في مشهدٍ تلاحمي مهيب حبس أنفاس العالم، وتحت لواء الغيرةِ الإيمانية التي لا تلين، تقاطرت السيول البشرية من أبناء الشعب اليمنيِّ الصامد صوب ميادين العزةِ والكرامة؛ في خروجٍ مليوني هادر لم يكن مُجَـرّد استعراض للقوة، بل كان زلزالًا عقديًّا ورسالةً باليستيةً عابرةً للقارات، تعلنُ النفير العامَّ غضبًا للمقدسات، وانحيازًا مطلقًا لكتاب الله العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
لقد حوّل اليمانيون ساحاتهم إلى براكين هادرةٍ من الغضب الإيماني، حَيثُ انبعثت من وهاد اليمن ونجاده حشودٌ عظيمة، تفيض عزمًا وتتوقدُ غيرة على مشكاة النور وكتاب الله الخالد، ولم يكن خروجهم مُجَـرّد تجمهر عابر، بل كان استعراضًا لملكوت الإرادَة، وتجسيدًا حيًّا لـ "أولي القوة والبأس الشديد" وهم يذودون عن حياض أقدس مقدساتهم.
لم تكن تلك الحناجر التي بحت في الساحات إلا صدىً لعنفوان يمانيٍ متجذر، هبَّ ليغسل بأصوات التكبير أدران الإساءَات الصهيونية والأمريكية السافرة.
إن هذا الاحتشاد التاريخي يمثلُ الردَّ العملي والحاسم على محاولات النيل من كتاب الله، مؤكّـدًا أن المساس بالمقدسات خطٌّ أحمر دونه الرقاب، وأن حماقات "قوى الاستكبار العالمي" لن تمرَّ دون عقابٍ يزلزل عروش الطغاة ويهدُّ أركان باطلهم.
لقد جسد اليمانيون اليوم بصمودهم الأُسطوري حائط الصد المنيع في وجه "مثلث الشر" الذي يسعى لطمس الهُــوية الإيمانية ونشر الانحلال الفكري.
هذا الخروج هو تجسيد حيٌّ لمعادلة التصدي لصلف كَيان الاحتلال الصهيوني وأدواته الاستعمارية، وإعلان صريح أن اليمن بإرثه الضارب في عمق التاريخ لن يسمح ليد العبث الأجنبي أن تمتد لثوابت الأُمَّــة وقيمها مهما بلغت التضحيات.
وفي ذروة هذا الحراك الثوري، تجلى النهوض بالمسؤولية الدينية والأخلاقية كعنوان بارزٍ لهذه المرحلة الحساسة؛ فالشعب اليمني، بوعيه المتوقد، أدرك أن الصمت أمام تدنيس المقدسات هو شرعنة للذل، فاختار طريق المواجهة والجهاد، حاملًا على عاتقه عبء الدفاع عن شرف الأُمَّــة وكرامتها في زمن تكالبت فيه قوى البغي والعدوان.
وفي السياق ذاته، يأتي هذا الخروج الهادر تأكيدًا على الاستمساك بالعروة الوثقى، وإعلانًا لحالة الجهوزية القتالية القصوى لخوض غمار المنايا.
الرسالةُ التي صيغت بمداد الغضب اليماني واضحةٌ لا لبس فيها: نحن قومٌ لا نكصُ على الأعقاب، وسيوفنا مشرعةٌ في وجه كُـلّ من تسول له نفسه التطاول على ديننا أَو أرضنا.
إن هذا الطوفان البشري المزمجر، الذي تقاذفت أمواجه في ميادين الصمود، لم يكن إلا إيذانًا بانبلاج فجر جديد يستمد ضياءه من مشكاة الوحي، وقوته من بأس اليمانيين الذين غدوا اليوم "سدنة المصحف الشريف" وحراس قيم السماء؛ وهذه الجماهير التي احتشدت بأجسادها وأرواحها، قد صيرت من صدورها متاريس دون كتاب الله، ونحتت بصرخاتها في صُمِّ الصخر ميثاقًا غليظًا أن دون القرآن خوض الغمار، وبذل الأعمار، واقتحام اللجج الطوام.
التاريخ اليوم يقف مبهوتًا أمام جحافل الإيمان التي لم تثنها الخطوب ولم تكسر إرادتها غطرسة البغي؛ ليعلن للعالم بأسره أن اليمن هو "الرقم الصعب" في معادلة العزة، والقلعة الحصينة التي تتحطم على نصالها أحلام قوى الاستكبار.
فلتخرس ألسنةُ الزيف الصهيونية، ولتندحر جحافل الإلحاد والانحلال أمام يقين هذا الشعب الأبي، الذي أثبت للعالم أن غضبة الحقِّ اليمانية هي الإعصار الذي سيسحق عروش الطغيان، ويطهر بساط الأرض من أدران الصهيونية المقيتة.
وختامًا، سيبقى اليمن الصخرة التي تتكسرُ عليها أحلام الغزاة، والبركان الذي يغلي غيرةً على كتاب الله، والمنار الذي يهتدي به الأحرار في ظلمات التخاذل، وسيبقى صدى هذا النفير يتردّد في آفاق الزمن، شاهدًا على أن اليمن كان وسيظل القلعة التي تذود عن حياض الدين، حتى يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين.