"البصيرةَ البصيرةَ، ثم الجهاد".. لم يكن هذا الشعار عند الإمام زيد (عليه السلام) مُجَـرّد ترتيبٍ للفضائل، بل قانونَ تحَرّك، ومفتاحَ وعيٍ، وصراطَ نجاةٍ في زمنِ التيه.

واليوم، حين اشتدّت المعركة وتشابكت الغايات في البحر الأحمر، أصبحت البصيرة هي البحر ذاته، وصار فهمُ مياهه، وتحليل تحالفاته، وكشفُ باطله، هو الجهاد الأول، ومن لم يُبصرْ البحر، ضلّ في البرّ، وسقط في فخّ الهيمنة باسم الحياد.

إنها لحظة يتقدّم فيها الوعي على السلاح، وتُختبر فيها القلوب قبل البنادق، ويعلو فيها صوتُ الإمام زيد في خطابِ السيد القائد، ليرشد اليمنَ إلى أن لا جهادَ بغير بصيرة، ولا بصيرةَ إن لم تُفكِّك سُفن الغزاة.

 

من صرخة الإمام زيد إلى صمود السيد عبدالملك: البصيرةُ لا تموت

في خضمّ أمواج البحر الأحمر المتلاطمة، وتحت ظِلالِ استقطاب دوليٍّ محموم، حَيثُ تختلطُ مصالح القوى وتتشابكُ خرائط الأطماع، ينهضُ من أعماق التاريخ نورُ البصيرة الزيدية، ويعلو صوتُ الإمام زيد بن علي (عليه السلام)، حفيد سيد الشهداء الحسين بن علي، شاهقًا في وجهِ الظلم، صارخًا في وجه الذلّ:

"من أحبّ الحياة عاش ذليلًا".

وما بين زفرات الكوفةِ وصيحات صنعاء، وما بين دماء كربلاء وبوارج العدوان، تتجلى وحدة البصيرة، وحدة الدم، وحدة الموقف؛ فكما كان الإمام زيد سيفًا مُجَـرّدًا في وجه الطغيان الأموي، فَــإنَّ حفيد الحسن، السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي (يحفظه الله)، يقف اليوم قائدًا لبصيرةٍ لا تعرفُ الخنوع، رافعًا راية العزة، صارخًا:

 "هيهات منا الذلة".

 

 الإمام زيد.. حين صارت البصيرة سلاحًا، والشهادة مشروعًا:

ما كان الإمام زيد خارجًا يطلبُ الموت، بل كان سائرًا نحو الحياة الحقيقية، تلك الحياة التي لا تُشرى بذلّ، ولا تُباعُ بسياسة مساومة.

ثورته لم تكن انفعالًا لحظيًّا، بل كانت ثمرة وعيٍ قرآنيّ، وبصيرةٍ نبوية، ورفضٍ تامٍّ للسكوت عن الحق.

قالها الإمام زيد بوضوح:

 "الساكت عن الحق شيطان أخرس".

وقالها السيد القائد:

"الصمتُ عن جرائم أمريكا وَ(إسرائيل) خيانة، والموقفُ مسؤوليةٌ إيمانية".

وهكذا، صارت بصيرة زيد قانونًا سرمديًّا في مواجهة الطغيان، وكل من يحمل هذا الوعي، إنما هو وريثٌ حقيقيٌّ للثورة.

 

البحر الأحمر.. حين يصبح ميدانًا للبصيرة ومحرابًا للعزة:

لم يعد البحر الأحمر مُجَـرّد ممرٍّ مائيٍّ استراتيجيٍّ، بل تحوّل إلى ساحة صراعٍ بين الحق والهيمنة، بين السيادة والوصاية، بين مشروع العزة ومحور الذل.

وفي قلب هذه المعركة، ينبضُ الوعي الزيدي في الجغرافيا اليمنية.

كما عرف الإمام زيد طبيعة عدوه، وفَضحَ بني أمية، تفضح اليوم البصيرة اليمنية زيف التحالفات الدولية التي تتخفّى خلف شعارات الملاحة، بينما تحمل في جوفها مشروع حماية الكيان الصهيوني.

كما خرج الإمام زيد ليرفع الظلم عن المستضعفين، تتحَرّك صنعاء اليوم لنصرة غزة، لتربط بين البحر والدم، بين فلسطين والسيادة، بين الجهاد والموقف.

إن العمليات اليمنية في البحر الأحمر ليست اندفاعًا غاضبًا، بل تحَرّك واعٍ مؤسّس على البصيرة الزيدية التي لا ترى الانكفاء حِكمة، ولا السكوت حكمة، بل ترى في الحركة رسالةً، وفي الموقف عبادةً، وفي الصمود سبيلًا لرفع راية الأُمَّــة من البحر إلى القدس.

 

 صرخة اليمن: البحر الأحمر لا يُباع

اليمن لا يَمنع مرور السفن عبثًا، بل يمنع مرور الخنوع والوصاية.

يمن لا يعادي التجارة، لكنه يعادي أن يُستَخدَم البحر لصالح الكيان الغاصب.

يمن يكتب سيادته بالمواقف لا بالكلمات، ويرفع علمه من أعماق البحر لا من شعارات المؤتمرات.

وها هو اليمن، في زمن السيد القائد، يحول البحر إلى منبر، والصاروخ إلى حبر، والقرار إلى شرف، معلنًا أن البحر الأحمر ليس ممرًّا للتطبيع، بل شريانٌ نابض بالممانعة، وامتداد لدماء الشهداء من زيد إلى صالح الصماد.

 

الختام: البصيرة لا تموت

إنّ ما يُلهِمنا اليوم في البحر الأحمر ليس السلاح وحده، بل الوعي الذي خطّه الإمام زيد عليه السلام، والبصيرة التي يحملها السيد عبدالملك يحفظه الله.

من زيدٍ الذي قال: "ما كرهت شيئًا كحبي للموت في سبيل الله".

إلى قائدٍ قال: "الموت في سبيل الله هو الحياة الكريمة".

نحن أمام امتداد تاريخيٍّ وفكريٍّ وميدانيّ، لا ينكسر، لا يتعب، لا ينسى أن البحر كان دومًا شاهدًا على الكرامة.

فلتهدر السفن ما شاءت.

ولتصمت الأمم المتحدة ما أرادت.

فَــإنَّ في اليمن صوتًا لا يسكت، وبصيرةً لا تنطفئ، وشعبًا لا يركع.

"من أحبّ الحياة عاش ذليلًا"

"هيهات منا الذلة"

"كتابُ الله لا يدعنا أن نسكت".