ليس مُجَـرّد صاروخٍ عبر البحر. ليس مُجَـرّد سفينةٍ غارقة، ولا اسم يُضاف إلى قائمة الاستهداف. ما جرى اليوم بإغراق السفينة الثانية "إتيرنتي سي" خلال أسبوع واحد ليس عملًا عسكريًّا عاديًّا، بل هو صوت الأُمَّــة وهي تنهض، هو النبض اليمني الصاعد من ركام الحصار ليرتفع عاليًا فوق أمواج البحر، معلنًا أن الردع أصبح في يد من صدقوا ما عاهدوا الله عليه.
اليمن لا يرسل رسائل رمزية، ولا يطلق صرخات احتجاجية. اليمن اليوم يكتب بلغة الحديد والنار، بلغة الوعد الصادق، بلغة من لا يقاتل لمُجَـرّد القتال، بل من يحمل في قلبه آيات النصر، ويصوغ بدمه وعد الله للمستضعفين. إنّ إغراق السفينة "إتيرنتي سي" ليس مُجَـرّد عملية بحرية فقط، بل هو إزاحة لستار الوهم الذي ظل العدوّ يتخفى خلفه لعقود.
هذه السفينة، التي خالفت قرار الحظر، لم تكن هدفًا في حَــدّ ذاتها، بل كانت عنوانًا لمرحلة جديدة، مرحلة لا تنفع معها لغة التهديد، ولا تؤثر فيها صرخات الغرب. تمّ توجيه الضربة بالصوت والصورة، ليُقال للعالم: لسنا بحاجة إلى شهود، نحن نصنع البرهان.
لم تكن "إتيرنتي سي" وحدها في مرمى الصواريخ، بل كانت معها كُـلّ سفينة تراهن على أن اليمن لا يجرؤ، أَو أنه قد تردّد، أَو أن الحسابات السياسية ستعطّل ضربات الحق. لكن حسابات اليمن ليست كحساباتهم، فهنا يقاتل قوم لا يرتجون مديحًا ولا يخشون لائمة، قوم يرون في نصرة غزة طريقًا إلى الجنة، وفي الدفاع عن الأُمَّــة فرضًا لا يسقط.
هنا لا تُطلق الطائرات المسيّرة لإثبات الوجود، بل لتغيير المعادلات. وهنا لا يُستخدم الصاروخ لاستعراض القوة، بل لوضع النقاط على حروف المرحلة.
لقد كان استهداف السفينة السابقة "ماجيك سيز" أما اليوم، فاليمنيون أعلنوا الانتقال إلى مربع الغرق. من يخترق الحظر.. لا يعود. إنها قاعدة صارمة تُعلنها صنعاء من عمق بحرها إلى عمق البحر المتوسط، مُرورًا بكل موانئ الكيان المؤقت.
إن بثّ مشاهد استهداف السفينة بالصوت والصورة لم يكن استعراضا، بل توثيقًا لمعادلة الردع التي ترتكز على الشفافية الحربية، واليقين بأن صوت اليمن لم يعد يُحجب، ولا تُنكر بصمته، ولا تُخفى دقته، ولا يُستهان بعزيمته.
هل يدرك العدوّ ماذا يعني أن يصبح البحر تحت نيران اليمن؟
هل يدرك أن الموانئ التي كانت تنعم بالأمان الزائف، باتت اليوم على كف صاروخ؟
وهل يُدرك العالم أن اليمن لم يطلب يومًا وساطة، لأنه يعلم أن الله هو ناصره وكفى؟
نحن أمام عقلية عسكرية لا تشبه أحدًا.
لا تتصرف برد الفعل، بل تصنع الفعل ذاته.
لا تسعى للحرب، بل تفرض على الحرب أن تحترمها.
لا تبيع نصرها في الأسواق، بل تكتبه في القلوب، وتغرسه في ضمير الأُمَّــة.
"إتيرنتي سي" ليست نهاية، بل بداية.
بداية مرحلة يُصبح فيها البحر اليمني محرابًا للكرامة، ومحرقة لكل من خان فلسطين، وباع قضايا الأُمَّــة، وساهم في حصار غزة.
لقد دخلنا عهدًا جديدًا، عهدًا تكتبه اليمن لا بالحبر، بل بالنار والإيمان.
ومن لا يفهم لغة البحر حين يغضب، فليقرأ المشهد كما هو:
اليمن قادم، لا يساوم ولا يضعف ولا يتراجع.