مناورات الفيلق الشمالي: رسائل قوّة أم ضعف؟
موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية || الوقت التحليلي
بدأ الجيش الإسرائيلي مناورة هي الأضخم منذ 19 عاماً على الحدود الشمالية لفسلطين المحتلة. المناورة التي ستتم بمشاركة عشرات الآلاف من عناصر الجيش والاحتياط من القوات البرية والجوية والبحرية تستبطن رسائل داخليّة وإقليمية عدّة.
لا يمكن فصل الشكل والتوقيت والمضمون لمناورة “نور هدغان” في إشارة إلى اسم رئيس الموساد السابق “مئير دَغان” الذي كان قائد الفيلق الشمالي، لا يمكن فصلها عن الظروف الإقليمية بدءاً من الداخل الإسرائيلي مروراً بتطوّرات الميدان السوري، وليس انتهاءً بجهوزيّة حزب الله وحضوره الفاعل في لبنان وسوريا.
رسائل داخليّة
تأتي المناورة ضمن مسار رفع مستوى الجاهزية والاستعداد للجيش الإسرائيلي، إلا أنّها تستهدف في الوقت عينه الرأي العام الإسرائيلي الذي زادته تطوّرات الميدان السوري إحباطاً، بعد النكسات التي تعرّض لها أثر معادلتي الأمونيا وديمونا اللتان رسمهما السيّد نصرالله، وقبلها معادلة تحرير الجليل، الأمر الذي انعكس بشكل لافت على الهجرة من الكيان الإسرائيلي إلى أوروبا وأمريكا.
الإعلام الإسرائيلي الذي عمد بالأمس إلى نشر معلومات “كاذبة” عن علم الموساد بزيارة السيّد نصرالله عبر صحيفة معاريف، يدأب اليوم على التوظيف السياسي الداخلي والإقليمي لهذه المناورة بغية إقناع الداخل الإسرائيلي الغير واثق بقدرات “الجيش الذي لا يقهر” بأنه قادر على فرض معادلات الردع والحسم ضد التهديد الذي يتربّع على قائمة التهديدات التي تعصف بالكيان الإسرائيلي، أي حزب الله.
الكيان الإسرائيلي يحاول من خلال هذه المناورة رفع معنويات الداخل الإسرائيلي بشقّيه العسكري والمدني خاصّة أن قادته وجنوده مسكونون في أعماقهم بعدم إمكان هزيمة الحزب، عدا وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان الذي جاء من المعارضة وقبلها وزارة الخارجيّة، ما يذّكرنا بوزير الدفاع الإسرائيلي إبان حزب تموز، صاحب المنظار المغلق “عمير بيريز” الذي وعد السيد نصرالله بأن لا ينسى اسمه، أي بيريز، فهل تتذكرونه أم نسيتم اسمه؟
ما يعزّز فرضيّة رسائل المناورة للداخل الإسرائيلي، بوادر انتخابات تحدّث عنها رئيس حزب “البيت اليهودي”نفتالي بينيت، مؤكداً استعداد حزبه لخوض الانتخابات الكنيست في أي لحظة، في حال قرر أي أحد الإطاحة ببنيامين بنتانياهو الذي يسعى أيضاً من خلال هذه المناورة للفت الأنظار عن قضايا الفساد. اليكود الذي تعرّض لانتكاسات عدّة جرّاء قضايا الفساد التي لاحقت نتنياهو منذ أكثر من سنة، يسعى من خلال هذه المناورة لإعادة الثقة بالحكومة والفريق الحاكم بما يخدم مقاعده في أيّ انتخابات مبكرة.
رسائل إقليمية
وأما على الصعيد الإقليمي فيمكن الإشارة إلى حيثيات ورسائل المناورة في جملة من النقاط:
أوّلاً: ان المناورات التي ستستمر 11 يوما، وتحاكي فيها عمليات إجلاء المدن وصد عمليات “التسلل عند الحدود” من قبل حزب الله ، والهجوم على لبنان بالإضافة إلى إبطال عمل خلايا التجسس، هي الأضخم منذ 19 عام، أي أن الإسرائيلي يدرك اليوم حجم التهديد الذي يشكّله حزب الله على الكيان. وبالتالي، أردت سلطات الاحتلال توجيه رسائل إلى الحزب الذي خيّب الأمال الإسرائيلية ونجح في تغيير معادلات سوريا الميدانيّة.
ثانياً: اللافت في المناورة أنها تحاكي بقسمها الأكبر اقتحاما من حزب الله للحدود، أي ان الكيان الإسرائيلي الذي اعتاد على اجتياح البلدان العربية خلال أي عدوان، يراهن اليوم على الدفاع أكثر منه للهجوم، الأمر الذي يؤكد تبدّل معادل الردع التي شكّلت حجر الزاوية في استراتيجية الأمن القومي الإسرائيلي.
ثالثاً: تأتي هذه المناورة بعد فشل الرهان الإسرائيلي على كسر الحزب في سوريا، بل على العكس تماماً، فضلاً عن الخشية الإسرائيلي من الواقع القائم في الجنوب السوري والذي فشل نتنياهو ورئيس الموساد يوسي كوهين في إقناع الجانبين الأمريكي والروسي بتغييره، الأمر الذي دفع نتنياهو للتهديد بقصف القصر الجمهوري في سوريا.
رابعاً: بناءً على ما تقدّم فإن الكيان الإسرائيلي اليوم أحوج ما يكون إلى رسائل سياسيّة بطابع عسكري إثر الإقرار بفشل رهاناته التي اعتمدها في مواجهة حزب الله وسوريا، خلال السنوات الست الماضية. يرى المعلق العسكري في صحيفة هآرتس عاموس هرئيل أن “إسرائيل تريد استغلال المناورة من أجل توجيه رسالة ردع لحزب الله” الذي يعلم باستعدادات الجيش للمناورة، ومن المتوقع أنه سيحاول بكل ما يستطيع حل ألغاز خطط الجيش واكتشاف قدراته، وفق هرئيل.
خامساً: وفي إطار الرسائل الإقليمية، هناك سعي إسرائيلي لتوتير الأجواء دون إيصالها إلى مرحلة الحرب بغية إقناع الجانب الأمريكي بتغيير معادلتي الجنوبين السوري واللبناني. السوري عبر إبرام اتفاق آخر مع روسيا يقوّض أي تحرّك لمحور المقاومة في تلك المنطقة، واللبناني عبر اليونيفل التي فشلت واشنطن في إقحامها في مواجهة مباشرة مع حزب الله بعد زيارة المندوبة الأمريكية في الأمم المتحدة نيكي هايلي.
في الخلاصة، إن مناورة الفيلق الشمالي، التي تعتبر إحدى أكبر المناورات في تاريخ الجيش الاسرائيلي، بمشاركة 30 ألف جندي هي في الحقيقة رسالة دفاع وضعف أكثر من كونها رسالة هجوم وقوّة