في حركة الرسول "صلوات الله عليه وعلى آله"، هذا الرسول الذي كان يمتلك سيفًا، ويمتلك درعًا، ويمتلك وسائل عسكرية، ويحرِّك المؤمنين معه ليمتلكوا القدرة العسكرية بأقصى ما يستطيعون، ويسعى بكل جهد إلى أن يكون واقعه وواقع أمته من حوله قائمًا على القوة، وقائمًا على العزة والمَنَعَة والكرامة، ويتحرك على هذا الأساس.

الرسول "صلوات الله عليه وعلى آله" في حركته في مواجهة التحديات، في مواجهة الطاغوت والاستكبار يمثِّل القدوة العظيمة للأمة، في زمنه وبعد زمنه، وليس في عصره فقط، وهذا ما لوحظ التأكيد عليه في القرآن الكريم في آيات متعددة، فنجد مثلًا: في سورة التوبة وهو ينتقد المتخلفين والمتخاذلين من أهل المدينة: {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ اللّهِ وَلاَ يَرْغَبُواْ بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ}[التوبة: من الآية120]، هذا انتقاد عليهم في تخلفهم.

نجد أيضًا في سورة الأحزاب، في عرض أحداث الأحزاب وغزوة الأحزاب، وما كان فيها من: الشدة، والمعاناة، والمتاعب، والدور المحوري والرئيسي للرسول "صلوات الله عليه وعلى آله" في التصدي للأخطار، والتحرك الجاد لمواجهة ذلك التحدي، في نفس السياق يأتي قول الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}[الأحزاب: الآية21]، والبعض ركَّزوا جدًّا- في سياق هذه الآية- على التأسي في الأمور البسيطة جدًّا والسهلة جدًّا، مطلوب أن نتأسى بالرسول في كل الأحوال، في كل ما يُطلب منا الاقتداء به فيه، مما كان يؤديه في مقام القدوة، ليس مما يخصه، سواءً في أمور الآداب والأخلاق، أو في أمور المسؤولية وما يتصل بها، ولكن أن يقتصر البعض من هذه الآية على بعض الأمور البسيطة جدًّا: في مسألة السواك عرضًا، وفي بعض المسائل المحدودة والبسيطة والسهلة، ولكن عندما تكون المسألة الاقتداء برسول الله في الصبر ومواجهة التحدي في التحرك ضد الطاغوت والاستكبار، في تحمل المسؤولية العامة، في التحرك في كل الاتجاهات، يكون له تبريرات أخرى، وينكفئ، وتقدم عن الدين صورة نمطية أخرى.

الرسول "صلوات الله عليه وعلى آله" في هذه الآية المباركة والله يتحدث- أيضًا- في هذه الآية: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ}[الأنفال: من الآية5]، وفي سورة الأحزاب: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ}، وفي سورة التوبة: {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ اللّهِ}، لنقول لأنفسنا نحن المسلمين الذين ننتمي إلى هذا الدين، قدوتنا فيه هو رسول الله "صلوات الله عليه وعلى آله" القدوة الأول والمعلم الأول، هكذا كان رسول الله، الذي علينا أن نقتدي به، ولا تكون- فعليًا- في حالة اقتداء برسول الله "صلوات الله عليه وعلى آله" إذا أتيت إلى جانبٍ رئيسيٍ في هذا الدين هو جانب تحمل المسؤولية، وحاولت أن تتنصل عنه كليًا، أو أن تفصله عن التزاماتك الدينية والإيمانية والأخلاقية، وتنطلق فيه بدافعٍ آخر، وعناوين أخرى، واهتمامات أخرى، ومن دون التزام ديني وإيماني وأخلاقي، بل بمحاولة للتجرد من ذلك والتحرك وفق هوى النفس، ووفق اعتبارات أخرى: عصبيات، أهواء، رغبات... اعتبارات ثانية. هذه مسألة خطيرة؛ لأن الحالة البارزة في الساحة الإسلامية لدى فئات كثيرة، وليس لدى الجميع، لدى فئات كثيرة: إما أنهم جمَّدوا هذا الجانب، وتخلوا عنه في واقع الحياة، وخرج عن اهتمامهم كليًا.

فمسألة قضايا الأمة الكبرى، مسألة العمل لإقامة الحق، للمواجهة للطاغوت والاستكبار، للعمل على تحرير الأمة وإنقاذها من أعدائها، خرج هذا عن اهتمامهم كليًا، يعني: البعض يعتبر نفسه غير معنيٍ بهذه المسألة لا من قريب ولا من بعيد، ويعتبر نفسه- في ظل ذلك- في وضعية طبيعية دينيًا وإيمانيًا؛ لأنه يرى في الإسلام تلك العبادات التي جعلها الله لتكون عونًا لنا، وتزكيةً لنا، وصلاحًا لنا في اتجاهنا في الحياة، وتحمل مسؤولياتنا في الحياة، وحركتنا في الحياة، ومسيرتنا في الحياة، وليست لتكون هي الغاية، هي وسيلة تزكية، ولا بد منها، هي أساسية جدًّا في هذا الدين، وهي أركانه، ولكنها ليست أركانًا من دون مبنى، هي أركان ليُبنى عليها، هذه فائدة الأركان، أن يكون هناك أركان حتى تكون أساسًا يُعتمد عليه في عملية البناء، فإذا الدين من دون بناء، وأن تتصور أن يكون له أركان من دون بناء، خلاص، يعني ما حصلت الفائدة أصلًا، فلا بد منها، لكن بوعي بدورها، بوعي بقيمتها وأهميتها؛ حتى لا تكون غير ذات جدوى، غير ذات ثمرة، غير ذات أثر في واقع الحياة؛ لأن الله لا يريد لها أن تكون كذلك، لا صلاتك، ولا صيامك، ولا زكاتك، ولا حجك، لا يريد الله لها أن تكون طقوسًا ميتة، باردة، جامدة، وأعمالًا وشعائر مفرَّغة من مضمونها، من أثرها، من قيمتها في الحياة، من أثرها في النفس، من أثرها في السلوك، من أثرها- بالتالي- في الواقع، من أثرها المهم جدًّا وجدًّا وجدًّا في المواقف وفي تحمل المسؤولية.

فالرسول هو في موقع القدوة، ما ينبغي لأحدٍ من أمة هذا الرسول "صلوات الله عليه وعلى آله" أن يتخلف عن رسول الله الذي تحمل المسؤولية، الذي جاهد، الذي عانى، الذي ضحى، الذي صبر وصابر، الذي واجه التحديات الكبيرة، الذي صمد وثبت في مواجهة قوى الطاغوت والاستكبار العالمية والمحلية والإقليمية "حسب التعبير السياسي المعاصر"، كلها من مشركي قريش إلى الروم، الكل واجهوه، والكل حاربوه، ولكنه صمد وثبت وتحرك بهذه القيم والمبادئ العظيمة التي كان لها أبلغ الأثر في قيام الأمة الإسلامية وفي انتصار هذا الدين، ولا ينبغي لأحد أبدًا أن يفصل اتجاهه في هذه الحياة في المواقف، والولاءات، والعداوات، والحركة العامة في الحياة، عن مسألة المبادئ والقيم، فالدين عنده منحصر في حدود العبادات الروحية، مثلًا: في الصلاة والصيام ونحوهما.

السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي "يحفظه الله"

المحاضرة الرمضانية الـ16 للعام  1439هـ