لم يعد ما يجري في اليمن اليوم مُجَـرّد امتدادٍ لعدوان استمرَّ عشر سنوات ثم خفّت حدة المواجهات العسكرية فيه، بل تحول إلى مشروع سياسي وعسكري متكامل يستهدفُ إعادة تشكيل المشهد اليمني وفق مصالح قوى إقليمية ودولية في مقدمتها الإمارات والسعوديّة وأمريكا.

بدلًا عن أن تتجهَ هذه الأطراف نحو إنهاء الحرب ودعم مسار السلام وبناء دولة يمنية موحدة ومستقرة، انتقلت إلى مرحلة أكثر خطورة مضمونها صناعة كيانات ميليشياوية بديلة للدولة وتمكينها على الأرض في المحافظات الحساسة سياسيًّا واقتصاديًّا وجغرافيًا.

التحَرّكات التي يشهدها المحافظات اليمنية الجنوبية والشرقية والساحل الغربي تكشفُ طبيعة هذا المشروع بوضوح؛ فالمجلس الانتقالي المموَّل إماراتيًّا لم يعد مُجَـرّد قوة محلية محدودة التأثير، بل أصبح أدَاة سياسية وعسكرية تتحَرّك وفق أجندة خارجية تهدف إلى فرض أمر واقع يقود نحو تفتيت اليمن والسيطرة على مناطقه الاستراتيجية وثرواته، خُصُوصًا في حضرموت والمهرة وأبين.

وبالتوازي مع ذلك، تحظى ميليشيات طارق عفاش في الساحل الغربي بدعم مباشر لتكون ذراعًا عسكريةً أُخرى تمسك بخط ساحلي شديد الحساسية يمتد على البحر الأحمر وباب المندب، فيما تستمر بعض القوى المرتبطة بحزب "الإصلاح" في لعب دور الورقة الجاهزة التي تُستخدم كلما أرادت السعوديّة إعادة خلط المشهد وإبقاء اليمن في حالة اضطراب سياسي وأمني دائم.

هذه التحَرّكات تأتي ضمن سياسة متدرجة وممنهجة تهدف إلى إضعاف الدولة اليمنية وإفقادها القدرة على التحكم في قرارها وثرواتها وموانئها وحدودها، مقابل تمكين تشكيلات مسلحة متعددة الولاءات تمتلك السلاح وتفتقر للهُــوية الوطنية الجامعة.

وهكذا يُراد تحويل اليمن إلى ساحات نفوذ متقاسمة بدل أن يكون دولة واحدة، وإلى واقع سياسي هش يسمح للأطراف الخارجية بإدارة البلد وفق مصالحها وأجنداتها البعيدة عن إرادَة الشعب اليمني.

وفي مواجهة هذا الواقع، يبرز الموقف الوطني الثابت الذي يؤكّـد عليه قائد الثورة السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي -حفظه الله-، والذي يشدّد على ضرورة حماية سيادة اليمن ومنع تمزيقه ورفض الوصاية الخارجية بكل أشكالها، وعلى أن يبقى اليمن موحدًا مستقل القرار، وأن تبقى ثرواته وموانئه وممراته البحرية بيد أبنائه لا بيد القوى الطامعة التي تسعى لحماية مصالحها وتأمين الملاحة المرتبطة بالمشاريع الأمريكية وكيان الاحتلال الإسرائيلي تحت عناوين مضللة وشعارات زائفة.

ما يجري اليوم مرتبط بحسابات تتجاوز حدود اليمن الجغرافية؛ فالممرات البحرية الممتدة من بحر العرب إلى البحر الأحمر مُرورًا بباب المندب ليست مُجَـرّد مناطق يمنية فحسب، بل جزء من شبكة ملاحة عالمية تحرص أمريكا وكيان الاحتلال الإسرائيلي على تأمينها بما يخدم مصالحهما، بينما تقوم الإمارات والسعوديّة بدور المنفذ الإقليمي لهذه السياسات عبر السيطرة على الموانئ والجزر والسواحل، لتثبيت نفوذ طويل المدى والتحكم في الموارد والمواقع الحيوية تحت ذريعة حماية الملاحة الدولية.

إن أخطر ما في المرحلة الحالية لا يتمثل فقط في تمكين الميليشيات والسيطرة على الثروات والمنافذ، بل في محاولة جعل هذا الواقع أمرًا طبيعيًّا يتم التعايش معه، وإقناع اليمنيين بأن الدولة لم تعد ممكنة، وأن البديل هو كيانات مسلحة تتقاسم الأرض والنفوذ والقرار؛ وهذا في جوهره استهداف مباشر لفكرة اليمن الواحد والهُــوية الوطنية الجامعة.

واليمن اليوم بحاجة ملحة إلى الالتفاف حول القيادة الحكيمة ممثلة بالسيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي حفظه الله، وإلى مشروع وطني جامع يعيد بناء الدولة وينهي الوصاية الخارجية، ويعيد السيادة لأبناء هذا البلد على أرضهم وثرواتهم وسواحلهم وموانئهم، وفق رؤية مسؤولة يؤكّـدها قائد الثورة اليمنية.

فالمعركة لم تعد معركة سلاح فقط، بل هي معركة وعي وسيادة وكرامة، ومعركة دفاع عن وجود الدولة اليمنية ومنع تحويل الوطن إلى ساحة نفوذ مفتوحة تخدم الآخرين وتدمّـر مستقبل اليمنيين.