موقع أنصار الله ||مقالات ||عبدالحكيم عامر
في خضم الأحداث المتسارعة على الساحة الإقليمية، برزت اليمن بقوة كلاعب محوري في معادلة المواجهة مع الكيان الصهيوني، خاصة معركة غزة المتواصلة، ولم يكن تحرك اليمن بهذا الزخم السياسي والعسكري والأخلاقي من فراغ، بل يستند إلى جذور ثقافية وإيمانية عميقة، ومن أبرزها يتجلى الإيمان بيوم الولاية، حيث تحولت إلى مصدر إلهام ومرجعية ثورية في مواجهة قوى الاستكبار والعدوان.
يُحيي اليمنيون في الثامن عشر من ذي الحجة من كل عام ذكرى يوم الولاية، يوم ولى الرسول صلوات الله عليه وآله الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام كوليّ للمؤمنين في غدير خم، وهي المناسبة التي تشكّل محورًا إيمانياً في هوية الشعب اليمني الإيمانية، وترتبط بمفهوم القيادة الربانية، والولاء للمظلومين، والبراءة من الظالمين.
في الواقع، هذه الذكرى غدت معلمًا ثوريًا يُرسّخ في الوجدان الجمعي مفهوم الانحياز الحتمي إلى قضايا الأمة، وفي طليعتها قضية فلسطين، ومن هذه الزاوية، يمكن فهم الحضور اليمني القوي في معركة غزة، باعتباره امتدادًا لولاء إيماني يفرض موقفًا عمليًا في مواجهة الطغيان الصهيوني الأمريكي.
وتتجلى الروح الثورية لمناسبة الولاية في كونها تُعيد رسم معايير الولاء والعداء وفق منطلق قرآني واضح: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا}، هذا التحديد الإلهي للولاية، والذي يُحييه اليمنيون بإجلال وتفاعل واسع، يُترجم عمليًا في سلوكهم السياسي والجهادي ووعيهم الجمعي، خاصة عندما يتعلق الأمر بالعدو الإسرائيلي وحاميتها أمريكا.
وحين أعلن اليمن بقيادة أنصار الله قراره التاريخي في حظر الملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر وباب المندب، لم يكن ذلك قرارًا سياسيًا فحسب، بل كان ثمرة نضوج عقائدي ومبدئي تربّى عليه الشعب اليمني في أحضان مشروع قرآني يُربّي على الولاء الحق، ويزرع في النفوس بُغض الظالم ورفض الهيمنة والاستكبار.
لقد مثّلت غزة في الوعي اليمني "كربلاء العصر"، وامتدادًا للمعركة بين الحق والباطل، ومثلما وقف اليمن عبر تاريخه مع المظلومين، فإن وقوفه اليوم مع فلسطين انما هو تعبيرًا حيًا عن أثر الولاية في تشكيل الموقف والمصير.
وبينما يقف كثير من الأنظمة العربية صامتين تجاه المجازر الإسرائيلية في غزة، أو في صف الأعداء، يقف اليمن وحده، بهويته الإيمانية، في خط المواجهة، فمع كل مظاهرة تملا الساحات اليمنية نصرة لغزة، وكل مُسيرة صاروخ يمني ينطلق على العدو نصرة لغزة، يتجلى أن ولاية الإمام علي عليه السلام مشروع تحرري ممتد، بدأ من غدير خم، ويمرّ بغزة، ويهدف إلى تحرير القدس.
إنّ مناسبة يوم الولاية في اليمن تعد ذكرى دينية تُحيى بالخُطب والوعي، حيث أصبحت موسمًا سنويًا لتجديد العهد مع القيم القرآنية الكبرى: الولاء، والبراءة، ونصرة المستضعفين، والجهاد والمقاومة، فمن رحم مبدا الولاية والاقتداء بالإمام علي علية السلام، خرج القرار اليمني القوي في إسناد ودعم غزة، وامتلك الشعب الجبّار هذه الروحية المتفردة في مواجهة أعتى طغاة العصر.
فالولاية ليست عنوان طائفي كما يروجها المنافقون، بل هي هوية أمة، ومشروعًا تحرريًا جامعًا، ومفتاحًا لفهم سرّ هذا الشعب الذي قرّر أن يكون حيث يجب أن يكون في صف المستضعفين، وبوجه المستكبرين المتمثل في أمريكا وإسرائيل عملائهم.