موقع أنصار الله . تقرير 

يعاني قطاع غزة من مجاعة شرسة تتوسع وتتفاقم بشكل غير مسبوق، وتطال 2.4 مليون إنسان، بينهم 1.1 مليون طفل، وقد قضى حتى الآن 147 شهيداً بسبب الجوع، بينهم 88 طفلاً، وسط صمت عربي ودولي مريب.
في اليومين الأخيرين، تداولت وسائل إعلامٍ أنباء عن نية عدة دول بإدخال مئات الشاحنات لكسر المجاعة في قطاع غزة، لكن الواقع فاضح: دخلت فقط 73 شاحنة في شمال وجنوب قطاع غزة، وقد تعرّض معظمها للنهب والسّرقة تحت أنظار العدو الإسرائيلي وطائراته المُسيّرة، في ظل حرصه الواضح على منع وصولها إلى مستودعات التوزيع، ضمن سياسة هندسة الفوضى والتجويع.
ما شهده قطاع غزة  ثلاث عمليات إنزال جوي لم تعادل في مجموعها سوى شاحنتين من المساعدات، وقد سقطت حمولتها في مناطق قتال حمراء -وفق خرائط العدو- يُمنع على المدنيين الوصول إليها، ما يجعلها بلا أي جدوى إنسانية، وبالتالي فإن ما يجري هو مسرحية هزلية يتواطأ فيها المجتمع الدولي ضد المُجوّعين في قطاع غزة، عبر وعود زائفة أو معلومات مضللة تصدر عن دول كبرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية ورئيسها، حيث فقدت الحد الأدنى من المصداقية.
إن الحل الجذري يتمثل فقط بفتح المعابر بشكل عاجل وبدون شروط، وكسر الحصار الظالم، وإدخال الغذاء وحليب الأطفال فوراً قبل فوات الأوان، فالعالم أمام مسؤولية تاريخية.
 

يومٌ دامٍ في غزة 

وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة أكدت أن مستشفيات القطاع استقبلت 100 شهيد، بينهم شهيدان جرى انتشالهما، إلى جانب 382 إصابة خلال 24 ساعة الماضية، جراء تواصل العدوان الإسرائيلي. وأفادت بأن حصيلة العدوان الصهيوني على غزة منذ 7 أكتوبر 2023 إلى 59,921 شهيدًا و145,233 إصابة، فيما بلغ عدد الشهداء والإصابات منذ 18 مارس 2025 فقط، 8,755 شهيدًا و33,192 إصابة.
وفي سياق متصل، أوضحت الوزارة أن مستشفيات القطاع استقبلت خلال الـ 24 ساعة الأخيرة 25 شهيدًا، وأكثر من 237 إصابة جراء استهداف مناطق توزيع المساعدات، ما يرفع إجمالي شهداء "لقمة العيش" إلى 1,157 شهيدًا وأكثر من 7,758 إصابة.
كما سُجّلت 14 حالة وفاة جديدة بسبب المجاعة وسوء التغذية خلال الفترة ذاتها، ليصل إجمالي الوفيات الناجمة عن هذا السبب إلى 147 حالة وفاة، من بينهم 88 طفلًا.

وشهد قطاع غزة ليلة دموية جديدة، إذ شنت طائرات العدو الإسرائيلي سلسلة غارات عنيفة على عدة مناطق في القطاع، طالت منازل للمدنيين وخيام نازحين، ما أدى إلى ارتقاء شهداء وإصابة العشرات.
ووفق ما أفادت به مصادر طبية، ارتقى أكثر من 10 شهداء، وأصيب ما لا يقل عن 40 شخصًا، في قصف استهدف منزلين وخيامًا للنازحين في الحي الياباني والمواصي غرب خان يونس، وبين الضحايا عدد من الأطفال. وفي المغازي وسط القطاع، أسفر قصف جوي عن استشهاد ثلاثة فلسطينيين وإصابة عدد آخر، في حين استهدفت طائرات العدو  منزلاً لعائلة نوفل غرب خانيونس، حيث ارتقى 15 فلسطينيا.
كما استشهد أحمد مصطفى عابد وزوجته أفنان وطفلهما جراء قصف استهدف منزلهم وسط مخيم المغازي، ليُضافوا إلى لائحة طويلة من العائلات التي أبيدت بالكامل خلال العدوان المستمر. وشهد حي الشجاعية شرق غزة غارات مكثفة ومتتالية، استخدم فيها العدو الإسرائيلي "حزامًا ناريًا" أدى إلى دمار هائل، فيما دمرت جرافات العدو منازل سكنية بالكامل شرق المدينة.
ولم تسلم منطقة الكتيبة في وسط خانيونس من القصف المدفعي، بينما استهدفت طائرات العدو منزلًا في منطقة البصة بدير البلح، ما أدى إلى استشهاد سيدة وإصابة عدد آخر. وفي مدينة غزة، اندلع حريق ضخم في منازل ومخازن قرب محطة "تمراز" في حي الدرج نتيجة القصف، فيما واصلت فرق الدفاع المدني جهودها لإخماد النيران وإنقاذ العالقين.
من جانب آخر، اعتدى مغتصِبون صهاينة على شاحنات المساعدات المتجهة إلى قطاع غزة، وقطعوا الطرق أمامها، في محاولة لعرقلة إيصال الإغاثة إلى المناطق المنكوبة.
 

وطأة الجوع  في غزة.. حقائق دامية

كما أفادت "يونيسف" بأن طفلاً يموت كل 10 دقائق في شمال القطاع بسبب المجاعة ونقص العلاج، فيما أكدت منظمة الصحة العالمية أن أكثر من 50% من سكان غزة يواجهون خطر الموت جوعاً. وفي تقريرها الأخير، قالت وكالة الأونروا إن 9 من أصل كل 10 أشخاص في غزة لا يجدون طعاماً كافياً، بينما حذّرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر من انهيار النظام الغذائي والصحي، مؤكدة أن الوضع تجاوز الكارثة ليصل إلى مستوى "الإبادة بالمجاعة".
من جهته، حذر مكتب الإعلام الحكومي في غزة من أن أكثر من 40 ألف طفل رضيع يواجهون خطر الموت الوشيك بسبب استمرار العدو الإسرائيلي في منع استيراد حليب الأطفال لأكثر من 150 يوماً. منوهاً بأن القطاع -وسط صمت عربي ودولي مريب- يتعرض لجرائم تجويع تزداد شراسة، وتتوسع وتتفاقم بشكل غير مسبوق لتطال 2.4 مليون إنسان، بينهم 1.1 مليون طفل، علاوة على استمرار الاحتلال في ارتكاب جرائم الإبادة بالقصف والقتل المباشر للمدنيين.
في المقابل، قال رئيس المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، سلامة معروف: "إن ما يحتاجه القطاع يومياً هو 600 شاحنة إغاثة، بينما ما يصل فعلياً لا يتجاوز 25 شاحنة، منها 3 فقط تحمل مواد غذائية أساسية." مؤكداً: "شهدنا ثلاث عمليات إنزال جوي لم تعادل في مجموعها سوى شاحنتين من المساعدات، وقد سقطت حمولتها في مناطق قتال حمراء -وفق خرائط العدو الإسرائيلي- يُمنع على المدنيين الوصول إليها، ما يجعلها بلا أي جدوى إنسانية". وشدد "إن ما يجري هو مسرحية هزلية يتواطأ فيها المجتمع الدولي ضد المُجوّعين في قطاع غزة، عبر وعود زائفة أو معلومات مضللة تصدر عن دول كبرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية ورئيسها، حيث فقدت الحد الأدنى من المصداقية". 
وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ، توم فليتشر، أكد في بيان، اليوم الاثنين، أن واحدًا من كل ثلاثة أشخاص في غزة لم يأكل منذ أيام، مضيفا أن “غزة تعيش أزمة إنسانية أمام أعين العالم”، مشيرا إلى أن الذين يحاولون الحصول على المساعدات الغذائية يتعرضون لإطلاق النار، والأطفال “يذوبون” من الجوع.
الصحة العالمية من جهتها أكدت أن طفلاً من كل 5 دون سن الخامسة في مدينة غزة يعاني الآن من سوء التغذية الحاد، وأن هذه المعدلات تضاعفت في خان يونس ووسط غزة خلال أقل من شهر.
وفي سياق متصل، أكّد تقرير لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" أن "إسرائيل" تستخدم الغذاء كسلاح ضغط على سكان غزة، وتُسخّر المساعدات لخدمة حملتها الدعائية. وذكرت أن العدو الإسرائيلي يعرقل دخول الأدوية ومعدات المستشفيات، ويمنع فرق الإنقاذ من التحرك، وفي الوقت ذاته يُظهر نفسَه أمام الإعلام كمبادرٍ لحل الأزمة. وأضاف التقرير: "ما يجري ليس مجرد حصار، بل سياسة تجويع متعمدة ترقى إلى جرائم حرب".
وحذرت منظمة الصحة العالمية أن أزمة سوء التغذية في غزة قد تفاقمت بشكل حاد، حيث تضاعفت معدلات سوء التغذية الحاد بين الأطفال دون سن الخامسة في مدينة غزة ثلاث مرات منذ يونيو/حزيران، لتصبح هذه المنطقة الأكثر تضرراً في القطاع. 
في السياق ذاته، أظهرت مقاطع مصورة رضيعًا يبلغ من العمر 7 أشهر، يدعى سليم محمود عوض، وهو يعاني من سوء تغذية حاد نتيجة الحصار وسياسة التجويع التي يفرضها الاحتلال. كما وثقت عدسات المصورين طفلًا آخر يكافح لحمل كيس طحين ثقيل شمال غرب غزة، بعد نجاته من رصاص الاحتلال.
لم تكن هذه التحذيرات حبيسة التقارير، فقد دوت في أروقة الأمم المتحدة، حيث حث الأمين العام أنطونيو غوتيريش المجتمع الدولي على رفض استخدام الجوع كسلاح حرب، مؤكداً أن "الجوع يفاقم عدم الاستقرار، ويقوض السلام". كما انتقدت منظمات دولية بارزة -مثل أوكسفام- التحركات المحدودة للاحتلال بشأن وصول المساعدات، مؤكدة على لسان مسؤولة السياسة في المنظمة بشرى الخالدي أن "عمليات الإنزال الجوي القاتلة وتدفق الشاحنات لن تمحو أشهراً من المجاعة المخطط لها في غزة".
 

إبرة تخدير

إعلان العدو الإسرائيلي عن إنزال جوي لما سماه "مساعدات إنسانية" في شمال غزة، بكمية هزيلة لا تتجاوز 7 صناديق (مشاتيح)، ليس سوى خطوة رمزية جوفاء، لا ترقى لمستوى الحاجة الكارثية التي يعيشها سكان القطاع. هذه الخطوة تأتي في وقت تتصاعد فيه الانتقادات الدولية لجريمة التجويع التي يمارسها العدو الإسرائيلي بشكل ممنهج، لتبدو أقرب إلى مناورة علاقات عامة تهدف لتلميع صورة الكيان الإسرائيلي أمام الرأي العام الدولي أكثر من كونها استجابة فعلية لمعاناة الفلسطينيين. 
تزامن هذا التحرك مع موجة استنكار واسعة أثارتها تصريحات "الوزير" في "حكومة" الكيان الإسرائيلي المجرم "عميحاي إلياهو"، التي دعا فيها إلى "محو غزة" بالقصف والتجويع، وهو تصريح فجّر موجة غضب دولي سلطت الضوء أكثر على سياسة التجويع الإسرائيلية. مصادر إسرائيلية نفسها أقرت بأن هذه التصريحات ألحقت ضرراً بالغاً بصورة الكيان، وأجبرته على البحث عن خطوات “شكلية” للتخفيف من حدة الانتقادات، فجاء الإنزال الجوي ليؤدي دور الإبرة المخدّرة أمام المجتمع الدولي، من دون أي تغيير في الواقع المأساوي.
وبحسب المراقبين، تعكس هذه الخطوة في جوهرها، ازدواجية العدو الإسرائيلي الذي يفرض حصاراً شاملاً يمنع الغذاء والدواء، ثم يختار بإرادته ووفق أجندته السياسية أن "ينثر" بضع مساعدات عبر إنزال جوي، في مشهد أقرب إلى تصوير استعراضي من تقديم حل حقيقي. إن استمرار سياسة التجويع الممنهجة، ورفض فتح المعابر بشكل كامل لإدخال الإغاثة تحت إشراف الأمم المتحدة والجهات الإنسانية، يكشف أن الهدف الحقيقي ليس إغاثة الجائعين، بل امتصاص الضغط الدولي، وإيقاف فعاليات التضامن العالمية، مع الإبقاء على الحصار كأداة حرب.
وهذا ما أكدته حركة المقاومة الإسلامية حماس في بيان لها أوضحت فيه أن لجوء العدو الإسرائيلي إلى إنزال بعض المساعدات جوًا فوق مناطق في القطاع، ليس إلا خطوة شكلية، ومخادعة لذر الرماد في العيون، تهدف إلى تبييض صورته أمام العالم، والالتفاف على المطالبات الدولية والشعبية برفع الحصار ووقف سياسة التجويع الإسرائيلية . مضيفة أن خطة العدو للتحكم بما يسمى الممرات الإنسانية -عبر عمليات الإنزال الجوي- تمثل سياسة مكشوفة لإدارة التجويع وليس إنهاءه، وتهدف إلى تثبيت وقائع ميدانية قسرية تحت نيران القصف والجوع، بما يعرض حياة المدنيين للخطر، ويمس كرامتهم، بدل أن توفر لهم الحماية والإغاثة الشاملة.
 

لا تعويل على الحلول السلمية

خلاصة المشهد في غزة وما الذي يجب فعله، لخّصه رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في غزة د. خليل الحية في كلمة له، أمس، أوضح فيها أنه حصل تقدم واضح في جولة التفاوض الأخيرة، وتم التوافق إلى حد كبير مع ما عرضه الوسطاء، خاصة في ملف الانسحاب والأسرى ودخول المساعدات. الوسطاء نقلوا الردود الإيجابية من حماس إلى العدو الإسرائيلي، إلا أن العدو انسحب من المفاوضات، ويتماشى معه مبعوث الرئيس الأمريكي للشرق الأوسط ويتكوف، وهي خطوة مفضوحة مكشوفة تهدف إلى حرق الوقت، والمزيد من الإبادة للشعب الفلسطيني.
بالتالي فإنه لا معنى لاستمرار المفاوضات تحت الحصار والإبادة والتجويع، وإن إدخال الغذاء والدواء فورا وبطريقة كريمة، هو التعبير الجدي والحقيقي عن جدوى استمرار المفاوضات، كما يقول الحية، والذي دعا -في نفس الوقت- المجاهدين في غزة إلى المزيد من العمليات البطولية ضد قوات العدو الصهيوني، كما وجه الحية الدعوة إلى الأمة العربية والإسلامية قائلا: "أما آنَ الأوانُ لتتحركَ الأمةُ عملياً لكسرِ الحصارِ عن غزة، لإيصالِ الطعام والماءِ والدواء لأهلكم وإخوانكم؟
في ذات الوقت طالب د. خليل الحية الدول المجاورة لفلسطين بالزحفِ نحوَ فلسطين براً وبحراً، وحصارِ السفاراتِ، وتفعيلِ المقاطعةِ الاقتصادية والسياحية، لكل ما يتعلق بالعدو ومصالِحِه، والعملِ على عزله وملاحقةِ قادتِه وجنودِه ومجرميه في المحافل القانونية. وهذه الدعوة تأكيد جديد بأن العدو الإسرائيلي لا يفهم إلا لغة القوة، ولا جدوى من المفاوضات معه.