موقع أنصار الله ||مقالات ||بشير ربيع الصانع
في هذا الزمن المتغير، حَيثُ تتسارع الأحداث وتتبدَّل الأولويات، تبقى التربية الإيمانية حجر الأَسَاس الذي لا غنى عنه لبناء الإنسان الواعي، الإنسان الذي يدرك أن حياته ليست مُجَـرّد رحلة شخصية، بل رسالة ومسؤولية في سبيل الله وأمته. الإيمان الحقيقي ليس طقوسًا محفوظة ولا شعائر تُمارس في مواسم محدّدة، بل هو مشروع حياة، يبدأ من داخل القلب وينعكس في السلوك والعمل والموقف.
التربية الإيمانية تجعل الإنسان حي الضمير، يحمل هموم أمته في قلبه، ولا يقف متفرجًا على مشاهد الظلم والجور تتكرّر في أوطاننا وأمام أعيننا. غزة، اليمن، فلسطين، لبنان، سوريا، المستضعفون في كُـلّ مكان... مشاهدهم ليست مُجَـرّد أخبار تُمرر، بل اختبارات حقيقية لمعدن إيماننا، وصدق انتمائنا، ومدى إحساسنا بالمسؤولية.
حين يترسخ الإيمان في النفوس، يصبح الإنسان مستشعرًا لدوره في الحياة، مدركًا أن وجوده ليس للترف الشخصي ولا لتحقيق الطموحات الفردية فحسب، بل هو لبنة في بناء أُمَّـة، وسهم في معركة الحق ضد الباطل. لا يعود الإنسان مشغولًا بذاته، بل مشغولًا بأمته، حاضرًا في قضاياها، مساهمًا في علاج أوجاعها، مساندًا لمظلومها، وواقفًا في وجه الظالمين بكل شجاعة.
في المقابل، حين تغيب التربية الإيمانية عن المجتمعات، يتحول الأفراد إلى جزر معزولة، كُـلّ يبحث عن مصلحته، لا يعنيه ما يجري حوله، يمر أمام مشاهد المآسي وكأنها لا تخصه، ينشغل بتفاصيل يومه بينما يسلب الظالمون الحقوق، ويدوس الطغاة على الكرامة.
الإيمان الحق لا يعرف هذا الجمود، ولا يقبل الحياد في ساحات الحق والباطل. إنه يفرض على صاحبه أن يكون فاعلًا لا متفرجًا، مشاركًا لا متخاذلًا، حاضرًا في كُـلّ موقف يحتاج فيه الحق إلى من ينصره. التربية الإيمانية تعلم الإنسان أن تقاعسه ليس مُجَـرّد تقصير شخصي، بل خيانة للأمانة التي يحملها، وخيانة للأُمَّـة التي تنتظر منه أن يكون جزءًا من مشروع نهضتها.
ليست التربية الإيمانية مسؤولية العلماء وحدهم، بل هي واجب على كُـلّ فرد، في بيته، في مجتمعه، في كُـلّ مكان. إنها تبدأ من كلمة حق، من موقف شجاع، من دعوة صادقة، من دعم بسيط، من مبادرة صغيرة، لكنها مجتمعة تصنع الفرق، وتبني أُمَّـة مؤمنة قادرة على التغيير، لا أُمَّـة غافلة تُقاد من غيرها.
غرس قيم الإيمان في النفوس هو ما يجعلنا أُمَّـة تعرف كيف تواجه الظلم، وتتصدى للمؤامرات، وتحمي كرامتها، وتصنع مستقبلها بيدها. إنه الطريق الذي يجعلنا أُمَّـة لا يُستهان بها، أُمَّـة لها كلمتها وموقفها، أُمَّـة تصنع التاريخ بدلًا عن أن تكون مُجَـرّد متفرج عليه.
فلنعد إلى أنفسنا، ولننظر حولنا، ولنسأل: أين نحن من قضايا أمتنا؟ وما هو دورنا الحقيقي في هذا العالم؟ لنحمل هم الأُمَّــة، ونعمل، ونسهم، ونترك أثرًا... فذلك هو الإيمان الحق، وتلك هي المسؤولية التي خُلقنا لها.