موقع أنصار الله ||مقالات ||شاهر أحمد عمير

في مشهد يثير الغثيان ويكشف عمق الانحطاط الذي وصلت إليه بعض الأقلام والأبواق المأجورة، رأينا المرتزِقة والمطبعين يتسابقون في التعبير عن فرحتهم بقصف الكيان الصهيوني للجمهورية الإسلامية الإيرانية. وكأن الاحتلال بات جيشًا "محرِّرًا"، وكأن طهران، التي قدمت الدعم والسلاح للمقاومة الفلسطينية واللبنانية واليمنية، أصبحت في نظرهم "العدوّ الأخطر"! وهذا بحد ذاته يعكس أزمة قيم، واختلالًا خطيرًا في ميزان العداء والولاء.

هذه الشماتة الرخيصة ليست مُجَـرّد رد فعل عابر، بل هي نتيجة طبيعية لمسار طويل من الانحطاط السياسي والأخلاقي، بدأ مع أول خطوة في درب التطبيع، وتفاقم مع التبعية الكاملة للمشروع الصهيوني والأمريكي. هؤلاء لا يرون في الكيان الصهيوني غاصبًا لفلسطين، بل يرونه "حليفًا استراتيجيًا" ضد ما يسمونه "المد الإيراني"، وكأن فلسطين لم تعد تعني لهم شيئًا، وكأن كُـلّ جرائم الاحتلال في غزة وجنين والقدس باتت في طيّ النسيان.

المرتزِقة هم أُولئك الذين باعوا أقلامهم وضمائرهم، وأصبحوا يبرّرون العدوان، ويشيطنون كُـلّ من يرفع صوته ضد الاحتلال، بل ويتفننون في تسويق روايات العدوّ، تارةً باسم الواقعية السياسية، وتارةً باسم الخوف من "الخطر الفارسي". أما المطبعون، فهم من فتحوا أبوابهم وأراضيهم للغزاة، ووضعوا أيديهم في يد من قتل الأطفال في غزة واغتال القادة في بيروت وطهران ودمشق وصنعاء.

اليوم، حين يقصف الاحتلال الإسرائيلي منشآت في إيران، لا يتوقف هؤلاء ليسألوا أنفسهم: من المستفيد؟ من يربح من إضعاف أي طرف يساند قضايا الأُمَّــة؟ بل على العكس، نجدهم في مقدمة الصفوف يشمتون ويهلّلون، في انكشاف تام لأدوارهم الوظيفية كأدوات تخدم أعداء الأُمَّــة، وتعمل لتمزيق صفها الداخلي.

الفرح بقصف إيران ليس إلا شماتة في كُـلّ مقاومة، وخوفًا من مشروع يهدّد مصالح الاحتلال. إنهم لا يكرهون إيران؛ لأَنَّها "تتدخل" في الدول العربية كما يزعمون؛ بل لأَنَّ إيران تمثِّلُ موقفًا مبدئيًّا داعمًا للمقاومة في فلسطين ولبنان واليمن، وهو ما لا يتماشى مع رغبات الغرب وأذنابه في المنطقة.

ومن المثير للشفقة أن نسمعَ من بعضِهم شعارات "الحياد"، بينما يقفون عمليًّا في صَفِّ العدوّ. فأي حياد هذا الذي يصمت عن جرائم الاحتلال، ويشمت بمن يدعمه ضحايا الاحتلال؟ الحياد لا يعني أن تساوي بين الجلاد والضحية، ولا أن تفرح عندما تُقصف دولة؛ لأَنَّها لا تخضع للهيمنة الغربية.

الصراع اليوم ليس بين دول بقدر ما هو بين مشروعين: مشروع مقاومة قائم على الكرامة والسيادة والدين الإسلامي، ومشروع خيانة قائم على التبعية والعمالة. والمطبِّعون والمرتزِقة اختاروا الاصطفاف مع العدوّ، ورضوا لأنفسهم أن يكونوا أدوات بيد قاتل الأُمَّــة.

وستكتب الشعوب الحرة في سجل التاريخ أن من شمتوا يوم قُصفت إيران، كانوا في صف القاتل، لا صف القضية. وسيدرك أبناء الأُمَّــة أن المعركة ليست جغرافية، بل معركة هوية، وكرامة، وموقف.