في قلب غزّة، اليوم تُطبق صور المجاعة بأبشع ما يكون، تحت مرأى ومسمع ملياري مسلمٍ يتباهون بأمجادهم، بينما اليوم يُسحقون أمام أول إمتحان حقيقي للضمير.

غزّة اليوم بطنٌ فارغٌ وطفلٌ يرتجف على سرير مستشفى بلا دواء، وأمٌ تحدّق في كل شي علّها تجد فيه ما يسدُّ رمق صغيرها، كل هذا يجري بينما يُشعل حكّام الأنظمة العربية والإسلامية قصورهم بمليارات النفط، ويعدّون صفقات التجارة، ويشدّون الحراسة على حدودٍ لا تمرّ منها سوى قوافل الخذلان.

اليوم يُقتلون ابناء غزة جوعًا، فلا صوت ولا صورة ولا أثرٌ مباشر، لهذا فإن جريمة التجويع التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي في غزة أخطر من كل الحروب المعلنة.

إن التجوع سلاحٌ مدروسٌ تُحكم قبضته على أكثر من مليوني إنسان، يُمنَع الغذاء، ويُمنَع الدواء، وتُغلَق المعابر، ويُصادَر الأمل نفسه، حتى تصبح اللقمةُ أثمنَ من أيِّ شعارٍ أو بيان.

العدو معروف، لكن ما يفضح الجميع اليوم هو هذا الصمت الملياري الذي يحاصر غزة من الخارج كما تحاصرها الدبابات من الداخل، سؤال يطاردنا جميعًا: ما قيمة الجيوش العربية التي تُعدّ بالملايين إن كان لا يستطيعون أن يُؤمّنون شاحنةَ طحينٍ لأبناء غزة؟!

أي خزيٍ هذا الذي يجعل مليارًا ونصف مسلم يشهدون بأم أعينهم كيف تسقط غزة جوعًا ولا يحرّكون إلا ألسنتهم في بيانات جوفاء؟ أي دينٍ أجوف هذا الذي يُعلَّق في صلوات ولا تُترجم إلى ما وقف صارمة أمام جريمة إنسانيةٍ مكتملة الأركان؟

فمنذ أن تحولت غزة إلى ساحة حصار وإبادة جماعية، لم يتجاوز الموقف العربي الرسمي حدود الكلمات والبيانات المكررة، لا جسر إغاثي حقيقي، ولا ضغط فعلي على العدو الإسرائيلي، ولا حتى حراك شعبي مُنظَّم قادر على أن يحرج العروش الصامتة، والأدهى أن بعض الأنظمة اختارت أن تتحول إلى بوابة خلفية للعدو، تُسهِّل التصفية وتكبل المقاومة وتُجرِّم الغضب.

ما يجري اليوم في غزة اليوم لن يغتسل بالتجاهل ولا تُزيله بيانات الشجب، سيسجّله التاريخ كوصمة عارٍ على جبين أمةٍ تملك الثروات ولا تملك قرارها، إن الذين يتفرّجون على مجاعة غزة اليوم، شركاء في الجريمة وإن لم يطلقوا رصاصةً واحدة.

كل لحظة تأخير في فكِّ هذا الحصار خيانةٌ للدين والإنسانية والضمير، كل رغيف خبزٍ يُمنَع عن غزة هو إعلان إفلاس أخلاقي للمنطقة كلّها، وكلّ من يصمت عن هذا التجوع، إنما يمنح القاتل ضوءًا أخضر ليواصل جريمته.

ليس المطلوب اليوم معجزات، بل إرادة قوية، وليس المطلوب شعارات وتنديدات، بل فتح معابر وكسر حصار، ليس المطلوب تغريدات رسمية جوفاء، بل سياسات وتحركات حقيقية تقول للعالم إن دماء غزة ليست رخيصة، وما لم يحدث ذلك، سيظل أبناء غزة يرفعون بأجسادهم الواهنة مرآةً في وجه الجميع، مرآةً تقول للعالم: هذه وصمة عار على جبينكم، فاحملوها إن شئتم، أو كُسِروا قيدها إن بقي فيكم شرف ودم.

غزة اليوم باتت فضيحة إنسانية تموت جوعاً، بين صمتٍ عربيٍ رسميٍ مريب، وخذلانٍ دوليٍ مشين، تبقى وصمة العار معلقةً في أعناقٍ كثيرة، والأمل إن بقي في شعوبٍ لم تبرُد دماؤها بعد، وفي أصواتٍ تُذكّر بأن جوع أبناء غزة لن يغفر لأحدٍ ما لم يتحرك ليمنع هذا الموت البطيء.

يا أمة المليار مسلم.. غزة تختنق! فلا تكونوا شهود زورٍ على موتها البطيء.