كركوك… القَشَّة التي قَصَمت ظهر البرزاني!

موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية ||  أمين أبوراشد ” موقع المنار”

 

سبق أن تناولنا مغامرة مسعود البرزاني قبل إجراء الإستفتاء وبعده ضمن عدة مقالات منها:  “الأكراد..توقيت خاطىء لدولة ممنوعة” و “كردستان..دولة على الخريطة مع وقف التنفيذ”، وجاء آخر هذه المقالات تحت عنوان: كردستان..وفاة الطالباني و”إنتحار” البرزاني، ونعتبر فعلاً أن البرزاني قد انتحر سياسياً، وقد نَعَاه منذ ثلاثة أيام القيادي بالجماعة الإسلامية الكردستانية “شوان رابر” بالقول: “الدول لم تعُد تتعامل مع البرزاني كما كانت قبل الإستفتاء، وأتوقَّع استقالته”، علماً بأن رئيس البرلمان المُمَدِّد لنفسه يوسف محمد سبق وطالب البرزاني منذ عشرة أيام بالتنحِّي عن السلطة وأنه بذلك سيقدِّم خدمة لشعب كردستان.

 

مشكلة البرزاني الذي أعلن أخيراً استعداده للحوار مع بغداد وتجميد مفاعيل الإستفتاء، أنه كان يعتبر نفسه خليفة للزعيم الكردي عبدالله أوجلان، وأن الإستفتاء سوف يعزز وضع زعامته، وتبيَّن فعلاَ أن الأكراد حتى لو أيد بعضهم او اغلبهم الإنفصال، لكنهم ليسوا مع دويلة يؤسسها البرزاني له ولعشيرته ويديرها نجله وصهره كما مزرعة عائلية، وتهيأت كل الأحزاب الكردية المُعارِضة لمنع قيامها- قبل الإستفتاء وبعده- إذا لم تُعقد طاولة حوار تجمع كافة مكونات الشعب الكردي، بهدف تقييد حركة البرزاني في الحكم، وهذا الضعف على المستوى الداخلي الكردي لموقع البرزاني بعد الإستفتاء، دفع برئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي يوم أمس، الى مطالبة البرزاني بإلغاء نتائج هذا الإستفتاء وكأنه لم يكن، كشرطٍ للقبول بالحوار معه.

 

وجاءت عملية استعادة كركوك، وكأنها القشَّة التي قصمت ظهر البعير، وبداية نهاية الحياة السياسية والزعامة الشعبية للبرزاني، لأن كركوك الغنيَّة، تُعتبر بعد سقوطها بسهولة أمام الجيش العراقي والحشد الشعبي والعشائر، وكأنها الشاهد الحيّ على شخصية البرزاني المُتهوِّرة في عزّ “انتصاراته” وحتى أخر خيباته.

 

أولاً، كركوك هي رمز ميول قطف الفُرص لدى مسعود البرزاني، الذي استغل تفوُّق الإرهاب الداعشي على الجيش العراقي في العام 2014 وما بعده، واجتاح كركوك بذريعة التصدِّي لداعش، وأعلنها جزءاً لا يتجزأ من إقليم كردستان.

 

ثانياً، قام البرزاني بأوسع عملية فرز عرقي في الإقليم، وتمّ تهجير عشرات الآلاف من العرب واستقدام أكراد بدلاً منهم، والأكراد الذين تحدثت بعض الوكالات أنهم غادروا كركوك بعد استعادتها الى حضن الدولة العراقية، هُم بعض من الذين استقدمهم البرزاني وليسوا أساساُ من أبناء كركوك، بل مجموعات لديها “أحلام وردية” للعيش ضمن دولة كردية منفصلة عن العراق.

 

ثالثاً، أقدم البرزاني على بيع نفط كركوك بمعزلٍ عن الحكومة الإتحادية العراقية، رغم أن الأخيرة كانت تدفع للإقليم مخصصاته التي تُقارب 22% من الموازنة العامة للعراق، وتعاوُن البرزاني عبر أقاربه مع مافيات تجارة النفط، كانت خطوة مشبوهة، وجريمة مُعلنة بحق العراق وبحقّ المواطنين الأكراد في الإقليم الذين يُعانون من العوز، والحكومة المحلية تعيش حالة إفلاس لأن عائدات النفط كانت تُهدر على المحسوبين على البرزاني لتعزيز زعامته.

 

رابعاً، القوات الكردية المعروفة بإسم “البيشمركة”، تمّ التوافق عليها عام 2003 لحفظ الأمن الداخلي للإقليم، وأنها تابعة للقوات المسلحة العراقية، وتُصرف رواتب وتعويضات أفرادها من الخزينة الإتحادية، وتحوَّلت بدخولها كركوك الى ميليشيا عرقية مُعادية لوحدة العراق وتنوُّع مكوِّناته، وكادت أن تكون عدواً بمواجهة الجيش الوطني العراقي لو حاولت التصدِّي لهذا الجيش عند استعادته كركوك، لكن البرزاني عرف أن المعركة التي قد يخوضها للإحتفاظ بكركوك كمقاطعة متمرِّدة، ستكون خاسرة.

 

خامساً، استعادة كركوك الى العراق الموحَّد لها رمزيتها السيادية، خاصة بعد تسليم البرزاني بسقوط مشروعه، ووجوب العودة الى الحوار وإلغاء مفاعيل الإستفتاء.

 

سادساً وأخيراً وليس آخراً- لأن لائحة أخطاء البرزاني تطول- إن استعادة كركوك ليست فقط هزيمة لأوهام مسعود البرزاني الذي نأى بنفسه عن سماع النصيحة من الأمم المتحدة والدول الإقليمية النافذة المحيطة بالإقليم، إيران والعراق وتركيا، ولم يرتدع عن إجراء الإستفتاء، وهو يدرك أن “إقليمه” جزيرة برِّية غير قابلة للحياة ولم يُرحِّب بها سوى الكيان الصهيوني لأنها ضمن أمنياته كبداية لتمزيق الدول العربية، والمشكلة الآن بعد انهزام مشروع البرزاني، أن الرجل قد انتحر سياسياً، واستجلب المتاعب لأبناء شعبه المنتشرين في دول الجوار ويحملون جنسيات تلك البلدان، وكان بغنى عن هذا الإنتحار لولا الجشع الشخصي لديه لتغيير اللقب السياسي من “رئيس إقليم” الى “رئيس دولة”، دولة من ورق غير قابلة للحياة …

قد يعجبك ايضا