موقع أنصار الله ||مقالات ||عبدالقوي السباعي

عندما تطالع وجوه الناشطين الأحرار بعد أن اعتقلهم العدوّ الإسرائيلي من على متن السفينة "مادلين"، وكأنك تقرأ في ملامحها بيانًا صادحًا جاء في زمن الخوف والتردّد، ليُتلى في زمن الصحوة.

بيانٌ ناريٌّ إلى العالم يقولون فيه: أيها العالم، هل ترى.. هل تسمع؟ هل بلغك صدى مجاديفنا وهي تشقُّ البحر نحو غزة؟

هل رأيت وجوهنا، وهي تُحاصر بزوارق الاحتلال لا بذنبٍ سوى أننا حملنا خبزًا وحليبًا وذرةً من كرامةٍ إنسانية فقدتها الأنظمة العالمية والمنظمات الأممية والهيئات الدولية؟

هل سمعتَ "مادلين"؟ أم أن أمواج الفزع العالية حجبت عنك الصوت؟

لا نحمل بنادق، ولا نرفع أعلام دول، ولا نُجيد فنون المساومة، كُـلُّ ما معنا: وجعُ غزة، وضميرٌ حيٌّ، وصرخة لا تخاف.

صعدنا على ظهر السفينة لا لنكسر الحصار فحسب؛ بل لنكسر حاجز الخوف والصمت الذي خنق القلوب والحناجر لكل شعوب العالم.

جئنا لنوقظ ضمير الإنسان من سباته الطويل.. قلنا: إن "غزة ليست وحدها".. فهل قلتم أنتم: "نحن معكم"؟

اعترضتنا وسائل وأسلحة الاحتلال الإجرامية، صادر سفينتنا والمساعدات، وشوّهنا بلسانه الكذّاب، بوصفنا زورًا بـ "سفينة السلفي"، لكنه لم يستطع أن يصادر يقيننا، ولا أن يسكت أملنا، ولا أن يطفئ جذوة النور في أعيننا.

فيا أيها الذين تبكون خلف الشاشات، أيها الصامتون خجلًا أَو خنوعًا، يا من ظننتم أن لا شيء يُجدي، اعلموا -وحاشانا أن نقول لكم: افعلوا- ما يفعله اليمنيون؛ فهذا الفعل يتطلب يقين قلوب لا تعرف الخوف والهزيمة، وإيمانًا عامرًا بالإنسانية.

اسمعوا: إن كُـلّ محاولةٍ إنسانية -ولو كانت قاربًا خشبيًّا- أعظم من ألف مؤتمر عربي أَو دولي خانع، كُـلّ يدٍ امتدت لغزة، كُـلّ رئةٍ نطقت باسم "الحرية لفلسطين"، كُـلّ خطوةٍ نحو كسر الحصار، هي رصاصة ضوء في وجه ليل الظلم الصهيوني.

وللعدو نقول: أنتم أقوياء ببوارجكم وترساناتكم الأمريكية الغربية، لكننا أقوى منكم بضمائرنا الحيَّة.. حاصرتم غزة، فحاصرنا صورتكم في أعين العالم.. نهبتم "مادلين"، أمَّا نحن أعطينا للناس سفينة كرامة، وعلَّمناهم أن البحر ما يزال يثور وسيظل.

للعالم قولٌ أوحد: تجهلون مكاننا الآن، ولم نعد إلى بلداننا خاسرين، بل بالشهادة على جبنكم، وتخاذلكم حتى ممن يفترض بهم أنهم أقربُ الأشقاء لغزة، وعلى ما تبقّى من إنسانية المعمورة.

سفينتنا وإن صُودرت.. هي تبحرُ في الذاكرة.. والحق مهما طال حصاره، يعرفُ الميناء، وسيصل يومًا ما.