أصبحت سوريا بعدَ سطو الجولاني ومجموعاته الإرهابية على سلطتها منزوعةَ السلاح، ولم تعد تشكِّلُ أيَّ خطر على الكيان الصهيوني، بل إن سطو الجولاني ومجموعاته الإرهابية على السلطة، بمساعدة قوى خارجية، أصبح يشكّل خطرًا محدقًا على الدولة السورية ذاتها، فـ الجولاني، بوصفه صنيعةَ القوى الاستعمارية الصهيوغربية، يؤدِّي دورًا مرسومًا له سلفًا -سواء أدرك هذا الدور أم لم يدركه- فهو في كُـلّ الأحوال مسيّر لا مخيّر.

وبمقارنة بسيطة بين سطوِ الجولاني ومجموعاته الإرهابية على السلطة في سوريا، وبين سيطرة الثوار على السلطة في اليمن، يتكشَّفُ– وبشكل واضح لا لَبس فيه ولا غموض – أن مهمة الجولاني خدميةٌ وظيفية لصالح القوى الاستعمارية الصهيوغربية المشغّلة له ولمجموعاته الإرهابية.

وأول تلك المهام الوظيفية: تدمير المقومات الدفاعية للدولة السورية؛ فلقد شاهد العالم بأسره الهجمات الصهيوأمريكية على كُـلّ مقدرات الجيش السوري الجوية والبرية والبحرية.

وشاهد العالم أَيْـضًا أن الجولاني لم يُحرّك ساكنًا، وكأن ما يتم تدميره ممتلكات خَاصَّة لبشار الأسد، وحتى وإن كان الأمر كذلك، فهي ممتلكات تخدم الشعب السوري؛ باعتبَار أن بشار الأسد قد ولّى هاربًا وإلى غير رجعة، وكان الأصل – وفقًا للمجرى الطبيعي للأمور – أن يُبادر الوافدون الجدد على السلطة للدفاع عن تلك الممتلكات، بوصفها تمثّل مقومات وبُنى أَسَاسية للدولة السورية في ظل حكمهم؛ لكن لأَنَّ هؤلاء الوافدين مهمتهم وظيفية، لم يتحَرّكوا ولم يُحرّكوا ساكنًا لمواجهة العدوان الصهيوأمريكي.

وتكتملُ المقارنة، وتتضح الصورة إذَا ما رجعنا بالذاكرة إلى ما قبل عقد من الزمان، حين سيطر الثوار من أبناء الشعب اليمني على مؤسّسات الدولة في العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات، حينها، وفي السادس والعشرين من مارس سنة 2015م، أعلنت حرب عدوانية على الشعب اليمني من عاصمة الإجرام العالمي، واشنطن، وبواجهة عربية وزعامة سعوديّة لتحالف عدواني دولي أعلن منذ الوهلة الأولى أن أهدافه تتمثل في إسناد ما سموه بالسلطة الشرعية لاستعادة الحكم في اليمن، والقضاء على من سمَّوهم بقادة الانقلاب، وتدمير مقدرات الجيش اليمني التي تمّت السيطرة عليها من جانب "الانقلابيين"!

وما جرى الحديث عنه ضمن أهداف تحالف العدوان من تدمير لمقدرات الجيش اليمني، كان قد تم تدميره فعليًّا خلال العقود الماضية، وعمليات التدمير موثّقة، ويتم عرضها بين الحين والآخر عبر وسائل الإعلام الوطنية. وما تبقّى من معدات عسكرية لم تكن تُشكّل أي خطر في مواجهة القوى الخارجية، وكان بإمْكَان هذه القوى تدميرها كما دمّـرت غيرها من الأسلحة، خُصُوصًا المنظومات الدفاعية، وتعطيل المنظومات الصاروخية الهجومية، لكن القوى الخارجية الإجرامية استبقت بعض المعدات العسكرية لاستخدامها في مخطّط التدمير الذاتي لليمن، من خلال ما ستؤول إليه الأوضاع من اقتتال بيني تُستخدم فيه هذه المعدات خدمةً لأهداف القوى الإجرامية الخارجية.

وهذا السيناريو كان ضمن حسابات قيادة الثورة والثوار، وتم إفشاله فعلًا، فلجأت القوى الإجرامية الخارجية إلى التدخل المباشر، من خلال إعلان الحرب العدوانية. وفي حالة اليمن، كان سيناريو التدمير الذاتي سابقًا على سيناريو التدمير الخارجي، عكس ما هو عليه الحال في سوريا، لاعتبارات تتعلّق بعمالة النظام السابق لثورة 21 سبتمبر 2014م في العاصمة صنعاء، الذي مكّن القوى الخارجية من تحقيق أهدافها المتمثلة في نزع ما يمثّل خطورة من سلاح الجيش اليمني. ولم يكن الأمر كذلك في سوريا قبل ديسمبر 2024م، فلم يكن النظام السوري عميلًا للقوى الاستعمارية الصهيوغربية، ولم يُمكّنها من اختراق المؤسّسة العسكرية وتدمير مقدراتها الهجومية والدفاعية، كما كان حال النظام الحاكم في اليمن قبل ثورة 21 سبتمبر.

وكما تمكّنت ثورة الشعب اليمني من إفشال كافة المخطّطات الإجرامية للقوى الخارجية، الرامية إلى إحداث تدمير ذاتي للبلاد بأيدي المتصارعين من أبناء الشعب اليمني، تمكّنت الثورة كذلك من إفشال الحرب العدوانية الإجرامية التي شنّها على البلاد تحالف دولي عدواني، على رأسه الشيطان الأكبر أمريكا، والكيان الصهيوني، وعدد من القوى الاستعمارية الغربية، وبواجهة عربية. وحين بدأت الحرب العدوانية، لم يكن يتوافر للثوار في اليمن ما يتوافر للوافدين الجدد على السلطة في سوريا من وسائل الدفاع الجوي والأسلحة الهجومية، ولو بنسبة 10 %، ولم يكن متوافرًا للشعب اليمني ما يتوافر للشعب السوري من مقومات اقتصادية.

ومع ذلك؛ ولأَنَّ ثورة الشعب اليمني ثورة شعبيّة وطنية خالصة، فقد تمكّنت من المحافظة على مؤسّسات الدولة، وواجهت الحرب العدوانية بما هو متاح من إمْكَانيات كانت مُعدّة – من حَيثُ الأَسَاس – لسيناريو الحرب الأهلية، وتمكّن الثوار من مراكمة الإنجازات على مدى ما يقرب من عقد من الزمان، إلى أن تمكّن الشعب اليمني، بعون الله سبحانه وتعالى، وبحكمة قيادة الثورة، وإخلاص الثوار من أبنائه، من تحييد كافة وسائل التفوق لقوى الحرب العدوانية الإجرامية الخارجية، وأجبرتها الضربات اليمنية الحيدرية الموجعة في عمق قوى العدوان، التي وصل أثرها إلى عاصمة الإجرام العالمي واشنطن، حينها أوعزت إلى أدواتها الوظيفية في المنطقة الذهاب إلى هدنة، لحين التفكير في مخرج من مأزقها في اليمن. وتلت تلك الهدنة هدنة أُخرى، تلتها تهدئة غير معلنة مُستمرّة إلى اليوم، فرضتها اليد الطولى للشعب اليمني.

وبسبب حساسية القرب الجغرافي لسوريا، ووقوعها على خطوط التماس مع الكيان الصهيوني، فقد بادر هذا الكيان المجرم، وبإسناد أمريكي كامل، إلى التدخل العسكري لتدمير المقومات الدفاعية والهجومية للشعب السوري. ولأن الجولاني ومجموعاته الإرهابية الوظيفية صنيعة صهيوأمريكية، فقد التزموا الصمت في مواجهة الهجمات المتكرّرة على المطارات، والموانئ، ووسائل الدفاع الجوي، والصواريخ الهجومية، ومراكز الأبحاث المدنية والعسكرية. ولا مقارنة بين ما تعرّض له الشعب اليمني من حرب عدوانية من جانب تحالف إجرامي دولي، وبين ما تعرّضت له سوريا!

ولو أن الوافدين الجُدُدَ على السلطة في سوريا – الجولاني ومجموعاته الإرهابية – كانوا ثوارًا حقيقيين يُمثّلون تطلّعاتِ الشعب السوري، لكانت مهمتهم في مواجهة الكيان الصهيوني أسهلَ بكثير من مهمة ثوار الشعب اليمني في مواجهة تحالف دولي صهيوأمريكي بواجهة عربية؛ باعتبَار أن لسوريا عمقًا جغرافيًّا عربيًّا وإسلاميًّا كَبيرًا، يمتد شمالًا إلى تركيا، وشرقًا إلى الأردن والعراق وإيران، وجنوبًا إلى لبنان، في حين كان الشعب اليمني محاصَرًا من جميع الجهات: برًّا وجوًّا وبحرًا، ومع ذلك لم يضع الثوار لعوائق الجغرافيا أي اعتبار.

وبكل صرامة وصمود وإصرار، واجه الثوار تحالف العدوان الإجرامي، وتمكّنوا من مراكمة الإنجازات في جميع المجالات، خُصُوصًا المجال العسكري، بعكس ما هو عليه الحال في سوريا، فقد مكّن الوافدون الجدد العدوّ من تدمير كافة المقدرات الاستراتيجية الدفاعية والهجومية للجيش السوري، ولم يتبقَّ سوى بعض المعدات العسكرية التي تركها العدوّ عمدًا لتنفيذ مخطّط تقسيم سوريا، الذي سيتم بأيدي السوريين أنفسهم، وبإدارة عن بُعد من جانب القوى الخارجية.

وقد بدأت فعلًا بوادر هذا التقسيم تظهر للعلن، وستتوالى هذه البوادر في الظهور، إلى أن يتمنّى السوريون من أمريكا والكيان الصهيوني مساعدتهم في تقسيم بلادهم بشكل يؤدي إلى وقف الاقتتال في ما بينهم، وحينها سيكون دور أمريكا والكيان الصهيوني مرحَّبًا به؛ باعتبَاره يمثل خلاصًا للسوريين من حالة الصراع البيني. وما هو قائم في محافظة السويداء منذ أسابيع، وما جرى، أمس من هجوم متبادل بين قوات "قسد" وبين قوات ما يسمى بـ"وزارة الدفاع السورية"، ما هو إلا تمهيد لصراع شامل، تُستخدم فيه المعدات العسكرية التي استبقاها الأمريكي والكيان الصهيوني لتنفيذ مخطّط التدمير الذاتي، الذي سيفضي حتمًا إلى تقسيم سوريا، طالما والجولاني ومجموعاته الإرهابية قابعون على سدّة الحكم في هذا البلد العربي المهم.

والاقتتال البيني أُسلُـوب تتبعه وتغذّيه القوى الاستعمارية الصهيوغربية لتفتيت البلدان الموحَّدة، وسيؤدي إلى عشرات الآلاف من الضحايا، وتدمير واسع لكافة مقومات حياة الشعب. وحين يصل المتقاتلون إلى قناعة بأن الاستمرار في فرض صيغة حكم محدّدة غير ممكن، وأن مصالح مكونات الشعب متباينة، وأن استمرار الاقتتال غير مجدٍ، وأنه لا بد من التوصل إلى صيغة جديدة تحافظ على خصوصيات كُـلّ فئة من فئات الشعب، وتنمّي المشتركات فيما بينها، فَــإنَّ هذه الصيغة ستقتضي إعادة تقسيم الدولة إلى دول مستقلَّة متجاورة، تعيش إلى جانب بعضها في أمن وسلام، أَو على أقل تقدير، إلى دولة فيدرالية تتمتع مكوناتها بحدّ معقول من الاستقلال السياسي، يكفل الحفاظ على حقوق ومصالح الجميع، وهنا سيأتي دور "المخلِّص الأمريكي"!

ولعل المقارنة قد أوضحت الصورة، واتضح بكل جلاء الدور الوظيفي للجولاني ومجموعاته الإرهابية، فهؤلاء غير معنيين ببناء دولة في سوريا، ولا بالدفاع عنها. ولو افترضنا جدلًا أن الكيان الصهيوني قد فاجأ الوافدين الجدد بهجوم على مقدرات الجيش السوري؛ بسَببِ حالة الإرباك عقب الاستيلاء على السلطة، فكيف يمكننا تقبّل الصمت في مواجهة الهجوم الأخير على وزارة الدفاع، ورئاسة هيئة الأركان، والقصر الجمهوري في العاصمة دمشق؟ أعتقد أن الصورة باتت واضحة، ولا تحتاجُ إلى مزيد من التوضيح.