السر في طرح انفصال كردستان: مخطط ’الكومنولث الإسرائيلي’!

موقع أنصار الله  || صحافة عربية ودولية ||  محمد علي جعفر/ العهد الاخباري

 

(باحث في إدارة المنظومات والشؤون الإستراتيجية)

لا شك أن الحديث الجاري حول طرح انفصال اقليم كردستان، وموقف الدول منه، يحتاج الى نظرة عميقة أكثر من مجرد الاستماع لتصريحات ومواقف هذه الدول. فعلى الرغم من الأبعاد التي تعنيها هذه المواقف، فإن مقاربة الحدث الحالي دون العودة الى الجذور التاريخية المتعلقة به، لا يخدم القدرة على التعامل معه أو بالحد الأدنى فهمه. فاليوم يتم طرح مسألة الاستفتاء، كمُعضلةٍ عراقية تتخطى في آثارها جغرافية العراق. في وقتٍ تخرج فيه الدول الغربية لتُقدّم النصائح على اعتبار أنها غيورة على مصالح شعوب المنطقة. وفي مقدمة هذه الدول، كانت واشنطن التي عبَّرت عن رفضها للاستفتاء وهو ما يتناقض مع التأييد الإسرائيلي له. فهل حقاً تُعارض واشنطن اجراء الاستفتاء؟ وما علاقة ما يجري اليوم بمشروع جابوتنسكي الإسرائيلي؟ وكيف يرتبط ذلك بالوضع الإقليمي؟ وما هي الدلالات الاستراتيجية لهذه المؤشرات؟

 

خلفيات ما يجري: مشروع جابوتنسكي الإسرائيلي (الكومنولث العبري)

إن العودة الى التاريخ تضعنا أمام حقائق مهمة للغاية، تتعلق بالمُخططات الأمريكية الإسرائيلية المشتركة لتقسيم العالم العربي. ولعل المُخطَّط الأبرز والمجهول، كان ذلك الذي وضعه فلاديمير جابوتنسكي عام 1937، ويُعرف بـ “الكومنولث العبري”، والذي هدف إلى إقامة دولة (إسرائيل الكبرى) والتي تدور في فلكها عدة دويلات مُقسمة مذهبياً وطائفياً وعرقياً، على أن ترتبط هذه الدويلات بالدولة الإسرائيلية المزعومة استراتيجياً وتحديداً على الصعيدين الاقتصادي والأمني. وفي العام 1957 تم تطوير المُخطط لمشروع “بنجوري” التنفيذي والذي هدف الى تحديد التقسيم الأمثل للدول التي تقع ضمن الاهتمام الاستراتيجي للكيان الإسرائيلي، عبر تقسيم لبنان إلى مجموعة كانتونات مذهبية وإلحاق الفلسطينيين بالوصاية الدولية، وتقسيم سوريا الى أربع دول علوية وسنية ودرزية وكردية وتقسيم العراق الى ثلاث دويلات سنية وشيعية ودويلة كردستان. بالإضافة الى تقسيم السودان والمغرب.

العراق كهدف لأمريكا: كيف فشل المشروع؟

بالنسبة للعراق، بدا واضحاً ومنذ فترة، التناغم الإسرائيلي الكردي والعلاقات العلنية وعلى الصُعد كافة. ومن خلال ما قدمناه في ما يخص مشروع الكومنولث تاريخياً، يمكن اليوم فهم السبب الرئيسي للتأييد الإسرائيلي لانفصال الإقليم، وعلاقة ذلك بمشروع تقسيم العراق. وهو ما قد يظنه البعض مناقضاً للموقف العلني الذي تطلقه واشنطن تجاه طرح الاستفتاء على الانفصال اليوم. إذ إن موقف واشنطن الحالي يتعلق بحسابات العملية الانتخابية العراقية. في حين يجب التأكيد على أن أمريكا فشلت في تحقيق أهدافها في العراق بعد خروجها، حيث فشلت في تحقيق التقسيم المذهبي، وفشلت في منعها الالتحام الجيوسياسي والجيوعسكري بين العراق وسوريا وإيران، كما فشلت في استغلال المُعضلة الكردية. وهو ما يجعل توقيت طرح الاستفتاء حول انفصال اقليم كردستان اليوم، أمراً يهدف لتحقيق عدد من المآرب والتي تصب في صالح أمريكا. فعلى الرغم من أن الاستفتاء شكلي وليس تنفيذياً، فإنه بات المادة الإعلامية للسياسة الإقليمية والدولية. وهو ما يطرح العديد من التساؤلات حول التوقيت وأسباب طرح الاستفتاء في الوقت الذي يُحقق فيه محور المقاومة انتصارات في حربه على الإرهاب. فهل باتت ورقة الأقليات بديلاً لأمريكا عن ورقة الإرهاب؟

ماذا تعني هذه المؤشرات استراتيجياً؟ وكيف يمكن ربطها بالوضع الإقليمي؟

 

 

لا شك أن الأحداث الجارية وبعد تحليل الدروس الحقيقية للتاريخ، لها العديد من الدلالات، والتي تصب في خانة المسارات الاستراتيجية التي تسعى أمريكا لتثبيتها. وهو ما يُمكن تبيينه من خلال التالي:

أولاً: تسعى واشنطن لتحريك حلم الانفصال كعاملٍ أيديولوجيٍ تيعيشه الأكراد كأقلية، وذلك من أجل استغلاله في عملية الحشد العسكري مستقبلاً في كلٍ من سوريا والعراق. الأمر الذي يمكن ربطه بالمعارك التي ستجري في ريف الرقة ومحافظات الشمال الشرقي لسوريا، والتي تُشكّل الحركات الكردية المسلحة ذات النزعة الانفصالية عصبها.

ثانياً: رفع مستوى التهديد الأمني والعسكري الذي قد تُشكّله هذه الأطراف، أمام كل من سوريا والعراق وتركيا تحديداً، في ظل تحوُّل الموقف التركي من جديد نحو روسيا وإيران في ما يخص الأزمة السورية.

ثالثاً: إيجاد بديل عن الإرهاب يُهدد سلطة الحكومة العراقية على كامل الأراضي العراقية من أربيل الى البصرة، ويجعل الورقة الكردية وقدرة أمريكا على إدارتها، ورقة لابتزاز العراق بعد فشل كل مشاريع إخضاعه.

رابعاً: إعادة خلط الأوراق في المنطقة من خلال فتح الملف الكردي، في محاولة للتشويش على الانتصارات المشتركة التي تُحققها كل من روسيا وإيران وحلفائهما، خصوصاً لما يعنيه استقرار العراق ومركزية جغرافيته السياسية والعسكرية من أهمية لدول المنطقة.

خامساً: ليس بعيداً عن كل ما تقدم، فإن العمل على تعزيز أمن الكيان الإسرائيلي، هو الهدف الاستراتيجي لكل هذه المسارات. حيث إن تحقيق الحلم الكردي بالانفصال عن العراق وما يمكن أن يُنتجه ذلك من آثار لمحاصرة بعض الدول وتفتيت مجتمعاتها وضرب استقرارها، يُساهم في إبعاد الخطر الوجودي عن الكيان ولو ظرفياً.

إذاً، بغض النظر عن النقاش في الحق الكردي بالانفصال وهو ما يُعتبر محط جدال، فإن الحقيقة تقتضي الاعتراف بأن خطوة كهذه لن تكون في صالح الأكراد على الإطلاق. بل إن ما يجري، هو أكبر في أسبابه ونتائجه من جغرافيا العراق، ويتعلق بحجم المؤامرة ضد شعوب المنطقة كافة. فهل ستنجح واشنطن وتل أبيب في تحقيق مآربهما على حساب الحلم الكردي؟!

قد يعجبك ايضا