سقطت الأقنعة، وتكشّفت الوجوهُ المزيّفة، وبان العفن المتكدّس تحت عروش الزيف العربي؛ فما عاد هناك شكّ أن أكثر "الأنظمة" ليست سوى عبء على الأُمَّــة، سكين في خاصرة فلسطين، وخنجر صدئ في ظهر غزة.

بينما يُذبح أطفال غزة على موائد الصمت، وتُسحق النساء تحت ركام البيوت، وتُدفن الإنسانية تحت أنقاض الكذب الأممي، ينبثق من جبال اليمن رجالٌ... لا يملكون طائرات F16، ولا قواعد أمريكية، ولا يخضعون لغرف عمليات "العار"، بل يملكون إيمانًا لا يُقهر، وبصيرةً لا تُشترى، وقرارًا لا يُكسر.

غزة اليوم لا تواجه آلة حرب فقط، بل تعيش مجاعةً كبرى لم يشهد مثلها العصر الحديث.

أطفال يموتون من الجوع والعطش، لا يجدون حليبًا، ولا دواءً، ولا شربة ماء.

أُمهات يدفنّ أبناءهن بأيديهن، ولا يسمع العالم صراخهن.

والأنظمة العربية صامتة، متخاذلة، جبانة، تقايض دماء غزة بمصالحها الزائلة وصفقات بقائها.

أين الضمير العربي؟

أين من يرفعون رايات "الحقوق والكرامة"؟

أين أُولئك الذين تكدّست ترساناتهم وبقيت صامتة خوفًا من الأمريكي، وتحت أقدام الصهيوني؟

أما اليمن، فبرغم جراحه، وحصاره، ووجعه الداخلي، لم يتخلّ، ولم يصمت، ولم يساوم.

اليمن انتصر لا بقوة العتاد، بل بقوة الإيمان،

اليمن تحَرّك لا بإملاءات الخارج، بل بتوكله على الله واعتماده على قيادة ربانية عظيمة صادقة، قيادة استمدّت قرارها من القرآن، ومنهجها من كربلاء، وثباتها من وعد الله لعباده المخلصين.

اليوم، لم تعد البيانات تُسمن ولا تُغني، ولم تعد شاشات الشجب واللطم الإعلامي سوى مسارح لضحك الأعداء. أما أنصار الله، فكتبوا بيانهم بالنار، وخطّوا موقفهم بالصواريخ، وزرعوا خوفهم في عمق الكيان، ليقولوا للعالم أجمع:

"هنا اليمن... وهنا رجالٌ لا يساومون، بل يتوكلون على الله ويقاتلون تحت راية الحق".

سفن العدوّ تغرق، ومطاراته تحترق، وذعره يتصاعد... لا؛ لأَنَّ اليمن يملك ترسانة عسكرية كبرى، بل؛ لأَنَّه يملك قضية لا تتبدد، ودمًا لا يخون، وإرادَة من نور الله لا تُهزم.

أين أنتم يا أصحاب الجيوش الجرارة؟

أين أنتم يا من تفاخرتُم بطائراتكم وبوارجكم وقصوركم ومؤتمراتكم؟

أيّ عار أعظم من أن يغدو طفل يمني جائع أكثر كرامة من ملوك النفط والبذخ؟

أي خزيٍ هذا الذي يجعل أُمَّـة من مليار مسلم تكتفي بالوسوم وتنتظر الضوء الأخضر من جلادها للتحَرّك؟

إن ما يحدث في غزة اليوم ليس اختبارا للعدو، بل هو اختبار لنا.. لكل قلب حي، لكل ضمير لم يتعفن، لكل إنسان لا زال في صدره ذرة إيمان.

فلسطين لا تحتاج دموعكم، بل تحتاج صواريخكم.

غزة لا تنادي وجوه الإعلام، بل تنادي صوت السلاح.

والتاريخ لا يحفظُ المتفرجين، بل يكتُبُ أسماءَ المقاتلين بحروفٍ من نار وذهب.

وإن كنتم قد نسيتم، فاعلموا أن ما يُرتكَبُ في فلسطين ليس معركة حدود، بل معركة وجود. ومن لم يكن فيها في صف المقاومة، فهو لا محالة في صف الطغيان.

أنصار الله اليوم ليسوا مُجَـرّد "يمنيين"، إنهم ضميرُ الأُمَّــة الباقي، نبضُ الكرامة الصادح، الجدار الذي رفض أن ينكسر. فلتتعلموا من اليمن لا كيف تطلقون الصواريخ، بل كيف تحملون القضيةَ في القلوب وتدافعون عنها بالأفعال لا الشعارات.

يا غزة... إن سكت العالم عنك، فاعلمي أن في صنعاء قلوبًا لا تنام، وأن في اليمن رجالًا تربّوا على هدى القرآن، ونهلوا من نهر الولاية، وارتبطوا بقيادة إلهية جعلت توكلهم على الله لا على أمريكا.

والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.