من أهم ما يتعلق بالصبر: أنه إلى جانب أنه عبادةٌ عظيمةٌ، لها نتيجتها، لها آثارها الكبرى، أنه سلاحٌ مهمٌ في مواجهة العدو؛ لأن ما يلجأ إليه العدو في محاربته للمؤمنين: من حصار، من تضييق، من جبروت، من إجرام، من وحشية، هو بهدف النيل منهم، والإضعاف لهم، وضرب إرادتهم ومعنوياتهم، وإرغامهم على الاستسلام، وتحطيم معنوياتهم.
العدو يحرص على كسر الإرادة، على تحطيم المعنويات، على الإرغام للأمة على الاستسلام، على زرع حالة اليأس، على الوصول بها إلى الانهيار التام، هذا ما يسعى له العدو، فعندما يرى أنَّ ما يفعله من إجرامه، ووحشيته، وفظائعه، وانتهاكاته، وعدوانه، وحصاره، له ردة فعلٍ عكسية، هو يزيد من اهتمام الأمة، من عزمها، من قوتها، من إصرارها، من تصميمها، من جديتها في مواقفها، من استشعارها لحجم مسؤولياتها، من غضبها على عدوها، وترجمة ذلك الغضب في الواقع العملي، من خلال الجدية الكبيرة في عملها وهي تتصدى للعدو، في تحركها وهي تواجه العدو، سيكون لذلك الأهمية الكبيرة التي يترتب عليها يأس العدو، يأس العدو، فما يكون هناك من صبر، من ثبات، من قوة، من ردة الفعل الواعية في واقع الأمة تجاه العدو، يقابله هبوط لدى العدو، يأس، شعورٌ بالفشل، شعورٌ بالإخفاق، شعورٌ بالعجز، يصل به- في نهاية المطاف- إلى الاستسلام.
وهذا ما حصل على مرِّ التاريخ، في التجارب القائمة في واقع البشر، كما أشرنا في حركة النبي "صلوات الله عليه وعلى آله"، وحركة المسلمين معه، وما ترتب على ذلك من متغيرات كبرى، في الأخير كان من يئس، من انهار، من تفككت قواه، هم المشركون، هم الكافرون، هم المعادون للرسالة، ومن أحُبِط، وفَشِل، وأخَفْقَ، وانهَزم، ولم يحقق أهدافه الرئيسية، هم المنافقون معهم أيضاً، والذين في قلوبهم مرض.
في واقعنا المعاصر نرى الأمثلة الكثيرة، مثلاً: فيما يتعلق بحزب الله في لبنان والصراع مع العدو الإسرائيلي، صراع استمر لسنوات طويلة، وكان العدو الإسرائيلي يحاول أن يكسر إرادة المجاهدين في لبنان، أن يكسر إرادتهم، وأن يوهن من عزمهم، وأن يوصل المجتمع إلى حالة اليأس في إمكانية الانتصار في مواجهة العدو، فكان يقوم بحملات إجرامية، ووحشية، واعتداءات كبيرة، وجرائم فظيعة، ولكنهم استمروا في جهادهم، وصبروا على كل المعاناة، في نهاية المطاف كانوا يزدادون قوةً، وكان العدو يضعف أكثر فأكثر، كان يحصد المزيد من الهزائم، وكان بالتالي ييأس أكثر فأكثر، حتى وصل إلى يأسٍ تام وانسحب، في هزيمةٍ مذلةٍ تاريخية، كانت هي الأولى بذلك المستوى، وهزيمة استمرت، استمرت إلى حد الآن، هزيمة مستمرة في واقع العدو الإسرائيلي.
عندما نأتي إلى الحالة القائمة فيما يتعلق بشعبنا اليمني المسلم العزيز، وهو يتصدى للعدوان الأمريكي السعودي، منذ بداية العدوان وإلى اليوم حصلت الكثير من المتغيرات، فيما كان لدى الأعداء آمال في أن يسيطروا بشكلٍ تام في فترةٍ وجيزة، بالاستناد إلى إمكانياتهم الهائلة، إلى جبروتهم، وطغيانهم، وحصارهم، وظلمهم، وصلوا اليوم إلى نقطةٍ مسدودة، وصلوا إلى مستوى الفشل الذي عرف به كل العالم، الذي يتحدث عنه الجميع، ما من شكٍ في أنهم قد فشلوا إلى الآن في تحقيق أهدافهم الرئيسية التي أرادوها من خلال العدوان، وأنهم تكبَّدوا الكثير من الخسائر، وأنهم أيضاً تكبَّدوا الكثير من الهزائم تلو الهزائم، وأنَّ شعبنا قد حقق الكثير والكثير والكثير من الانتصارات، وبات هذا العدوان فيما فيه من حصار، وإجرام، ومعاناة، حافزاً مهماً لشعبنا في أن يبني واقعه، وأن يحوِّل التحدي إلى فرصة، وأن يجعل من ذلك عاملاً لنهضته في كل المجالات، ولكن ذلك بكله يحتاج إلى صبر.
لمَّا كان الصبر سلاحاً في مواجهة العدو، أتى قول الله "سبحانه وتعالى": {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا}[آل عمران: من الآية200]، المصابرة أكثر من مسألة: {اصْبِرُوا}، {وَصَابِرُوا}؛ لأنه سلاح في مواجهة العدو، إذا أصرَّ العدو واستمر على وسائله الإجرامية الوحشية، على سعيه لإضعافكم، للسيطرة عليكم، كونوا أكثر إصراراً منه، أكثر اهتماماً منه، أكثر جديةً منه، في الثبات في موقفكم الحق، في التمسك بقضيتكم العادلة، في أدائكم لمسؤولياتكم المقدَّسة، {اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[آل عمران: من الآية200]، فالعدو يرى في الأخير أنَّ وسائله وأساليبه ليست مجدية، وأنَّ ردة الفعل هي عكس ما يريده، هو يريدهم أن ينهاروا، أن ييأسوا، أن تنكسر إرادتهم، فإذا بهم أكثر عزماً، أكثر تصميماً، أكثر قوةً وجديةً في اهتمامهم وعملهم.
أتى في القرآن الكريم قول الله "سبحانه وتعالى": {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ}[آل عمران: الآية146]، هذا درسٌ مهمٌ وعظيمٌ قدَّمه الله "سبحانه وتعالى" لنا من المؤمنين الذين وقفوا مع الأنبياء، نصروا الأنبياء، جاهدوا مع الأنبياء، الذين تحمَّلوا هذه المسؤولية المقدَّسة، ونهضوا بهذا الدور العظيم في الواقع البشري، وأنَّ الكثير منهم، يعني: كحالة ليست مجرد حالة نادرة، أو حالة استثنائية، حالة تكررت كثيراً على مرِّ التاريخ؛ حتى لا يتصور البعض أنَّ هذا مطلوبٌ منا لوحدنا، أو أنه حِمْلٌ بلينا به عن سائر الناس، أو عن سائر المؤمنين، لا، المسألة مختلفة، {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ}، يعني: حالة تكررت كثيراً، كم وكم وكم {مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ}، أيضاً ليست حالة نادرة على المستوى الشخصي، مثلاً: لا يتهيَّأ لها، لا يتمكَّن منها، لا يمكن أن تتوفر إلَّا لدى القليل القليل القليل من الناس، الصبر مسألة ممكنة من الجميع، وإن تفاوتت نسبة الصبر، وإن تفاوتت، لكنها مسألة ممكنة.
الله هيَّأ الإنسان في فطرته، في قدراته، في طاقته لذلك، والله يزيد الذين آمنوا، الذين يلتجئون إليه، يستعينون به، يزيدهم على مستوى الدعم النفسي بالسكينة، بشرح الصدر، بالعوامل التي تساعد من تحملهم أكثر فأكثر.
{وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا}، عندما أصابهم ما أصابهم في سبيل الله، قدَّموا الكثير من الشهداء، جُرِح الكثير منهم، حصلت لهم المعاناة في الميدان (في ميدان الصراع)، المعاناة المتنوعة، المعاناة المتنوعة: على المستوى الاقتصادي، على المستوى العسكري... من جوانب كثيرة، لم يصبهم ذلك بالوهن، لم تأت النتائج التي يريدها العدو، يسعى لها العدو، الوهن: عكس الصلابة، فتحصل لديهم حالة من الفتور، من الجمود في التفاعل في أداء مسؤولياتهم، فلا يتحركون إلَّا بتثاقل، وبنفوس لم تعد بذلك العزم، بتلك القوة، بتلك الإرادة الفولاذية، أصبحوا يتحركون بفتور، أثَّر عليهم ما حصل عليهم.
{فَمَا وَهَنُوا}، لم يهنوا، استمرت صلابتهم، عزمهم القوي استمر، ثباتهم، جديتهم، كل ذلك استمر، {لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا}، لم يصلوا إلى ما هو أكثر من الوهن، وهو الضعف مثلاً أن يصلوا إلى حالة الضعف، فيفقدون الشعور بالقوة، الناتج عن اعتدادهم بمعية الله، عن إيمانهم بقضيتهم الحق، عمَّا يحملونه من القيم والأخلاق الإيمانية.
{وَمَا اسْتَكَانُوا}، {فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا}، لم يستكينوا، بقوا في حالةٍ من العزة، من الكرامة، لم تنهر عزائمهم إلى حد أن يستكينوا، فيتنصَّلوا عن المسؤولية، فيجمدوا بشكلٍ تام، استمروا وواصلوا نهوضهم بمسؤولياتهم، وأدائهم لواجباتهم.
{وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ}؛ لأنهم صبروا، بدلاً عن الوهن، بدلاً عن الضعف، بدلاً عن الاستكانة، صبروا، فكان الصبر وسيلة مساعدة لاستمراريتهم.
{وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}[آل عمران: الآية147]؛ لأن الناس عندما يحصل لهم الوهن، والضعف، والاستكانة، أيٌّ منها، أو بكلها، تكون لهم أقوال تعبِّر عن التذمر، أقوال تعبِّر عن اليأس، أقوال تقدِّم التبريرات الواهية لتنصِّلهم عن مسؤولياتهم، تقدِّم حالة الفشل وكأنها حالة لازمة، وحالة لا مناص منها، أقوال سلبية تخدم العدو، تشجِّع العدو، ترفع من معنويات العدو.
أمَّا الربَّانيون، المؤمنون، المخلصون لله "سبحانه وتعالى"، فمقولاتهم مقولات التجاء إلى الله، استشعار للتقصير أكثر، اهتمام وجدية أكثر، اتجاه إلى الواقع العملي لمعالجة جوانب القصور فيه والخلل أكثر فأكثر، استمرارية وجدية مع الالتجاء إلى الله، وإصلاح الواقع العملي بكل اهتمام، وهذا هو التصرف الصحيح، هو التصرف الصحيح، هو الموقف الصحيح.
في الواقع البشري لا تنهض الأمم، ولا تواجه التحديات، ولا تتحرك في إطار المهام الكبرى، إلَّا وتستند إلى الصبر، لا بدَّ من الصبر، حتى الجيوش في بنائها لتكون جيوشاً قوية، الأساس في ذلك هو الصبر، لا بدَّ من الصبر، وحتى في داخل الجيوش، من لهم مهام خاصة، مهام استثنائية، يحظون بتمرينٍ كبير على الصبر، على التحمل الذي يقترن به أداء مهام وأعمال عظيمة، كبيرة، نوعية، مهمة، ذات تأثير كبير؛ لأنه كلما أردنا أن يكون هناك فاعلية أكثر، فاعلية في العمل، فاعلية في الأداء، في مستوى الأداء، لا بدَّ من الصبر أكثر.
من أهم ما يتم التذكير به في التواصي بالصبر، هو الحديث عن عاقبة الصبر الحسنة، وأنَّ من أهم ما يميِّز الصبر في سبيل الله "سبحانه وتعالى": أن نتيجته الإيجابية، ثمرته الطيِّبة، عاقبته الحسنة حتمية؛ لأنها ارتبطت بوعد الله "سبحانه وتعالى" الذي لا يخلف وعده، وهو الصبر المجدي، الصبر في سبيل الله، الصبر في القيام بالمهام والمسؤوليات الكبرى هو الصبر المجدي، المثمر، النافع، المفيد.
وإذا جئنا إلى هذا، فنجد في القرآن الكريم التأكيد على البشارة: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}[البقرة: من الآية155]، هكذا يقول الله: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}، بشِّرهم بهذه العاقبة الحسنة، بهذه الثمرة الطيِّبة؛ لأنهم سيصلون من خلال صبرهم إلى النصر، إلى الفرج، إلى الخير الكبير، إلى تحقيق النتائج المهمة التي يسعون للوصول إليها، {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} بشِّرهم أيضاً بأنه سيأتي لهم حتى وهم يعانون، حتى وهم يواجهون الصعوبات والتحديات، المؤشرات والانفراجات التي هي بشارةٌ لهم، التي هي مقدِّماتٌ لنصرهم الكبير، لفرجهم العظيم، وهذا فعلاً مما يأتي، لا تبقى الحالة دائماً حالةٌ صعبة، وقاسية، وقاتمة اللون، وشديدة، تحصل انفراجات، تحصل مقدِّمات، هي بحد ذاتها بشائر، هي بحد ذاتها بشائر، تحصل انتصارات وانفراجات تبشِّر بما سيأتي من نصرٍ عظيم، من فرجٍ كبير، من متغيرات.
حتى في الشدائد على المستوى الاقتصادي تحصل انفراجات، لا تبقى الشدة كما هي في أقسى حالاتها على نحوٍ مستمر، تأتي انفراجات، وانفراجات، وانفراجات، حتى يأتي الفرج الكبير، ويترافق مع العسر اليسر، كما قال الله "سبحانه وتعالى": {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}[الشرح: الآية5]، يأتي اليسر، فتأتي انفراجات من هنا، إيجابيات من هنا، عوامل مساعدة من هناك... وهكذا لا يبقى العسر بشكلٍ خالصٍ، مستمرٍ، ضاغطٍ، والعناء شديدٌ بشكلٍ مستمر، تأتي حالة اليسر لتترافق مع العسر، {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}[الشرح: 5-6]، وتتحقق إيجابيات مع ما يحصل.
فالغايات المذكورة في القرآن الكريم للصبر، هي غايات عظيمة، غايات كبيرة، جمعتها عبارة واحدة: {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}، الفلاح، الفلاح الذي هو وصول إلى النتائج العظيمة، ظفرٌ بالخير، وصولٌ إلى النتائج المرجوة في الدنيا والآخرة.
بينما إذا جئنا لما هو بديلٌ عن الصبر، إذا جئنا للحالة الأخرى: عدم الصبر في سبيل الله، في طاعة الله، في أداء المهام والمسؤوليات الكبيرة جدًّا، واتجهنا إلى الخيارات الأخرى: خيار الانهيار، الاستسلام، العجز، اليأس، الضعف، الانهيار أمام العدو، وتمكين العدو من فعل ما يشاء ويريد، من الوصول إلى أهدافه ومآربه الشيطانية، ما الذي ينتج عن ذلك؟ ينتج عنه: العناء، القهر، الذلة، الاضطهاد، الضيم، الذي يستمر، وإذا صبر الناس عليه، فصبرهم لا يفيدهم، لا يجديهم، لا ينفعهم، لا يغيِّر من الواقع شيئاً، وحتى لا يؤجرون عليه، ليس لهم عليه أجرٌ ولا فضل، فيكون هو الصبر السلبي، بدلاً عن الصبر الإيجابي، عن الصبر المطلوب، وهي حالة خطيرة جدًّا، وتدوم الحالة، تستمر ما داموا مستمرين على ذلك، وإذا أرادوا التحرك فيما بعد، وتحرَّكوا متأخرين بعد أن يتمكن العدو منهم أكثر، بعد أن يكونوا قد فرَّطوا بمسؤولياتهم وواجباتهم لمدةٍ طويلة، وتحرَّكوا متأخرين، كانوا محمَّلين بالإصر الثقيل، بالحمل الثقيل، الذي هو نتاجٌ لتفريطهم، عاقبةٌ لعصيانهم، لاستهتارهم، لإهمالهم، لتقصيرهم، فتكون الكلفة هائلة، والنتيجة ضئيلة، ويحتاجون إلى عناء كبير جدًّا، ومدة زمنية طويلة جدًّا، وهذه مسألة خطيرة جدًّا.
إنَّ كل الغايات العظيمة للصبر في القيام بمسؤولياتنا، في طاعتنا لله "سبحانه وتعالى"، وأدائنا لمهامنا وجهادنا في سبيل الله، وتصدينا لأعداء الله، على النقيض منها تماماً نتاج التخاذل، نتاج التفريط، عواقب التقصير، فالله "سبحانه وتعالى" عندما قال لنا في الصبر في سبيله: {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}، النتيجة المناقضة لها عندما لا نصبر في سبيله: لعلكم تخسرون، لعلكم تخسرون في الدنيا والآخرة، تخسرون كل شيء، تخسرون حريتكم؛ فيستعبدكم أعداؤكم، تخسرون كرامتكم؛ فيذلكم ويهينكم أعداؤكم، تخسرون شرفكم، تخسرون أمنكم، تخسرون كل شيء، تخسرون دينكم ودنياكم، البديل عن: {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}، عندما تنهارون، عندما لا تؤدون واجباتكم بصبر، لا تنهضون بمسؤولياتكم بصبر: لعلكم تخسرون كل شيء والعياذ بالله.
البديل عن قوله تعالى في الصبر في سبيله، في الصبر في طاعته، في الصبر في القيام بالمسؤوليات المقدسة: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}، البديل عن ذلك: أنَّ الله يخذل أولئك الذين لم يصبروا في سبيله، لا يقف معهم، لا يؤيِّدهم، لا يعينهم، لا يرحمهم؛ لأنهم لم يستجيبوا له، فيما فيه عزهم، فيما فيه نصرهم، فيما فيه خيرهم، فيما فيه فلاحهم، فيما فيه قوتهم، فيما فيه كرامتهم، لم يستجيبوا له، ولذلك فليس معهم، سيخذلهم، سيسلط أعداءهم عليهم، والتسليط حالة رهيبة جدًّا، تتضاعف بها وتزداد أشكال المعاناة مع الذلة والهوان إلى حدٍ كبير، فيصلون إلى حالة: {فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ}[الطور: من الآية16]، واقعٌ مخزٍ، مذل، مهين، كله اضطهاد، وظلم، وقهر، وذلة، ويستمر، والصبر فيه- كما قلنا- ليس مجدياً، وليس عليه أجرٌ، وليس له فضلٌ، هذه المقارنات مهمة جدًّا في التواصي بالصبر، عندما نقارن بين النتائج، بين العواقب، بين ما يترتب على هذا، وما يترتب على ذاك.
السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي
المحاضرة الرمضانية العاشرة: الاثنين 10 رمضان 1443هـ 11 أبريل 2022م