن الطفل، محلية ودولية تكشف عن تصاعد في درجات التبلد لمشاعر العالم المنافق، الذي ينظر ويقيّم واقع حقوق الإنسان ومنها ما تعني الطفل، من منظور أمريكي بحت، والأخيرة لم تكن يوما شوكة ميزان ولا مرجعية قانونية بقدر ما كانت الرائدة في التوظيف غير الأخلاقي لكل اعتمالات العالم من منظور المصالح والمنافع.
في تقريرها الأخير، حمّلت منظمة "انتصاف" العدو الأمريكي السعودي الصهيوني المسؤولية الكاملة عن الجرائم، والأوضاع الإنسانية الكارثية الناتجة عن العدوان والحصار، وكشفت المنظمة عن تداعيات العدوان والخصار على الأطفال، فأبرزت واقعا، ينسف كل الشعارات والعناوين التي زعمت رعاية حقوق الطفل في عيش حياة صحية طبيعية.

أربعة آلاف و232 طفلاً شهيداً، وستة آلاف و346 طفلاً جريحاً خلال 11 عاما من العدوان والحصار الأمريكي السعودي الإماراتي.
أكثر من مليون طفل يعانون من شكل من أشكال الإعاقة، كنتيجة مباشرة للأعمال العدائية وتدهور النظام الصحي.
أكثر من 2.6 مليون طفل دون الخامسة يعانون من سوء التغذية الحاد، من ضمنهم 630 ألف طفل يعانون من سوء التغذية الحاد الوخيم الذي يهدد حياتهم بشكل مباشر.

حوالي مليونين ومائة ألف طفل، أي ما يُشكل حوالي 35% من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و17 عاماً، خرجوا إلى سوق العمل القسري بسبب تداعيات العدوان والحصار، إضافة إلى أكثر من 1.8 مليون طفل يعملون في ظروف قاسية وهم محرومون من أبسط حقوقهم الأساسية.
تسعة من كل عشرة أطفال يعيشون في مخيمات النازحين لا تتوفر لهم فرص كافية للحصول على أهم احتياجاتهم الأساسية (الغذاء والمياه والتعليم).
حوالي 1.9 مليون طفل نازح في البلاد لا يزالون محرومين من الخدمات الأساسية بشكل كافٍ، أكثر من 700 ألف طفل نازح لا يمكنهم الحصول على التعليم الرسمي.
هكذا تبدو تفاصيل مشهد الأطفال في اليمن في يومهم العالمي، وهي تفاصيل صنعها عقد من العدوان والحصار ضد الشعب اليمني.
.jpg)

في غزة، لا يزال واقع الأطفال وصمة عار في جبين دول العالم، حيث الأطفال يموتون بسلاح العدو الصهيوني أو بحصاره لهم، أطفال يقضون جوعا وأطفال يعيشون الإعاقة وآخرين يعانون في أجواء مناخية تفوق قدرة أجسادهم الضعيفة على التحمل. ومنذ عامين والعدو الإسرائيلي وبسلاخ أمريكي يقتل الأطفال في مساحة جغرافية صغيرة، ما يمنحه الارتياح بأن جيلا فلسطينيا إما مفقود أو يعاني الإعاقات.
وبغض النظر عن طبيعة الفلسطيني الذي يتشرب الاعتزاز بالنفس ورفض الخنوع والخضوع من آبائه، فإن سقوط الكائنات الأمريكية و"الإسرائيلية" إلى مستوى استهداف حياة الأطفال بشكل مباشر أو غير مباشر، هو دليل على أن أعداء الأطفال باتوا يشعرون بافتقادهم للحيلة في مسعاهم المستمر منذ عقود لإنهاء ودفن مفهوم المقاومة وثقافتها. فالامتداد الفلسطيني لم ولن ينته، وإنما يبقى كل هذا الحقد وهذا الشر والوحشية التي تمارس ضد أطفال غزة شاهد على ما بلغه العالم المتحضر من تفسخ في القيم والأخلاق بحيث لا يحرك ضميره مشهد طفل يموت جوعا أو يتم بتر جزء من جسده في عملية جراحية بلا تخدير أو أن ينام في العراء على رطوبة مياه الصرف الصحي في أجواء شديدة البرودة.
خلال عامين من العدوان على غزة كان العالم يشاهد ويعلم أن أطفال القطاع لم يكونوا في مأمن من الاستهداف، لم تشفع لهم القوانين الدولية، ولم يناصرهم صوت أو تحرك دولي يجبر العدو الصهيوني على التزام أخلاقيات الحرب والقوانين الدولية، فيما أمريكا كلما زاد مستوى انتهاك الكيان الإسرائيلي للمواثيق والأعراف الدولية، زادت من شحن الاسلحة إليه.
الرضيعة راسيل أبو مسعود (شهران)، الرضيعة غدير بريكة (5 أشهر)، الطفلة رؤى ماشي (عامان)، الطفل محمد زكريا عصفور (عام وأربعة أشهر)، الرضيعة جنان صالح السكافي (4 أشهر)، الطفل محمد مصطفى ياسين (4 أعوام)، الطفلة لينا الشيخ خليل (4 سنوات)، الطفلة حكمت بدير (6 أعوام)، هؤلاء نماذج من أطفال غزة، قتلتهم الإبادة الصهيونية وسياسة التجويع التي نفذها الكيان، وسلبية العالم. وقد عرضت القنوات مشاهد صادمة لجثثهم وقد صارت هياكل عظمية، وحينها عبّرت كثير من القيادات في الحكومات الغربية عن صدمتها، إلا أن ما قيل إنه صدمة لم يدفع للتحرك من أجل إنقاذ آخرين من أطفال القطاع قبل أن يلقوا نفس المصير.
اليوم العالمي لحقوق الطفل، كان ثقيلا في اليمن وغزة، فصدمهم من جديد باستمرار حالة التخاذل الدولي وتهيّب العالم من الشيطان الأمريكي إلى درجة دفن كل المبادئ والقيم الأخلاقية والإنسانية مع جثث الأطفال وأشلاؤهم، ووأد براءة الطفولة بلا أدنى شعور بالأسف. وكان صبيحة الـ 20 من نوفمبر شاهد آخر على سلبية المنظمات الدولية المعنية بالطفولة، فلا هي التي تحركت لإيقاف الوضع القائم الذي يسحق الطفولة ولا هي التي طالبت بتحرك عملي يمنع البطش الأمريكي الإسرائيلي عن تعريض الأطفال في اليمن وغزة للخطر.
في يوم الطفل كان العدو الصهيوني يواصل الإبادة وسياسة التجويع ضد أبناء غزة بما فيهم الأطفال، وكان أطفال القطاع في العراء يتوسدون الأنقاض ويلتحفون خِرَق خيام بالية ممزقة، وقد تحول القطاع إلى أطلال، بعد أن دمر العدو الصهيوني بكل حقد وحيوانية 88٪ من منازلهم.
حلّ ما يسمى باليوم العالمي لحقوق الطفل مرة أخرى، ليكشف عن أن ما اتفق عليه العالم كمحددات وثوابت قانونية وأخلاقية وإنسانية لا يبدو إنها تعني كل العالم، لذلك فإن فجوة ما عليه واقع الأطفال تتعاظم لصالح دول الاستكبار. في اليمن كان الأطفال لا يزالون يعيشون تداعيات الحصار الاقتصادي الخانق، وسقوط القوانين الحقوقية، وباتوا يدركون في أعمارهم الصغيرة وأجسادهم الهزيلة بأنهم ضحايا ازدواجية معايير التقييم والتعامل. وما قيل عنه كحقوق لا يبدو إلا شفرات عبور لاستهداف شعوب ودول العالم.
أكثر من عشرة أعوام، وكل أشكال الانتهاك يمارسه أو يتسبب به تحالف العدوان في اليمن، بينما لم يلتفت المجتمع الدولي بعد إلى أن هناك مشكلة في اليمن تستدعي إنهاء حالة الخوف واللامبالاة، والتوجه بجديّة لوضع حد يضمن لليمنيين السيادة والاستقلال على أرضهم ومياههم، كما يضمن للعالم إنهاء بؤرة توتر تخيم بضلالها باستمرار على واقع المنطقة وقد تؤثر على مصالح جميع دول العالم.