موقع أنصار الله ||مقالات ||أصيل علي البجلي
يُطِلُّ علينا يوم الثامن عشر من ذي الحجّـة، يوم "غدير خم"، حاملًا معه نداءً إلهيًّا متجددًا يتردّد صداه في وجدان الأُمَّــة: "الولاية".
يومٌ ليس مُجَـرّد ذكرى عابرة، بل هو مفصلٌ تاريخيٌّ يضع حدًّا فاصلًا بين مسارَينِ؛ مسار العزة والتمكين، ومسار الذلة والانحراف.
في خضم التحديات الراهنة التي تعصف بأمتنا، يُصبح فهم "الولاية" والتمسك بها ضرورةً وجوديةً لا رفاهية فكرية، وواجبًا يمليه علينا واقعنا المعاش وتاريخنا المثقل بالدروس.
إن خطاب الولاية، كما تجلى في واقعة الغدير الخالدة، هو إعلان ربانيٌ عن مشروعٍ إلهيٍ متكامل لقيادة الأُمَّــة بعد خاتم الأنبياء والمرسلين. لم تكن المسألة مُجَـرّد تفضيلٍ شخصي من النبي الأكرم، بل هي ترسيخٌ لمنهجٍ إلهيٍ قويم، يقوده من اصطفاهم الله لتثبيت أركان الدين وصيانة قيمه السامية من التشويه والتحريف. في زمننا هذا، حَيثُ تتكالب قوى الاستكبار العالمي على الأُمَّــة من كُـلّ حدبٍ وصوب، وتسعى لفرض هيمنتها الفكرية والسياسية والاقتصادية، تتجلى حكمة هذا الاختيار الإلهي وضرورته القصوى، فهو الملاذ الآمن من براثن التبعية والضياع.
لقد عايشنا في اليمن، شعب الإيمان والحكمة، مرارة غياب الولاية الحقة، وشهدنا كيف أَدَّت التبعية لغير الله إلى استباحة السيادة الوطنية، وتفكيك النسيج الاجتماعي، ونشر الفتن الطائفية والعرقية التي كادت تودي بوجودنا. رأينا بأعيننا كيف استُغل الفراغ القيادي ليُزرع الدمار والشقاق. وحينما عُدنا إلى هذا المنهج الرباني الأصيل، ورفعنا راية العزة والتحرّر، مستلهمين من سيرة الأئمة الأطهار مبادئ الصمود والتضحية، وجدنا فيه الملاذ الآمن من عواصف الفتنة والمؤامرات الخبيثة. إن صمودنا الأُسطوري في وجه العدوان الغاشم، وتحدينا للحصار الجائر، ليس إلا ثمرةً من ثمار التمسك بولاية الله وقيادته الربانية المتمثلة في أحفاد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
يوم الولاية، إذَن، هو تجديدٌ للعهد بأننا لن نرضخ للوصاية الأجنبية، ولن نُساوم على كرامتنا وعزتنا وسيادتنا. إنه تأكيدٌ قاطعٌ على أن نهجنا هو منهج الصمود والمواجهة للظلم والطغيان والاستكبار، واستلهام عميقٌ لسيرة الإمام عليٍ عليه السلام الذي كان عنوانًا للعدل المطلق، والبسالة النادرة، والعلم الرباني. في هذا اليوم العظيم، نُعلي صوت الحق عاليًا، ونُثبت للعالم أجمع أننا أُمَّـة حيةٌ لا تركع إلا لله الواحد القهار، وأن بوصلتنا لا تُشير إلا إلى قبلة العزة والكرامة والتحرّر من كُـلّ قيدٍ سوى قيد العبودية لله. إنها دعوةٌ لتوحيد الصفوف تحت راية الحق، ولمواجهة التحديات بروحٍ واحدةٍ وإيمانٍ راسخٍ بالنصر.