في ظل استمرار العدوان الصهيوني الأمريكي على قطاع غزة، ومرور خمسة أشهر من الإبادة الجماعية والتجويع والتعطيش والحصار، خرج السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي بخطاب مفصلي، حمَلَ في طياته رؤية شاملة لمجريات الصراع، وسبرًا عميقًا لطبيعة العدوّ ومخطّطاته، وتحليلًا صريحًا للخِذلان العربي والإسلامي، وتأكيدًا على معادلة الردع والموقف اليمني المتقدم في معركة التحرّر.

 

أولًا: الجريمةُ المُستمرّة في غزة.. مجاعةُ القتل البطيء

وصف السيد القائد الوضع في غزة بأنه كارثة إنسانية غير مسبوقة، مؤكّـدًا أن الجريمة الأَسَاسية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني اليوم لم تعد القصف فحسب، بل المجاعة والتجويع المتعمد الذي يستهدف حتى الأطفال الرُضّع. إن منع دخول أكثر من 22 ألف شاحنة مساعدات إنسانية إلى غزة يمثل – بحسب السيد – أبشع صور الحصار، وقد حمَّل الدول الغربية وبعض الأنظمة العربية مسؤولية التواطؤ في هذه المأساة، من خلال دعم العدوّ أَو الصمت أمام جرائمه.

 

ثانيًا: القُدسُ والأقصى.. خطوطٌ حمراءُ تُستباح بصمت مخزٍ

لم يغفل الخطاب عن تصعيد العدوّ في القدس، من خلال الاقتحامات المكثّـفة للمسجد الأقصى ومحاولات فرض التقسيم الزماني والمكاني. السيد القائد اعتبر الصمت العربي تجاه هذه الانتهاكات خيانة دينية وأخلاقية، مؤكّـدًا أن التفريط بالمسجد الأقصى يُعدّ تفريطًا بكل القضية الفلسطينية. كما شدّد أن مشروع هدم الأقصى ليس مُجَـرّد وهم بل برنامج واقعي يسير فيه العدوّ بدعم أمريكي وتغاضٍ عربي.

 

ثالثًا: الضفة الغربية.. شراكةٌ في الجريمة

أشار السيد القائد إلى الحجم المهول للاعتداءات في الضفة الغربية، التي تجاوزت الـ1800 اعتداء خلال الفترة الماضية، معتبرًا أن السلطة الفلسطينية لا تمثل الشعب ولا تقف في صفه، بل تشاركه العدوّ في قمع المقاومة تحت راية التنسيق الأمني، ومواصلة الترويج الغبي لخيار المفاوضات الذي أثبت فشله المطلق عبر العقود.

 

رابعًا: الأُطروحات العربية.. غباء قاتل وخدمة مجانية للعدو

سخر السيد القائد مما وصفه بـ"العبقرية العربية" التي ترى في نزع سلاح المقاومة حلًا للصراع، مبينًا أن هذا الطرح ليس إلا ترجمة لمطالب أمريكية إسرائيلية خالصة. واعتبر أن الرؤية الغبية القائمة على تجريد الشعوب من سلاحها في مواجهة أخطر عدو عقائدي وتوسعي في المنطقة، لا تعكس إلا الجهل والانحراف، بل إنها تفضح حجم التماهي لبعض الأنظمة مع المشروع الصهيوني.

 

خامسًا: بنية المشروع الصهيوني.. ثلاث ركائز شيطانية

كشف السيد القائد أن المشروع الصهيوني قائم على ثلاث ركائز متشابكة:

1- المعتقد الديني الظلامي الذي يعتبر العرب والمسلمين شعوبًا ملعونةً وأقل من الحيوانات،

2- النظرة العنصرية الإقصائية التي تبرّر الإبادة،

3- الأطماع الإقليمية التوسعية التي تشمل فلسطين والشام والعراق ومكة والمدينة، وتهدف إلى إقامة حكومة عالمية من مركزها في القدس.

السيد القائد شدّد على أن الإجرام الصهيوني ليس مُجَـرّد سياسة بل نتاج عقيدة خبيثة، تُقدّس القتل وتحتقر الآخر وتُشرعن الاستعمار الديني.

 

سادسًا: أمريكا.. شريكٌ أصيلٌ في الجريمة

حمّل السيد القائد الإدارة الأمريكية، وعلى رأسها الرئيس بايدن، المسؤولية المباشرة عن جرائم الحرب في غزة، معتبرًا أن أمريكا ليست طرفًا وسيطًا أَو نزيهًا، بل رأس الحربة في المشروع الإجرامي. وأكّـد أن الشراكة الأمريكية مع العدوّ واضحة من خلال التسليح، والدعم السياسي، والمشاركة الميدانية من قبل ضباط أمريكيين.

 

سابعًا: الفعلُ الجهادي والموقف اليمني.. تحوُّلٌ استراتيجي

في الوقت الذي تهاوت فيه مواقف كثير من الأنظمة، يُقدّم اليمن نموذجًا استثنائيًّا في الإسناد الجهادي. فقد نفذت القوات اليمنية خلال أسبوع 14 عملية بصواريخ وطائرات مسيرة، استهدفت عمق الكيان، ومواقعه البحرية، في تأكيد على فاعلية الردع اليمني وامتداد المعركة.

كما دعا السيد القائد إلى خروج مليوني واسع في العاصمة صنعاء وبقية المحافظات، مجدّدًا التأكيد على أن نصرة الشعب الفلسطيني مسؤولية شرعية وجهاد في سبيل الله، مشدّدًا أن الزخم الشعبي هو عامل ردع حقيقي لو اتسع وشمل الأُمَّــة.

 

ثامنًا: خلاصة الرؤية.. معركةُ وجود لا تكتيك

خطاب السيد القائد ليس مُجَـرّد تعليق على المستجدات، بل هو رؤية مكتملة لمعركة وجود، يفهم فيها طبيعة العدوّ، ويشخص مكامن الخلل، ويعيد ضبط البوصلة. أكّـد على أن نزع السلاح وهم قاتل، وأن المجاهدين – رغم ضعف الإمْكَانات – هم أمل الأُمَّــة في التحرير.

وحذر من أن تجاهل طبيعة الصراع، والتمادي في المراهنات العبثية، لن يجلب سوى الكوارث. في المقابل، شدّد على أن الوعي والبصيرة والجهاد، هي ركائز الخلاص، وأن واجب الأُمَّــة أن تصطف خلف المقاومة وتنهض لمواجهة المشروع الصهيوني الأمريكي بكل الوسائل.

خطاب السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي في 13 صفر 1447هـ هو وثيقة فكرية واستراتيجية، ترسم طريق الأُمَّــة في مرحلة من أخطر مراحل الصراع مع العدوّ الصهيوني الأمريكي. خطاب يتسم بالوضوح، والصدق، والإحاطة، ويعبر عن ضمير مقاوم، لا يزال ثابتًا في زمن الخذلان، ومتقدمًا في زمن التراجع، يوقظ الوعي، ويجدد الأمل، ويُعلي الكرامة في وجه الاستسلام.