الغضب والنار: فضيحة القرن

موقع أنصار الله || صحافة محلية || المسيرة | إبراهيم السراجي

أضاءت الكثيرُ من المستجداتِ والحقائقِ التي تم الكشفُ عنها جوانبَ كثيرةً من مما يحدُثُ في المنطقة بأسرها، والذي اتضح أن كلَّها يدورُ حول هدف واحد هو تمرير “صفقة القرن”، التي باختصار تتلخص في إنهاء القضية الفلسطينية وليس حلها، وتشتركُ في هذه الصفقة بشكل رئيسي الولايات المتحدة وإسرائيل والسعودية ومصر والأردن والإمارات.

 

وكشفت التسريباتُ الصوتية لمكالمات أجراها ضابط مخابرات مصري رفيع المستوى مع عدد من الإعلاميين والفنانين المصريين إلى جانب المعلومات التي تضمنها كتاب “النار والغضب” الذي أثار ضجة واسعة في كُلّ أرجاء العالم بعد أيام قليلة من صدوره، الكثير من التفاصيل المتعلقة بصفقة القرن وكيف تمت إدارتها والاستفادة من الأحداث في المنطقة لتوريط أنظمة عربية وخليجية فيها، على رأسها النظام السعودي.

 

 

 

ما هي الصفقة؟

بشكل رئيسي وضع اللوبي الإسرائيلي المسيطِرُ على القرار الأمريكي الخطوطَ العريضةَ للصفقة التي أُطلق عليها “صفقة القرن” واستخدمها اللوبي الصهيونيُّ في مقايضة، بمعنى القبول بالصفقة ودعمها مقابل الحصول على دعم اللوبي الصهيوني، وبدأ الأمرُ بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب قبلَ فوزه بالانتخابات عندما وافق أمام قادة اللوبي الصهيوني على تمرير الصفقة مقابل الحصول على دعم اللوبي لترجيح كفته في الانتخابات الرئاسية، وهذا ما حدث.

 

وتتلخص الصفقة بعناوينها العريضة في إقامة دولة فلسطينية تكون حدودها في قطاع غزة وأجزاء فقط من الضفة الغربية وأجزاء من منطقة سيناء المصرية، وبالتالي التنازل عن معظم الأراضي العربية المحتلة بما فيها التي احتلها الكيان الصهيوني عقب 67، والأخطر من ذلك هو التنازل عن القدس المحتلة بكاملها، أَوْ ضم قطاع غزة لمصر والضفة الغربية للأردن، وبالتالي لا يكون هناك دولة اسمها فلسطين.

 

 

 

الغضبُ والنارُ: بن سلمانُ رجلُ الصفقة

درَسَ اللوبي الصهيوني بشكل دقيق منذ وقت مبكر أن صفقة القرن تحتاج للاعبين أساسيين في المنطقة لتمريرها، وبالتالي كان إغراقها بالحروب في اليمن وسوريا والعراق جزءً من أهدافها، وأحد اللاعبين كان النظام السعودي.

 

استغل الأمريكيون والصهاينة -كما اتضح مؤخراً- الوضع في السعودية الذي تمثل بوجود تنافس محموم بين محمد بن سلمان ومحمد بن نايف على عرش المملكة وتورط النظام السعودي في اليمن، فتم تقديم عروض للرجلين تمثلت في دعم أحدهما للوصول إلى العرش ومساعدته في الحرب على اليمن؛ مقابل تمرير صفقة القرن.

 

وجاء صدورُ كتاب “الغضب والنار داخل بيت ترامب الأبيض” ليكشف الكثير من الأسرار ويُحدِثُ ضجةً غيرَ مسبوقة منذ أول يوم لصدوره، والكتاب من تأليف الصحفي الأمريكي “مايكل وولف” الذي كان مقرباً من ترامب واستفاد من إجرائه أَكْثَـر من 200 مقابلة مع كبار موظفي البيت الأبيض وكبار المقربين من ترامب وعائلته، وتضمن حقائق دعمتها الوقائع والأحداث التي شهدتها المنطقة، مثيراً بذلك أَكْبَـر ضجة على مستوى العالم، ونَفِدَت الطبعة الأولى منه في أول يوم لصدوره، فتم إنزال عدة طبعات جديدة وما يزال ينفدُ من الأسواق.

 

يكشف الكتابُ أنه في إحْــدَى المقابلات مع كبير مستشاري ترامب قبل إقالته “ستيف بانون” أنه لخص صفقة القرن بقوله “دع الأردن تأخذ الضفة الغربية، ودع مصر تأخذ غزة، لنتركْهم يتعاملوا مع الأمر، أَوْ يغرقوا وهم يحاولون”.

 

كما يكشِفُ الكتابُ عن الزيارة الأولى لمحمد بن سلمان للبيت الأبيض، وهناك توّلى صهرُ ترامب ومستشارُه اليهودي “جاريد كوشنر” تطويع الأول ومعرفة ما يمكن أن يقدمه للولايات المتحدة وإسرائيل مقابل دعمه لتمرير صفقة القرن، ونقل الكتاب عن بن سلمان قوله لكوشنر “أنا سأكون يدكم اليمنى ورجلكم الأول في السعودية”.

 

كما ينقُلُ الكتابُ عن مستشاري ترامب أن الأخير قال عقب تنصيب محمد بن سلمان ولياً للعهد “لقد قُدنا انقلاباً ناعماً في السعودية ووضعنا رجلنا في القمة”.

 

بالعودة لكبير مستشاري ترامب سابقاً “ستيف بانون”، حيث ينقُلُ مؤلِّفُ الكتاب توضيحَه للطريقة التي يمكن بها إجبار السعودية ومصر على دعم ومساعدة تمرير “صفقة القرن”، بقوله: “مصر والسعودية غارقتان وعلى حافة الهاوية، كلاهما خائفتان حتى أخمصِ قدميهم في الخوف من إيران والتهديدات في سيناء واليمن وسوريا وليبيا”.

 

كما يفسّر الكتاب سِرَّ زيارة الرئيس الفلسطيني المفاجِئة للسعودية ومصر مؤخراً، مؤكداً أن ترامب طلب من النظامين السعودي والمصري استدعاء محمود عباس أبو مازن وهو ما حدث بالفعل، والغرض إقناعه بقبول الصفقة والتنازل عن القدس واعتبار رام الله عاصمة بديلة لفلسطين أَوْ بناء عاصمة جديدة على نفقة السعودية ودول خليجية في منطقة سيناء المصرية.

 

كما يظهر دور المخابرات والجيوش الإلكترونية في تهيئة الرأي العام للصفقة، كما سيتضح لاحقاً بشكل أَكْبَـر، من خلال كسر الخطوط الحمراء لدى الشعوب تجاه القدس، ولذلك وقبيل إعلان ترامب اعترافه بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني كانت حملة كبيرة انطلقت في السعودية عبر مواقع التواصل الاجتماعي بعنوان “الرياض أهمّ من القدس” تهدف لكسر الحواجز التأريخية وإزالة القدسية والمكانة التي تحظى بها القدس بالنسبة للعرب والمسلمين.

 

وكذلك سمح النظام السعودي للسياسيين المقرَّبين منه أمثال عبدالحميد حكيم بالظهور العلني عبر الأقمار الصناعية مع القنوات الإسرائيلية والأخير استضافته القناة الإسرائيلية الثانية عقب قرار ترامب بشأن القدس ودعا من داخل مدينة جدة “العرب والمسلمين بالإقرار بأن القدس تمثل لليهود ما تمثله مكة للمسلمين”.

 

 

 

مصر قطب ثانٍ للصفقة

استغلالُ التنافُس على العرش السعودي والتورط في اليمن قابله استغلال الوضع السيءِ للنظام المصري؛ باعتباره نظاماً قادماً من انقلاب عسكري وكذلك المشاكل الاقتصادية الكبيرة التي يعاني منها اقتصاد مصر، بالإضَافَة لزراعة الجماعات الإرْهَابية في سيناء ومناطق مصرية أُخْـرَى لزعزعة الأمن المصري واستنزاف الجيش.

 

وبالنظر إلى موقع مصر المهم في “صفقة القرن” لم يكن غريباً أن يكونَ الرئيسُ عبدالفتاح السياسي من أوائل الزعماء في العالم وأول زعيم عربي يستقبله ترامب في البيت الأبيض ويكيل الأخير له المديحَ المبالَغَ فيه.

 

عقب إعلان ترامب في 5 ديسمبر الماضي قرار الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني لم يكن مطلوباً من الأنظمة العربية المتورطة بالصفقة الإعلان عن تأييد القرار؛ لأن ذلك سيكونُ نهايةً لتلك الأنظمة، وكان المطلوب أن تعمل الأنظمة على تخفيف آثار رد الفعل العربي والفلسطيني تجاه القرار؛ بهدف فرضه كأمر واقع وعبر تهيئة الرأي العام بطريقة غير مباشرة، وهو مَا كشفت عن جانبٍ منه التسجيلات الصوتية التي نشرتها صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، أمس الأول، لمكالمات أجراها ضابط مصري رفيع من جهاز المخابرات مع مجموعة من الإعلاميين المصريين والفنانين أيضاً.

 

ووفقاً لتلك التسجيلات، يتصل ضابط المخابرات المصري “أشرف الخولي” بعدد من الإعلاميين والفانيين أبرزهم الإعلامي المخضرم “مفيد فوزي” والإعلامي “عزمي مجاهد” وآخرين ممن لهم تأثير على الرأي العام المصري بشكل كبير، يخبرهم بتوجه الدولة المصرية للتعامل مع إعلان ترامب للقدس عاصمة لإسرائيل وكيف يجب أن يتعاملوا مع هذا التوجه خلال ظهورهم على الشاشات في البرامج التي يقدمونها أَوْ التصريحات التي يطلقونها، ووافق جميعهم على التوجيهات.

 

وفي البداية يخبرهم الضابط المصري “نحن وأنتم سنستنكر ونشجب القرار الأمريكي مثل الآخرين في الدول العربية”، ويضيف أن الأهم هو تبني عدد من الرؤى التي تريدها الدولة المصرية منها أن يقولوا إنه “لا فرقَ بين رام الله والقدس” ويضيف أن عليهم القول إن “الأهم هو إنهاء معاناة الفلسطينيين وليس القدس”، وكذلك يوجههم بتوعية الشعب المصري أن “أي انتفاضة فلسطينية ستؤثر على الأمن القومي الفلسطيني”.

 

الكثيرُ من التوجيهات التي نقلها الضابط المصري للإعلاميين لكنها تلخصت في أنه يجبُ التأكيدُ أن مصر غيرُ قادرة على الدخول في حرب جديدة، ولا تريد ذلك والتقليل من أهميّة القدس، وأن الحل الذي يؤدي لإنهاء معاناة الفلسطينيين كشعب أهمّ من الحل الذي يتعلق بالقدس والأرض.

 

في جانب آخر نقل الضابط المصري للإعلاميين أن عليهم التأكيد على ضرورة إجلاء سكان سيناء، وأن ذلك من مصلحتهم لتتمكن الدولة المصرية من القضاء على الجماعات “الإرْهَابية” التي تنشط هناك.

 

 

 

لماذا نقل داعش في سيناء؟

مؤخراً اعترف النظام التركي بأنه جرى نقلُ عناصر تنظيم داعش من سوريا والعراق إلى سيناء المصرية، وقال الرئيس المصري أيضاً أنه يتم نقل داعش إلى مصر فيما كشفت تقارير كيف تولت إسرائيل نقل تلك العناصر من سوريا إلى الجولان إلى الأراضي المحتلة ومنها إلى مصر.

 

التفاصيل التي كشف عنها لاحقاً تفسّر بوضوح سر اختيار سيناء لتكون منطقة جديدة لداعش رغم أن معظمها صحراء وتكشف أيضاً هوية الدول التي تحَـرّك هذا التنظيم وأهدافها.

 

في 10 نوفمبر أطلقت وزيرة المساواة الاجتماعية الإسرائيلية، جيلا جملئيل، تصريحات غريبة لم تتضح أبعادها إلا مع انكشاف تفاصيل صفقة القرن، حيث قالت إن “أفضل مكان للفلسطينيين ليقيموا فيه دولتهم هو سيناء”، ونقلت هذه التصريحات القناة الإسرائيلية الثانية وبعد ذلك تناقلتها وكالات الأنباء الدولية.

 

عقب تصريحات الوزير الإسرائيلية بـ15 يوماً فقط وقع التفجير الدامي الذي استهدف مسجد الروضة في سيناء المصرية وأدّى لاستشهاد 305 من المصلين وإصابة أَكْثَـر من 120 آخرين، ومعها بدأ الإعلام المصري المرتبط بالنظام طرح فكرة إيجاد مساكنَ بديلة لسكان سيناء ونقلهم إليها كي تتمكن الدولة المصرية من القضاء على ما يسمى “الإرْهَاب”.

 

وجاءت التوجيهات من المخابرات المصرية للإعلام المصري في التسريبات الأخيرة وتضمنها التأكيد على ضرورة إخلاء سكان سيناء؛ لتكشف العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل والأنظمة العربية في تحريك تنظيم داعش واختيار أماكن تواجده لتوفير الأجواء المناسبة المتعلقة بتمرير صفقة القرن بإقامة دولة فلسطينية في سيناء التي يفترض أن يتم إخلاؤها من سكانها بذريعة “محاربة الإرْهَاب”.

 

 

 

مفاجآت غير متوقعة

كان إشعالُ المنطقة من جديد من أهمّ ركائز تمرير “صفقة القرن”، غير أن ذلك التحَـرّك آلت الأمور فيه إلى مفاجآت لم يتوقعها أضلاع الصفقة، فقد كان يفترض أن يعلن ترامب قراره بشأن القدس ليصبح ذا قيمه بعدما يتم تنفيذ مُخَطّط انفصال كردستان عن العراق وبالتالي فتح جبهة مباشرة مع إيران، وإنجاح مُخَطّط إشعال الوضع في لبنان والذي يبدأ بفراغ سياسي ناتج عن إجبار رئيس الحكومة سعد الحريري على الاستقالة واحتجازه في الرياض تزامناً مع إنجاح مُخَطّط أَوْ مؤامرة الفتنة في صنعاء، لكن الفشل الذريع الذي مُنِيَ به المشروع الأمريكي في الملفات الثلاثة كان هو المفاجأة التي قصمت ظهر “صفقة القرن”.

قد يعجبك ايضا