موقع أنصار الله | من هدي القرآن الكريم | 

 

قال تعالى {هَا أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ}(آل عمران: من الآية119) مهما عملتم لهم لن يقدروا لكم جهودكم، لن يرعوا لكم جميلاً، لن يكافئوكم بإحسان، وهذا ما حصل، وهذا الذي نشاهد الآن، أما كان من المفترض أن إسرائيل ترعى ذلك الجميل لهذه الدول العربية التي انطلقت لتقف بدلاً عنها في مواجهة و فتزيح ذلك الخطر عن وجهها، أما كان من المفترض أن إسرائيل تتحول إلى دولة مسالمة؟ دولة تهتم بأمر العرب وشأنهم. 

كانوا يقولون: لا بد من تحرير فلسطين حتى آخر ذرة من تراب أرض فلسطين؟ أصبحت المسألة بالعكس سيخدمون إسرائيل حتى آخر ذرة، وآخر جندي من أبناء أوطانهم، لكن تحت عناوين أخرى، اليهود هم يعرفون كيف يرسمونها، وكيف يشغّلون الأمة ويشغّلون الشباب في التحرك تحتها. 

إذاً فإذا غاب العمل على تصحيح الوضع من الداخل تحت العمل في إطار الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فلن تقف الأمة على قدميها أبداً, أبداً مهما امتلكت من أسلحة في مواجهة اليهود والنصارى؛ لأن هذا الأمر أتى في إطار وضع الخطة الحكيمة, الخطة المستمرة التي تؤهل الأمة لمواجهة أهل الكتاب اليهود والنصارى، سواء في حماية أنفسهم منهم كي لا يتحولوا إلى كافرين مرتدين بعد إيمانهم أوفي رفع ظلمهم عنهم، وفي قطع أيديهم عن بلدانهم، لا بد من تفعيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الخير.
ولكن ما الذي حصل؟. 
من جَنى على هذا المبدأ هم الفقهاء أنفسهم، من جنى على هذا المبدأ نفسه هم أصحاب ، وأصحاب كتب والفقهاء أنفسهم، الذين حولوا المسألة إلى مسألة فردية: , متى؟ قال: . 

فجعلوا كل شخص ينظر إلى هذا الواجب العظيم، وهذا المبدأ المهم، وهذه الهداية الربانية العظيمة، كل شخص ينظر إليها بنظرة فردية ومن منطلق ذاته واستطاعته أو عدم استطاعته، وكل شخص منا سيرى في الأخير نفسه عاجزاً عن أن يعمل شيئاً، أليس هذا الذي سيحصل؟، فلنكن عشرة آلاف في منطقة سيرى كل شخص نفسه عاجزاً عن أن يعمل شيئاً هو، فيقول: إذاً ارتفع الوجوب عني، إذاً أنا لا أستطيع، والثاني مثلي، والثالث مثلي، والرابع مثلي، وهكذا.

ناسين أن القرآن, أن الله سبحانه وتعالى يقول: أنه في تحقيق هذا الأمر من المعلوم أنه لا يتأتى - وهو الشيء الطبيعي والغالب - إلا بأن يكون الناس يتحركون بشكل جماعي متوحدين؛ لذا فعليهم أن يؤهلوا أنفسهم ليصبحوا أمة قادرة حينئذٍ عندما يتوحدون، عندما يكون منهجهم واحداً، عندما يكون منهجهم قائماً على الاعتصام بحبل الله مجتمعين، عندما يكونون صادقين متعاونين فيما بينهم حينئذٍ سيصبحون أمة قادرة على أن تدعو إلى الخير، وتأمر بالمعروف, وتنهى عن المنكر. 

لكن وتعال فيما بعد طبِّق هذا المبدأ على أفراد هذا المجتمع المتوحد تقول له: واجب عليك إذا استطعت، ما تستطيع أنت شخصياً ما عليك.. فعزلت أنت هذا ثم تعزل الثاني بعده والثالث بعده حتى تخرج من آخر الصف وما أحد يستطيع ستجد كل واحد يقول: والله أنا ما أستطيع أنا خلاص ارتفع الوجوب عني ولي عذري عند الله!. هكذا انطلق فقهُنا, انطلقت القواعد التي تسمى لتوجه كل الخطاب الذي هو في القرآن خطاب جماعي للأمة من خلال الفرد أنه يجب عليه أن يتحرك في إطار أمة في تأهيل نفسه والآخرين ليكوِّنوا صرحاً شامخاً بأمة. 

انطلقت الأشياء لتخاطب الأفراد كأفراد، وكل شخص يرجع إلى نفسه سيرى نفسه عاجزاً فيقول لله: ! 
الله هنا يقول: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ} يعلم أن كل فرد بمفرده لا يستطيع أن يعمل شيئاً، أحياناً يحتاج الإنسان هو في تربية أسرته في الداخل في تربية أولاده إلى من يعينه من الآخرين قد تحتاج إلى هذا داخل أسرتك يحتاج إلى من يعينه من الآخرين على تربية أولاده، على تنظيم شؤون أسرته ليكونوا أسرة منضبطة.

ثم لأن المسألة في مقام الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لابد أن تكون بشكل واعٍ، وخطة واحدة، ومنهج واحد، وأسلوب واحد، وعمل واحد، وإلا فهو من المنكر أن تتحرك أنت بطريقتك الخاصة فتوجه توجيهات تعتقد أنها دعوة إلى الخير وأمر بمعروف ونهي عن منكر، وآخر له خط آخر وأسلوب آخر ووجهة أخرى وثالث ورابع على هذا النحو فين‍زل في المجتمع ثقافات متعددة، وجهات نظر متعددة، دعوة إلى أشياء متعددة منهم من يرى أن هذا مهم بالغ الأهمية، ومنهم من يرى أن هذا لا معنى له من أصله، وكلٌ يخاطبك باسم الدين، ويخاطبك باسم النصيحة. فهذا سيصبح نفسه من المنكر؛ يؤدي إلى تفريق المجتمع، يؤدي إلى تباين وجهات نظره، يؤدي إلى تشتت وتعدد مواقفه وتباينها. 

فلا بد في مقام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الخير أن يتحركوا من قاعدة واحدة، من توجيهات واحدة، وخطة واحدة، وأساليب واحدة حتى يكون فعلاً أمراً بمعروف ونهياً عن منكر ودعوة إلى الخير بنَّاءة، تكون نتيجتها تصب في قالب تأهيل الأمة فيما يتعلق بوحدتها، فيما يتعلق باهتماماتها بأمر الدين، وفيما يتعلق باهتمامها في مواجهة أهل الكتاب سواء في الداخل أو في الخارج. 


دروس من هدي القرآن الكريم 
سورة آل عمران - الدرس الثالث " ولتكن منكم أمة "
ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي  " رضوان الله عليه " 
بتاريخ: 11/1/2002م  اليمن - صعدة