موقع أنصار الله ||مقالات ||سند الصيادي
لا تعلن تصريحات رئيس المجلس السياسي الأعلى في اليمن مهدي المشاط الأخيرة مُجَـرّد تطور عسكري، بل ترسم ملامح استراتيجية متكاملة تدمج بين القوة الذكية والدبلوماسية الحازمة في مواجهة الكيان الصهيوني.
تصريحات كتحذير مباشر للدول ذات السفارات في كيان الاحتلال، تعكس أولًا، تحولًا نوعيًّا في أدوات المواجهة، تقدم التفوق العسكري اليمني كحقيقة قائمة، وَتؤكّـد على أن عمليات اليمن "ستكون مدروسة وفعالة وحيوية" وأن قوات صنعاء تحتفظ بالأفضلية والسيطرة على مسرح المواجهة، والأمر برمته ليس تفاخرًا، بل تأكيدًا لواقع فرضته عمليات الردع الناجحة، إنه إعلان أن القوة اليمنية أصبحت معطى استراتيجيًّا لا يمكن تجاهله.
وثانيًا، يمثل هذا التصريح تحذيرًا استباقيًّا غير مسبوق، فتحويل السفارات الأجنبية في الكيان المحتلّ إلى عنصر في معادلة الردع يمثل خطوة بالغة الذكاء والحسم؛ إذ أن مطالبة حكومة العدوّ "بإبعاد السفارات مسافة كافية" من الأهداف المشروعة للقوات اليمنية، ونصيحة الدول بإخلاء سفاراتها إذَا لم يستجب العدوّ، تمثل ضغط غير مباشر على الكيان لإجباره على الاختيار بين حماية علاقاته الدولية أَو تعريض حلفائه للخطر، إلى جانب كونه مسؤولية قانونية وأخلاقية تنقل صنعاء عبئها من حماية السفارات وأرواح الدبلوماسيين إلى الكيان المحتلّ الذي سيتحملها أن رفض إبعادها.
كما قد يفسر هذا التصريح القوي والذكي بأنه إقامة الحجّـة وتجنب التبعات الدولية المحتملة من خلال إظهار النية المسبقة لتفادي إلحاق الضرر بالسفارات إذَا التزمت بشرط الابتعاد، وبالتالي فَــإنَّ تداعيات هذا التصريح ستمثل بكل وضوح اعتراف ضمني بفعالية الضربات، وكما هو معروف فَــإنَّ التحذير مبني على يقين من قدرة الصواريخ اليمنية على الوصول بدقة لأهدافها داخل الكيان.
وثالثًا، فَــإنَّ فتح قنوات اتصال مباشرة مع وزارات خارجية الدول عبر الخارجية اليمنية في صنعاء للتأكّـد من خلو محيط سفاراتها من أي هدف مشروع، وإعلان استعداد اليمن "لإفادة أي دولة عن وضع سفارتها"، يقدم بديلًا مؤسّسيًّا للتواصل ويرسخ مكانة صنعاء كجهة رسمية على الصعيد المحلي والإقليمي والعالمي، وكقوة قادرة على إدارة ملفات معقدة، ورابعًا فَــإنَّ تلك الشفافية تفضح عجز العدوّ، فالكشف عن مواقع الأهداف العسكرية المشروعة ضمنيًّا هو إظهار لشبكة الاستهداف الدقيقة التي يمتلكها اليمن.
ما حدث ليس مُجَـرّد ضربات عسكرية، بل تأكيدٌ على متانة معادلة الردع اليمنية القائمة على وحدة الجبهات، "يد واحدة للمقاومة، ومعركة واحدة من غزة إلى صنعاء". الكيان الصهيوني بات مجبرًا على مراجعة كُـلّ حساباته، فالجبهة اليمنية فرضت نفسها كخطر وجودي، حَيثُ تواجه "إسرائيل" قوة إيمانية لا تعترف بزمان أَو مكان، وتستطيع الوصول إلى عمق الكيان في أي لحظة.
واليوم لم يعد الردع اليمني حبيس الميدان العسكري فقط، لقد امتد ليشكل أدَاة ضغط سياسية ودبلوماسية فاعلة، اليمن، بقوة صواريخه وبراعة دبلوماسيته، يجبر العالم على التعامل مع حقيقة جديدة، وجود سفاراتكم في الكيان المحتلّ أصبح مرتبطًا بقدرته على حمايتها من ضرباتنا.
معادلة تضع الكيان وحلفاءه في مأزق وجودي إما الاعتراف بسيادة اليمن على خياراته المساندة لغزة وَتحديد أهدافه العسكرية المشروعة في عمق الكيان، أَو مواجهة عزلة دولية متزايدة عندما تبدأ السفارات بالمغادرة خوفًا من أن تصبح ضمن دائرة الردع التي لا هوادة فيها.
وبالإضافة إلى ما سبق، يواجه الكيان اختبارا وجوديًّا أمام قوة يمنية أثبتت أن السماء المحتلّة ليست حكرًا على الطيران الصهيوني، وأن زمن التفوق العسكري المطلق قد ولى، اليمن، بقيادته وجيشه وشعبه، يكتب فصلًا جديدًا في معركة التحرير، حَيثُ لا عودة إلى الوراء، فالردع اليمني قد تجاوز ميدان المعركة، ليفرض واقعًا إقليميًّا واستراتيجيًّا جديدًا يهدّد وجود كيان العدوّ الصهيوني واستمراره، بفضل ما يمتلكه اليمن من قدرات عسكرية متطورة تحرم العدوّ من قوته الجوية والبحرية وكل مناوراته.