الريال اليمني في وجه العاصفة
موقع أنصار الله || صحافة محلية || المسيرة
لا خلافَ على أن “سعر الصرف” واحدٌ من أهم المؤشرات الاقتصادية التي تشيرُ إلى حالة الاقتصاد القومي لأي بلد في العالم، من هنا يمكن عَدُّ سعر الصرف بتقلباته الحادة خلال 1000 يوم من العدوان على اليمن التعبيرَ الأوضحَ عن الاعتلالات التي أصابت الجسدَ الاقتصادي بفعل الهجمة العدوانية والتي وضعت الاقتصادَ اليمني على قائمة أهدافها..
تحقيق ــ عبدالحميد الغرباني
شهد سعرُ الصرف تقلباتٍ حادةً وصدماتٍ شديدةً خلال سنوات العدوان الثلاث أبرزها هذه الأزمة الأخيرة التي جرى محاصرتُها وطنياً، وتعود الجذور الحقيقية لأزمة سعر الصرف إلى كثيرٍ من الأسباب السياسية والأمنية والسيكولوجية والاقتصادية، وتبدأ بتعمد أنظمة العدوان على اليمن استهدافَ مختلف الأنشطة الإنتاجية في اليمن ومحاصرة تدفق موارد العملة الصعبة وإيقاف صادرات السلع المختلفة والخدمات، كما أن العدوان قد تسبّب بخلق بيئة طاردة للاستثمارات المحلية والأجنبية وتعطيل السياحة وتعليق ما يوصف بدعم المانحين التنموي، فضلاً عن وضع النظام السعودي العدواني جُملةً من العوائق أمام التحويلات الواردة إلى الوطن من الخارج، ودفع البنوك الخارجية إلى تعليق التعامل مع البنوك اليمنية وعرقلتها عن فتح اعتمادات تغطي فاتورةَ الواردات، ووصولاً إلى سبب جوهري هو استهداف البنك المركزي عبر القرار غير الوطني بنقله.
هذه الاجراءاتُ العدوانيةُ هي الأساس للتقلبات العنيفة في سوق الصرف ولرحلة تراجع الريال اليمني أمام الدولار، كما يؤكد خبراءُ الاقتصاد، والملاحظ أن جُملةَ الأمور السابقة تلخص مصادرَ تحصيل النقد الأجنبي المختلفة في اليمن، من هنا يقول وكيل وزارة المالية لشئون التخطيط والإحصاء والمتابعة والخبير الاقتصادي، أحمد حجر: “العدوان تعمد استهداف القطاعات الإنتاجية المختلفة في اليمن، وفي ظل اعتماد البلاد على العالم الخارجي وبدرجة كبيرة فقد زاد الاعتماد في ظل العدوان أَكثَر، وذلك يعني زيادةً في الطلب على الدولار”..
وفقاً للمؤشرات الاقتصادية المختلفة فإن غيابَ التنمية الحقيقية في البلاد طيلة الفترات السابقة هو ما وضع البلاد أمام واقع المستهلِك، ولأبسط الأشياء التي يمكن صناعتها أَوْ زراعتها وإنتاجها في اليمن يقول الخبير الاقتصادي أحمد حجر: “الاقتصاد القومي نتيجة عدم وجود إرادة سياسية اقتصادية لتنمية حقيقية في البلاد فقد ظل الوطن رهينةً لسياسة استيراد السلع الأساسية والوسيطة والرأسمالية”..
مع كُلّ ما سبق، فالريال اليمني بعد ألف يوم من العدوان على اليمن ما يزال صامداً أمام هجمات الخارج الضارية على اليمن وضغوط البعض في الداخل والتحليل الاقتصادي في هذا السياق الأخير يسجل تدني الرقابة من قبل البنك المركزي في صنعاء على حركة البيع والشراء للدولار في المصارف وشركات الصرافة سبباً إضافياً للصدمات الشديدة التي يشهدها سوق الصرف.
ويؤكد الخبيرُ الاقتصادي عبدُالسلام المحطوري أن “هذا الاختلال الكبير هو ما يولّد ازدهارَ عمليات المضاربة المشبوهة من قبل بعض الجشعين، في قطاع الصرافة أَوْ البنوك التجارية في البلد”، ويضيف “هناك علاقةٌ بين الإنفاق العبثي الذي يجري في المحافظات الواقعة تحت الاحتلال وقوى الارتزاق وعبر فرع البنك المركزي في عدن وبين التقلبات المتوالية لسعر الصرف وتدهور العملة الوطنية وخُصُوْصاً بعد طباعة مرتزقة الرياض أَكثَر من 625 ملياراً في روسيا وصرفها بشكل فوضوي”.
ومن منظور وطني بحت يشير المحطوري إلى أن “عدم تقييد وتنظيم الواردات في ظل التنامي المجنون لحجم السلع غير الضرورية والكمالية منها، سبّب لتقلبات سعر الصرف أَيْضاً ولا يمكن تجاهُلُه أَوْ القفز عليه”..
حكومة الإنقاذ الوطني ومؤامرة استهداف العملة الوطنية
توظيفُ معسكر العدوان الورقة الاقتصادية كسلاح حرب يضع كُلّ اليمنيين في دائرة استهداف مغلقة تمتد تداعياتها لتشمل مستقبل اليمن الاقتصادي وعملته الوطنية أولاً، فأزمةُ سعر الصرف تتسبب بانخفاض القيمة الحقيقية للدخل، وبالتالي انخفاض الاستهلاك الحقيقي وزيادة مستويات الفقر وتدهور مستوى المعيشة في اليمن بقرار أمريكي سعودي وبغطاء دولي فاضح كما عبّرت عن ذلك عددٌ من المنظمات الحقوقية المختصة.
الأهداف الحقيقية للهجمة على العملة الوَطنية من قبل النظام السعودي العدواني يحصرها المراقبون دولياً لمجريات العدوان على اليمن في “طموح وسعي سعودي حثيث لدفع شعب اليمن إلى الاستسلام”..
على مستوى الداخل أكّد لصاحب هذا التحقيق مسؤولٌ كبيرٌ في البنك المركزي اليمني “أن استهدافَ الاقتصاد اليمني اختصاصٌ أمريكي في المقام الأول ومن أول غارة جوية للعدوان، ويرمي إلى ضرب مقومات الثبات لليمن وتحجيم الالتفاف والتدافع الشعبي المؤيد للجيش واللجان الشعبية”..
ذلك في الأهداف المرحلية لاستهداف العملة الوطنية الذي يتجاوز استهداف مقومات المعركة بكثير، ملقياً بظِلاله على الاقتصاد القومي لليمن، واضعاً في طريق تعافي الاقتصاد اليمني عقباتٍ كثيرةً، وهو ما يمكن إدراجه ضمن الأهداف غير المرئية.. الخبير الاقتصادي أحمد حجر يقول إن “محاولة تقويض الاستقرار الاجتماعي وتماسك الجبهة الداخلية على رأس قائمة أهداف الهجمة الشرسة على العملة الوطنية”.
ويضيف حجر “الحياة المعيشية للمجتمع اليمني بوابة أخرى لتصعيد العدوان في هذه المرحلة من عمر المواجهة بين النظام السعودي واليمن”.
حديثُ خبراء الاقتصاد يقرع ناقوسَ خطر يضع البنك المركزي اليمني في صنعاء أمام مسؤولية وطنية تفرضها قوانين البنك قبل أي شيءٍ آخر والحل يكمن برأيهم في سياسة نقدية تثبت جدواها وقدرتها على مجابهة التحديات الراهنة.
وكيل وزارة المالية أحمد حجر دعا حكومة الإنقاذ الوطني والبنك المركزي إلى وضع “موازنة نقدية للنقد الأجنبي يتم فيها حصر مصادر الاقتصاد القومي من العملة الصعبة في المرحلة الراهنة، على أن يشرف البنك المركزي على حجم التحصيل ويسوي أولويات لاستخدام النقد الأجنبي المحصل وبحسب احتياجات المجتمع من السلع الأساسية وليس غيرها من السلع والمواد الكمالية”.
من جهته الخبير الاقتصادي عبدالسلام المحطوري أكّد أن “أمامَ حكومة الإنقاذ الوطني فرصة تأريخية لمراجعة سياسة الاستيراد وإعادة النظر في سياسة التجارة الخارجية ووضع روزنامة كبيرة من المواد والسلع التي يجري استيرادها تحت تصنيف الضروري وغير الضروري؛ بهدف التقليل من آثار وتداعيات تقلبات سعر الصرف ومواجهة مؤامرة استنزاف النقد الأجنبي من البلاد”..
جمعية البنوك وجمعية الصرافين ومسؤولية صون سعر صرف العملة
كنا في صحيفة المسيرة في هذا التحقيق قد حاولنا تسجيلَ وجهة نظر البنوك التجارية والإسلامية وشركات الصرافة والقطاع الخاص إجمالاً، لكن أحداً لم يتفاعل ومن المعيب جداً أن يضبط هذا القطاع أَوْ قل الجزء العريض منه والذي يموله الشعب بمعزل عن المواجهة الفاعلة مع العدوان في الميدان الاقتصادي، الكثير من المهتمين بالشأن الاقتصادي يدعون هذه الجهات إلى مُراعاة الظروف التي يمر بها اليمن وفرملة الاندفاع باتجاه صناعة الأزمات واستثمارها تالياً ولو على حساب الوطن والمواطن، ويأخذ المراقبون على حكومة الإنقاذ عجزَها عن توجيه رؤوس الأموال الوطنية نحو التوظيف في القطاعات الإنتاجية بدلاً عن التوظيفات الأخرى في هذا السياق ثم توصية للجبهة الاقتصادية بضرورة رفع وتيرة التعبئة في أوساط القطاع الخاص لصون سعر صرف العملة الوطنية..
الوديعة السعودية المزعومة تقابَلُ بسخرية شعبية يمنية
مع الموجة الأخيرة لسعر الصرف عَمَّ الشارعَ سخطٌ كبيرٌ تجاه العدوان ومرتزقة الرياض القدامى والجدد، وَحمل المواطنون النظامَ السعودي مسؤوليةَ تدهور العملة الوطنية وتراجع قيمتها ومسؤولية الآثار والتداعيات التي ازدهرت مع استهداف كُلّ مصادر تحصيل النقد الأجنبي التي تسهم في تثبيت سعر الصرف عند مستوى أَكثَر واقعية، لدرجة أن أولئك المنخرطين في طابور الارتزاق ومعسكر العدوان على اليمن بشّروا المنطقة بثورة جياع وتحدث بعضهم أن تدهور العملة الوطنية ليس ذي صلة بما وصفها (الأهداف النبيلة) لـ (عاصفة الحزم )، في هذا الوقت كانت الجهات المختصة وفي مقدمتها الأجهزة الأمنية في صنعاء وليس في غيرها تبذل جهوداً مضنية لمحاصرة المؤامرة الأخيرة التي عصفت بالعملة الوطنية، وقد نجحت في فرملة تهور المنخرطين في عمليات المضاربة المشبوهة في العملات الأجنبية لصالح مجموعات محددة، وعلى حساب الوطن والمواطن، عقب ذلك وبعد تراجع سعر الصرف روّجت وسائل إعلام العدوان لما تصفه بوديعة سعودية لفرع البنك المركزي في عدن؛ لمواجهة تقلبات سعر الصرف في محاولة مكشوفة لتضليل الرأي العام وتقديم النظام السعودي سبباً للحل وليس سبباً للمشكلة كما هو الواقع والحاصل الذي يتحدث عنه ويعترف به حتى طابور العملاء للرياض وأبو ظبي، في هذا السياق يدعو خبراء الاقتصاد عواصم العدوان إلى خطوات عملية تحيد قوت الشعب اليمني ولا تضعه ضمن قواعد الاشتباك الحاصل ومنها:
1ــ تحييد الاقتصاد اليمني والبنك المركزي عن الصراع..
2ــ وقف عرقلة تحويلات المغتربين اليمنيين والتي تمثل المورد الثاني للنقد الأجنبي في اليمن وتبلغ في المتوسط ما يعادل 3. 3 مليارات دولار سنوياً..
3ــ تسهيل عمل البنوك اليمنية وتمكينها من تحويل أرصدتها المتراكمة بالريال السعودي إلى دولار أمريكي “في العادة تقوم البنوك اليمنية بتجميع أرصدتها من الريال السعودي وترسلها إلى البحرين شهرياً، ثم ترسل إلى الدمام ويتم تحويلها في مؤسسة النقد العربي السعودي إلى عملة بالدولار، وتقيد هذه المبالغ في حسابات البنوك اليمنية في البنوك العالمية بالدولار”، وبالتالي ستكون البنوك اليمنية قادرةً على تمويل وفتح الاعتمادات للتجار لشراء واستيراد السلع، وهو ما سينعكس استقرار في سعر الصرف..
4ــ تحييد البُنَى التحتية لليمن ووقف استهدافها ورفع الحصار عن المطارات والموانئ اليمنية لتمارس أنشطتها التي تعود بعائدات من النقد الأجنبي..
يستطيع النظام السعودي العدواني فقط عبر مثل هذه الخطوات أن يقولَ لليمنيين بأنه لا يستهدف حياتهم المعيشية، أما غير ذلك فمجرد كذب مفضوح.
الصراع يدفع المرتزقة للاعتراف بالمؤامرة
لم تكتفِ قوى العدوان ومرتزقتُها بقطع مرتبات موظفي الدولة، بل قامت بتدمير المدخرات الضئيلة المتبقية لدى شريحة من الناس، عندما أقدمت على طباعة 625 مليار ريال استلمها البنكُ المركزي في عدن عبر روسيا، بحسب تصريحات محافظ البنك المعين من قبل الفار هادي، والتي بدورها أدّت لانخفاضِ قيمة الريال اليمني مقابل العملات الصعبة، وبالتالي انخفاض القوة الشرائية للريال، والذي معناه أن كُلَّ فرد كان يدخر مبلغ ألف ريال قبل طباعة العملة وجد أن قيمةَ ما يملكه قد انخفضت إلى النصف.
ورغم محاولة حكومة المرتزقة تقديمَ مبررات لانخفاض قيمة العملة الوطنية من خلال اتهام أطراف أخرى باتباع سياسات أدّت لهذا التدهور، إلا أن الأحداثَ التي شهدتها عدن مؤخراً جعلت حكومة المرتزقة تعترفُ صراحةً أن الحربَ على الريال اليمني كانت حرباً عدوانيةً شنتها قوى العدوان، زاعمةً أن ذلك كان يهدفُ لتشويهها (حكومة المرتزقة) فيما كان الهدفُ الحقيقي هو الحرب الاقتصادية على اليمن؛ بهدف إخضاع شعبه.
ففي 28 يناير الماضي ومع بدء المواجهات في عدن اعترف رئيسُ حكومة المرتزقة أحمد عبيد بن دغر أن تراجُعَ قيمة الريال كان جُزءاً من مخطّط إماراتي يهدفُ لإسقاط حكومته.
وفي هذا السياق قال المرتزق بن دغر متهماً الإمارات وأتباعها إنهم حاولوا “إسقاط الحكومة عن طريق تدمير الريال اليمني ففشلوا”، وهنا كان يقصُدُ أنهم فشلوا في إسقاط حكومة وليس في تدمير الريال اليمني الذي بالفعل تعرض لضرر بالغ في قيمته مقابل العملات الأجنبية.
ليس ذلك وحسب، بل إن اعترافات المرتزقة أنفسهم أكدت أن ما يحدُثُ لاقتصاد اليمن وعُملته الوطنية ما هو إلا جزءٌ من صراع وفساد بين مكونات المرتزقة، حيث هاجم رئيس حكومة المرتزقة السابق خالد بحاح حكومةَ المرتزقة الحالية، متهماً إياها باتخاذ قراراتٍ اقتصادية هوجاءَ أَدَّتْ للتراجع الحاد للريال اليمني.
وقال بحاح في سلسلة تغريدات في صفحته بموقع تويتر إن “القراراتِ الاقتصاديةَ الهوجاءَ نتائجُها كارثية، فالاقتصاد علمٌ، بقدر ما تكونُ معطياتُه سليمةً تكونُ نتائجُه أسلم”.
وأشار بحاح إلى أن الفار هادي وحكومتَه تسببوا بكارثة لليمنيين من خلال “طباعة النقد ع المكشوف ورميه في السوق دون تدبير ورقابة، أَدَّتْ لنتائجَ كارثيةٍ فاقمت فقر المواطن”.