تبرزُ قوى الشر بمؤامراتها المُستمرّة، حَيثُ تتلاقى المصالحُ غيرُ الأخلاقية للأنظمة العربية الرجعية مع الولايات المتحدة في دعمها الشيطاني للكيان الصهيوني.
يمثّل هذا التحالف المقيتُ تكرارًا مأساويًّا للمسرحية ذاتها التي تُعرض منذ عقود على حساب دماء الشعب الفلسطيني المناضل في غزة.
إن هذا المشهدَ الأليمَ يكشفُ يومًا بعد يوم عن مدى فداحة التواطؤ العربي مع الشيطان الأكبر، ويظهر كيف أن الأنظمة العربية، بدلًا من أن تكون منارة للحرية والعدالة، أصبحت جزءًا لا يتجزأ من آلة القمع التي تلاحق حقوق الفلسطينيين بالقتل الجماعي بالآلة العسكرية أَو حصارًا وتجويعًا.
إن قرن الشيطان في جزيرة العرب يتماهى مع الكيان الصهيوني في كُـلّ جرائمه، مستفيدًا من حالة الصمت الدولي المطلق الذي يؤكّـد التآمر الصريح على حقوق الشعب الفلسطيني في الحياة. لقد تمّت صياغة طلاسم الهيمنة والسيطرة من جديد لتخدم أجندات استعمارية قديمة تتنكر في ثوب جديد. فالنفاق الذي تمارسه بعض الأنظمة العربية، التي تدّعي السعي للسلام وتمكين الحوار، ليس سوى ستار زائف يخفي تحت طياته دعمًا ماديًّا وإعلاميًّا مباشرًا وغير مباشر وبشكل مُستمرّ للكيان الصهيوني، على حساب حقوق الفلسطينيين ودمائهم الغالية.
إن تجدد العدوان على قطاع غزة، الذي أودى بحياة آلاف الأبرياء، لا يمكن تفسيره إلا في ضوء هذا التواطؤ المشترك بين قرن الشيطان والشيطان الأكبر. وهو ما شجّع القوات الإسرائيلية على دكّ الأحياء السكنية بأحدث الأسلحة الأمريكية، فيتحوّل ما تبقى من المستشفيات إلى رماد تحت القذائف، بينما يُحاصر الشعب الفلسطيني بإجراءات قاسية لم تتوقف عند الغذاء والدواء، وإنما تطاولت إلى الماء والهواء. إن الظروف الكارثية التي يعيشها الفلسطينيون في غزة تتجاوز حدود المعاناة الفردية؛ إذ تشمل فقدان الأمل وضياع المستقبل في ظل استمرار الصمت والتواطؤ العربي والإسلامي والدولي، حَيثُ يعيش الأطفال في حالة من الخوف المُستمرّ تستصرخ من خلالها ضمائر الإنسانية الحية.
وفي الوقت الذي تقدّم فيه الولايات المتحدة أسلحتها المتطورة وأموالها بسخاء للكيان الصهيوني، تستمر آلة الحرب الأمريكية-الإسرائيلية في إبادة الفلسطينيين في غزة بلا رحمة، محاولة طمس الهوية الفلسطينية وصوتها الصامد الذي لا يتزعزع تحتَ التراب المدمَّى.
إن "اتّفاقيات السلام" العربية مع "إسرائيل" ليست إلا حلقة في سلسلة مكائد تهدف إلى تخدير الوعي العربي وتحويله نحو التفريط في الحقوق الأَسَاسية للشعب الفلسطيني. فهذه الاتّفاقيات لم تجلب للمنطقة السلام، بل على العكس، عمّقت الجراح ووسّعت دائرة المعاناة، وفتحت شهية الكيان الأكبر لترسم للأعراب خريطتها التي تلتهم أجزاء واسعة من أراضيهم. كُـلّ ذلك وما زال قرن الشيطان ملازمًا للشيطان الأكبر في نهجه الداعم للقاتل الصهيوني.
وبقدر ما تمثّل هذه المؤامرة عملية متقنة لإبادة شعب بأكمله، إلا أنها تشعل جذوة الكفاح والنضال في صدور الأحرار من الشعب العربي، والفلسطيني بالذات، الذي لم يعرف الركوع يومًا. شعب فلسطين يقاوم؛ مِن أجلِ الحفاظ على هويته، يتمسّك بأرضه، ويناضل؛ مِن أجلِ تحقيق وعد العودة إلى وطنه.
إنها دعوة إلى كافة الشعوب الحرة في أرجاء العالم للوقوف بجانب فلسطين، صوت النضال ضد الطغيان والظلم، لإحقاق الحق وإقامة العدالة. لا بد من تجاوز الصمت واللامبالاة، والعمل على رفع الصوت عاليًا ضد الظلم، حتى تتوافر الفرص لتحقيق السلام الحقيقي، السلام الذي يستند إلى العدالة وحقوق الإنسان. فعلى الإنسانية أن تستفيق قبل فوات الأوان، وأن تتخذ خطوات فعّالة للتنديد بالتواطؤ والظلم، وإعادة بناء العدالة المفقودة في ضمير العالم.