خمسة أشهر من حكم الجولاني.. سوريا تسقط في الاستباحة، الحلب، والتطبيع، خمسة أشهر فقط كانت كافية لتحويل سوريا من دولة جريحة إلى أرض مستباحة، يُنتهك فيها كل شيء بلا ثمن، بلا مقاومة، ولا حتى كرامة بيان.
بدأ حكم الجولاني سابقًا، الشرع حاليًا، بعلاقة سورية "إسرائيلية" جديدة، أعلنها كيان العدو بأكبر حملة قصفٍ في تاريخ العدو الإسرائيلي، يقول الجيش "الإسرائيلي".
قرابة 500 غارة استهدفت أكثر من 130 هدفا في سوريا العربية، دمرت فيها قدرات سوريا العسكرية، بشكل شبه كامل، أسرابٌ من الطائرات المروحية، 330 طائرة مقاتلة من طرازي ميج وسوخي، الدفاعات الجوية، وغيرها من المقدرات، بما يقول جيش العدو الإسرائيلي إنه 85% من القدرات الاستراتيجية للجيش السوري.
ظن المتطلعون للحكومة الجديدة أنها سترد على العدوان، فيما ظن الشامتون والمشككون فيها أنها ستكتفي ببيان استنكار فارغ، ملت منه أمة مسلمة تستباح أرضها مرارًا، إلا أن حكومة سوريا الجديدة باغتت الجميع، لا استنكار ولا حتى تجاهل، تصريحات "الشرع" كانت أبلغ من بيان، وأخزى من صمت، أكد فيها:
"إدارة العمليات العسكرية ليست حمل معركة مع إسرائيل"
"لن أسمح باستخدام سوريا كنقطة انطلاق لهجمات ضد إسرائيل"
"لسنا بصدد خوض حرب مع إسرائيل"
هكذا، وبكلمات باردة، أعلن الجولاني بداية عهدٍ جديد من العلاقة السورية "الإسرائيلية ."عهد لا اشتباك فيه ولا حتى قطيعة، يفسح فيه المجال لإسرائيل لتفعل ما تشاء أنى تشاء، في ظلها، توسعت إسرائيل في الجولان، احتلت القنيطرة وأراض من درعا وجبل الشيخ الاستراتيجي، سيطرت على مسطحات مائية و10 أنهار تمثل %30 من ثروة سوريا المائية، أهمها مجرى نهر اليرموك، وسد الوحدة أحد أهم مصادر المياه والكهرباء في سوريا، كل ذلك جاء في إطار تأكيد نتنياهو نفسه أن ما يقوم به احتلال إلى أجل غير مسمى: "في سوريا، ستبقى قوات الجيش "الإسرائيلي" في جبل الشيخ، وفي المنطقة العازلة، لفترة غير محدودة" 23-02-2025.
ورغم الإعلان الفجّ عن الاحتلال المستدام، لم تحرك حكومة دمشق ساكنًا، بل هرولت نحو مزيد من التطمينات، على لسان وزير خارجيتها، في 26 أبريل :
"أعلنا مرارًا أن سوريا لن تمثل تهديدًا لأي دولة، بما في ذلك إسرائيل".
جاء تصريح وزير الخارجية السوري بعد تصريحات عدة للجولاني نفسه وعدد من مسؤولية لتطمين العدو الإسرائيلي، إلا أن كيان العدو لم ترضهِ هذه التصريحات، ورد بمزيدٍ من التوسع، والانتهاك وقصف محيط قصر دمشق الرئاسي مطلع الشهر الجاري.
وعوضًا عن التفكير في استعادة السيادة المنهوبة والأرض المحتلة، لم تشغل الحكومة بالها إلا بترتيب لقاءٍ استرضائي للرئيس الأميركي دونالد ترامب. وكشفت شبكة رويترز عن "الهدايا" التي عرضها الجولاني مقابل لقائه: "بناء برج ترامب في دمشق والوفاق مع إسرائيل ووصول الولايات المتحدة إلى النفط والغاز في سوريا"
نعم، لقاء واحد مقابل كل شيء: السيادة، الثروات، عرضٌ سخي في سوق التنازل العربي، حيث تتزاحم الأنظمة العربية على تقديم ما لا تملك، لمن لا يستحق.
هكذا تتنافس حكومة سرويا الجديدة على الانبطاح في سوق أبقارٍ حلوبٍ، تبيع خيراتها للأمريكي، خيراتٌ لن يرى منها السوري شيئا، القسوة والغلظة ومشاهد القتل المتوحش: حكرٌ على السوريين من العلويين أو المعارضين، أما العدو الإسرائيلي، فله التوسّع والتطبيع، يقابله صمت أو تودد أو تصريح مذلّ.
إنها "إنجازات" خمسة أشهر ونيف من حكومة سوريا الجديدة، فقدت فيها 85% من قدرات جيشها، 30% من ثروتها المائية، أراض شاسعة من جنوبها، قدمت نفطها وغازها للأمريكي، وتسارع في الوقت ذاته للتطبيع كأن لا غدَ إن لم تطبع.
والسؤال، ماذا أبقت الحكومة السورية من "إنجازات" للفترة القادمة؟!