موقع أنصار الله | القول السديد | 
 

ولـذلك نعود إلى المشكلة والمعضلة الكبرى، وهي: الخذلان، خذلان المسلمين في معظمهم، حالات الاستثناء حالات محدودة، في الوقوف الصادق مع الشعب الفلسطيني؛ لكن الحالة العامَّة هي الخذلان، وفي المقدِّمة العرب، الخذلان الرسمي أولاً، ويتبعه الشعبي، والشعبي متأثر بالموقف الرسمي، وفي معظم البلدان هناك قرار رسمي، قرار رسمي بتجميد أي موقف شعبي، وأن تكون الحالة السائدة هي حالة الصمت، الجمود، الركود، التجاهل لما يجري، مجرَّد التعاطف من البعض قلبياً وشعورياً ووجدانياً، انطباعات ومشاعر دون أي مواقف عملية، وهذه حالة رهيبة جدًّا؛ ولـذلك ينبغي أن نُسَلِّط الضوء على هذه النقطة: لماذا هذا التخاذل العربي والإسلامي؟

حجم ومستوى ما وصل إليه الطغيان، والظلم، والإجرام اليهودي الصهيوني على الشعب الفلسطيني، أسهم فيه- بلا شك- التخاذل العربي، والحالة أكثر من التخاذل، هي إلى درجة الموقف السيء الرسمي العربي، في معظمه، نحن نتحدث عن الحالة الأغلب.

لإدراك ومعرفة سلبية الدور الرسمي العربي، وأنه ليس فقط يخذل الشعب الفلسطيني، ولا يقدِّم له الدعم، ولا المساعدة، ولا العون؛ بل أكثر من ذلك: أنه يدعم العدو الإسرائيلي، لإدراك هذه الحقيقة؛ فلتعرف يا كل عربي، ويا كل مسلم، أن:

  • الطائرات الإسرائيلية، التي تلقي القنابل الأمريكية على الشعب الفلسطيني لإبادته في قطاع غزَّة، هي تتحرَّك معتمدةً على الوقود من النفط العربي، من نفط العرب، الطائرات الإسرائيلية تتحرَّك بنفط العرب، الدبابات الإسرائيلية تتحرَّك لاجتياح قطاع غزَّة، وقتل أبناء قطاع غزَّة، الشعب الفلسطيني العربي المسلم، بالنفط العربي، وقودها من النفط العربي.
  • ثم (اثنين وعشرين مليار دولار) قدَّمتها أمريكا في العدوان على قطاع غزَّة، من أين؟ من التريليونات العربية، تريليونات الدولارات تُقَدَّم للأمريكي، والأمريكي يُقَدِّم للإسرائيلي، إلى هذا الحد!

ثم لتنظر أيضاً إلى جوانب أخرى تتبع هذا الموقف (الموقف السيء الداعم للعدو الإسرائيلي)، أشكال من أشكال الدعم للعدو الإسرائيلي، وليس فقط الخذلان للشعب الفلسطيني:

  • جمود أكثر الشعوب العربية، وعدم تحرَّكها بأي شكل من أشكال التَّحَرُّك، حتى كأنه ليس هناك فلسطين، ولا شعب فلسطيني، ولا مجازر، ولا جرائم، ولا تجويع، ولا شيء اسمه شعب فلسطيني، ولا مظلومية فلسطينية، ليس حالة تلقائية حاصلة هكذا، أن تلك الشعوب غفت، ونامت، ولم تعد تدرك ما يحدث، ولا تسمع بشيء، ولا تعرف بشيء، هذا ناتجٌ عن قرار رسمي، قرار رسمي في بعض البلدان العربية.

هناك أنظمة وحكومات تمنع شعبها- رسمياً- من أي تحرُّكٍ مناصرٍ، أو متضامن مع الشعب الفلسطيني:

  • لا نشاط في جامعات، ولو أنشطة عادية، في حدود أنشطة تضامنية: فعاليات، تظاهرات، مسيرات، ندوات، ندوة للتضامن مع الشعب الفلسطيني... بأي مستوى من الأنشطة والأعمال، أي خطوة عملية لمناصرة الشعب الفلسطيني في داخل بلدانهم هي ممنوعة ومحظورة.
  • النشاط الشعبي، على مستوى مظاهرات كبرى ومسيرات، محظور في مناطق عربية، بقرار رسمي، حينما يكون لمناصرة الشعب الفلسطيني، وضد الطغيان، والإجرام، والتَّوَحُّش الإسرائيلي اليهودي الصهيوني... وهكذا أشكال كثيرة.
  • على مستوى ما هو قائمٌ بين بعض الأنظمة العربية والعدو الإسرائيلي، مما يسمّونه بالتطبيع: فتح لأجوائهم ومطاراتهم لصالح العدو الإسرائيلي:

هذا حاصل ومستمر في بلدان عربية، وتستمر فيه أنظمتها، ولم توقف هذا الإجراء، الذي هو خطوة متقدِّمة مع العدو الإسرائيلي، من ضمن هذه الأنظمة: النظام السعودي، أجواؤه مفتوحة بشكلٍ مستمر، مطاراته مفتوحة للعدو الإسرائيلي، ولم يوقف هذا المستوى من التعاون؛ لأن هذا التعاون مع العدو الإسرائيلي خدمة للعدو الإسرائيلي تُقدَّم، لم يوقف حتى هذا المستوى من التعاون مع العدو الإسرائيلي، مع أنه بإمكانه أن يفعله؛ سلطنة عمان حضرت أجواءها على العدو الإسرائيلي، خطوة محسوبة، وموقف محسوب؛ السعودي وأنظمة عربية أخرى أجواؤهم مفتوحة منهم للعدو الإسرائيلي، مطاراتهم مفتوحة.

  • التعاون الاقتصادي:

هذا تعاون مع العدو الإسرائيلي، في الوقت الذي يقوم العدو الإسرائيلي بتجويع حتى الأطفال الرُّضَّع في قطاع غزَّة، ويمنع عنهم حليب الأطفال، تذهب من بلدان عربية، وبلدان إسلامية أخرى، شحنات ضخمة، آلاف الأطنان، مئات الآلاف من الأطنان من مختلف البضائع، هذا تعاون، تعاون مع العدو الإسرائيلي، وهم مستمرون في ذلك.

العدو الإسرائيلي يزيد من طغيانه، يزيد من ظلمه، يزيد من بطشه وجبروته، يرتكب أبشع الجرائم، يتفنن في ذلك، إلى هذا المستوى من الاستهداف للرُّضَّع، الأطفال الرُّضَّع، ومنع حليب الأطفال عنهم، وتلك الأنظمة زادت نسبة ومعدلات تعاونها التجاري مع العدو الإسرائيلي خلال هذه الفترة، زادت؛ لِتُعَوِّض ما ينقص عليه بسبب الحصار في البحر الأحمر، وخليج عدن، وباب المندب، فهي تسعى لتعويض ما ينقص عليه نتيجةً لهذا الحصار، هذا شكل من أشكال التعاون مع العدو الإسرائيلي.

  • الموقف من المجاهدين في قطاع غزَّة:

عِدَّة أنظمة عربية تصنِّفهم بالإرهاب، دون أي ذنب، سوى أنهم يدافعون عن شعبهم، وكرامتهم، ومقدَّساتهم، التي هي جزءٌ من هذه الأُمَّة، فلسطين جزءٌ من هذه الأُمَّة، الشعب الفلسطيني جزءٌ من هذه الأُمَّة، يعني: دفاع عن هذه الأُمَّة، وعن مقدَّساتها، في مواجهة عدوٍ لها هو عدوٌ للجميع.

لم يرفعوا هذا التصنيف، لم يقوموا بإلغائه، يُصِرُّون على الاستمرار فيه، مع أنها ستكون خطوة ذات أهمية، لو أعلنت تلك الأنظمة إلغاء التصنيف للإخوة المجاهدين في قطاع غزَّة بالإرهاب، وتعتبرهم يؤدُّون واجبهم الصحيح، وتعلن عن مساندتها لهم، خطوة محسوبة، ومن تلك الأنظمة النظام السعودي.

وهكذا خطوات متعدِّدة، هي في حقيقتها تعاون مع العدو الإسرائيلي؛ لأن اعتبار من يتصدَّى للطغيان الإسرائيلي من أبناء الشعب الفلسطيني، من يقاتل دون شرفه، وعرضه، وأرضه، وكرامته، ومقدَّساته (مقدَّسات هذه الأُمَّة)، التصنيف له بالإرهاب، واعتباره إرهابياً، هذا تعاون مع العدو الإسرائيلي، عندما يعتبرون من يتصدَّى له بأنه مخطئ، ويجرِّمون، يجرِّمون أي موقف ضد العدو الإسرائيلي، وهذا هو موقفهم أيضاً من الآخرين، يعني: في الشعب الفلسطيني، الحركات المجاهدة في فلسطين يصنِّفونها بالإرهاب، ويصنِّفون غيرها، من له موقف صادق عملي ضد العدو الإسرائيلي، يتَّخذون منه موقفاً معادياً وسيئاً، كما هو حالهم مع بقية المحور.

هكذا هي الحالة: الحالة أنَّ هناك في الواقع تعاون مع العدو الإسرائيلي، منع وتكبيل للشعوب، وهذا في نفسه ليس مبرراً للشعوب؛ لأن بوسع الشعوب أن تضغط على حكوماتها، وأن تتحرَّك في موقفٍ جماعيٍ كبير، ولكن حتى في الوسط الشعبي أين النخب؟ أين النخب؟ لأن الشعب الفلسطيني هو ينادي كل هذه الأُمَّة: ينادي الحكومات والقادات، وينادي الأوساط الشعبية من نخب، وأحزاب، وقوى، ومكونات، وينادي الجميع، لكن حتى في الأوساط الشعبية، لماذا هذا الركود؟ لماذا هذا الجمود؟ هذا يكشف أيضاً عن الحالة، عن الواقع الشعبي، عن الواقع رسمياً وشعبياً، في الوقت الذي يأتي الصوت الفلسطيني لينادي الجميع.

في الأوساط الشعبية، أين هو دور المساجد في مختلف البلدان العربية والإسلامية؟ دور الجامعات؟ أين هو دور وسائل الإعلام؟ لتؤدي دوراً استنهاضياً للأُمَّة، يُحَرِّك الأُمَّة، يشعرها بمسؤوليتها، في إطار خطوات عملية واضحة، وأهداف عملية واضحة... وغير ذلك.

لكن الأنظمة العربية في المقدِّمة، ومؤثِّرة في ذلك على موقف كثيرٍ من البلدان الإسلامية، والموقف العالمي، هي مؤثرة على موقف شعوبها، ومانعة لموقف شعوبها، الآن لماذا لا تبادر الأنظمة العربية لإدخال المساعدات إلى قطاع غزَّة، وإيصال المساعدات إلى قطاع غزَّة كعمل إنساني، كعمل إنساني؟! حتى هذا المستوى من الدعم للشعب الفلسطيني لا يقدمونه أبداً.

 

 

كلمة السيد القائد حول آخر التطورات والمستجدات 6 صفر 1447 هـ