لا جرم أن حزب الله - المتوكل على ربه الملك الجبار - عصي على الانكسار .ومهما تآمر عليه أولياء الجبت والطاغوت والكفار، ومن وراءهم محور العمالة والخيانة والمنافقين الفجار. فإن الله من ورائهم محيط، وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال، فكيدهم إلى بوار، وكيانهم الغاصب المحتل حتماً إلى زوال.
أما أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، فقد جاهدوا في سبيل الله بأنفسهم وأموالهم، برسوخ في ميادين الوغى كرسوخ الجبال. أولئك الذين لا يرهبهم ولا يرعبهم عدو صهيوني غاصب، فهم أهل الأرض وأصحاب الحق، سيواصلون الجهاد ما دام الليل والنهار حتى تحقيق النصر، الموعود من الله الواحد القهار الذي لا يُخلف وعده لعباده الأخيار.
مما لا شك فيه أن العدوان الأخير للكيان الغاصب على ضاحية بيروت الجنوبية يحمل رسائل متعددة، تتراوح بين الضغط العسكري المباشر وفرض معادلات أمنية جديدة.
فاستهداف القيادات البارزة في حزب الله، كما جرى مع الشهيد القائد هيثم الطبطبائي سلام الله عليه، يأتي في إطار ضرب "المراكز العصبية" للحزب، ضمن مسعى لتحقيق نوع من الردع المسبق، خاصة مع تزامن العملية مع إنذارات مسبقة تشير إلى تنامي نشاط الخلايا التجسسية للعدو في الداخل اللبناني.
كما تتجاوز الرسائل الردع العسكري إلى محاولات العدو البائسة لفرض واقع حدودي جديد، حيث يسعى الكيان الغاصب إلى تقويض اتفاق وقف العدوان للحؤول دون تعافي الحزب، والحد من نفوذه في جنوب لبنان. هذا الهدف يرتبط ارتباطاً مباشراً بالمشروع الصهيوني الرامي إلى إبعاد الحزب عن الحدود، تمهيداً لعودة النازحين من مستوطني الكيان المحتل.
ولعل التوقيت الذي جاءت فيه الضربة، متزامناً مع زيارة رئيس وزراء الكيان الغاصب للولايات المتحدة، يؤكد أن الرسالة ليست صهيونية فحسب، بل صهيو-أمريكية موجهة أيضاً للدول الإقليمية والدولية، لتوضيح "جدية" هذا الكيان في مواجهة ما يسميه "تهديد حزب الله" وإيران، في وقت تتصاعد فيه المخاوف من اتساع رقعة الحرب.
غير أن السؤال الجوهري الذي تثيره هذه المواجهة يتعلق بمدى قدرة هذه الضربات على إسقاط هيبة حزب الله وتقويض صموده. بيد أن مقومات القوة لدى الحزب أكبر مما يتوهم العدو ويظن ولا تنحصر في ترسانته العسكرية المتطورة وقوته البشرية فحسب، بل تتأسس في الدرجة الأولى على عقيدة إيمانية راسخة، تستمد قوتها من قوة الله ووعده الحق في محكم الكتاب: {وكان حقاً علينا نصر المؤمنين} وتكفله سبحانه بإلقاء الرعب في قلوب الكافرين، ووعده المؤمنين الصابرين بالنصر والتمكين.
على الرغم من أن الترسانة العسكرية تعد واحدة من أهم العوامل التي تلحق الرعب والخوف بالأعداء لقوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ}... إلى آخر الآية فهي أحد عوامل إرهاب الأعداء.
ناهيك عن أن ثقافة عشق الشهادة في سبيل الله التي تعد الركيزة الأساسية لاستمرارية المقاومة والجهاد وتمنح الحزب منعة روحية ومعنوية تتجاوز المقاييس المادية. لقد أثبتت تجارب الماضي، ولا سيما حرب تموز 2006، أن حزب الله قادر على مواجهة الكيان المحتل، رغم ما يتلقاه هذا الكيان من دعم أمريكي غربي مطلق.
كما أن التخاذل والتواطؤ الرسمي العربي واللبناني، والانحياز إلى الكيان ودعمه بالنفط العربي المفضوح والمؤلم، يضفي شرعية إضافية على المقاومة ويزيدها تمسكاً بمشروعها الجهادي التحرري المقدس.
أما على صعيد المشاهد المستقبلية، فإن سيناريوهات التصعيد المحتملة تشمل استمرار العمليات العسكرية المحدودة، كاستهداف القيادات والبنية التحتية، وشن حرب إلكترونية لاختراق وتعطيل شبكات الحزب. وقد تمتد المواجهة إلى المجال البحري، بحجة اعتراض شحنات الأسلحة في البحرين الأحمر والمتوسط وهو وهم يحاول كيان العدو بسط نفوذه على المياه الإقليمية العربية، فضلًا عن استهداف مواقع الحلفاء.
ولربما أسهم تماهي وتواطؤ العرب مع الكيان الغاصب في فتح شهية أطماعه لاحتلال سوريا ولبنان لإقامة "إسرائيل الكبرى" التي صرح عنها نتنياهو "رئيس حكومة" الكيان الغاصب. ولتحقيق هذا الحلم لا يزال كيان العدو يتمدد في عمق الأراضي السورية ويسعى جاهداً لاحتلال مناطق واسعة من جنوب لبنان بحجة إنشاء "منطقة أمنية"، لفرض واقع جديد على الأرض.
أما السيناريو الأكثر خطورة، وإن كان احتماله ضعيفاً، فيتمثل في حرب شاملة تهدف إلى اجتياح مناطق جنوب نهر الليطاني، وهي مغامرة ستكبد كيان العدو ثمناً باهظاً على أكثر من صعيد.
في مواجهة هذه الاحتمالات، يبقى العامل الحاسم هو خروج الحزب عن صمته والرد بالمثل وقدرة محور الجهاد والقدس والمقاومة على الحفاظ على معادلة الردع وخطوط الإمداد والدعم اللوجستي بشتى الوسائل والطرق الممكنة.