هل ستفتح السعودية أجواءها لشركة الطيران الصهيونية؟!
موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية || الأخبار اللبنانية
بعد أسابيع قليلة على إعلان الهند طلبها السماح لطائراتها بعبور الأجواء السعودية نحو إسرائيل، توجهت الأخيرة بطلب مماثل إلى الاتحاد الدولي للنقل الجوي، على قاعدة «رفض التمييز بين شركات الطيران». طلب لا يبدو أنه سيلقى معارضة من قبل المملكة التي أضحت أكثر اندفاعاً وحماسة في الترويج لفكرة التطبيع، مستخدمة في ذلك لافتات عدة ليس «حوار الأديان» إلا أكثرها تضليلاً
كما كان متوقعاً. لم يكد يمرّ شهر على إعلان شركة طيران الهند، «إير إنديا»، اعتزامها البدء في تسيير رحلات جوية مباشرة إلى إسرائيل عبر الأجواء السعودية، حتى بادرت تل أبيب في المطالبة بـ«معاملتها بالمثل»، عبر السماح لطائرات ناقلتها الوطنية (العال) باستخدام المجال الجوي السعودي.
مطالَبةٌ إن دلّت على شيء فإنما على أمرين: أولهما أن موافقة الرياض على طلب نيودلهي فتح الأجواء السعودية أمام طائرات «إير إنديا» التي تقلّ إسرائيليين قد مُنحت فعلاً، خلافاً لما كانت أعلنته المملكة على لسان المتحدث باسم هيئة الطيران المدني السعودي، وإلا كيف كان بإمكان «العال» التجرؤ على طلب من هذا النوع وهي التي قالت، أوائل شهر شباط فبراير/ الماضي، إنها «تأمل في أن يُطبّق اتفاق الطيران فوق السعودية على طائراتنا أيضاً»، وإنها «لا ترى فرقاً بين الركاب الإسرائيليين على متن الشركات الإسرائيلية، والمسافرين الإسرائيليين على متن شركات غير إسرائيلية». أما الدلالة الثانية فهي أن قطار التقارب بين الرياض وتل أبيب ماضٍ في سكته، في ظل تصريحات وخطوات خليجية تصبّ جميعها في صالح تزخيم أجواء التطبيع وتكريسه خياراً وحيداً.
يوم أمس، أميط اللثام عن خطاب توجهت به شركة الطيران الوطنية الإسرائيلية (العال) إلى الاتحاد الدولي للنقل الجوي (أياتا)، طالِبةً مساعدته في إقناع السعودية بفتح أجوائها أمام الطائرات الإسرائيلية، حتى تتمكن الأخيرة من منافسة نظيرتها الهندية. ويقول الرئيس التنفيذي لـ«العال»، جونين أوسيشكين، في الخطاب الموجه إلى رئيس «أياتا»، ألكسندر دو جونياك، «(إنني) أطلب من أياتا التدخل، وتمثيل مصالح قطاع الطيران المدني، والمطالبة بحقوق عبور أجواء متساوية لجميع شركات الطيران في الأجواء السعودية، ومعارضة أي شكل من أشكال التمييز»، مضيفاً أنه طالب، كذلك، رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بالمساعدة في حلّ هذه المشكلة. اللافت أن أوسيشكين حدّد، في رسالته، نقلاً عن سلطة المطارات الإسرائيلية، يوم السادس من آذار/ مارس موعداً لبدء «إير إنديا» تسيير رحلات مباشرة إلى إسرائيل عبر الأجواء السعودية، وهو ما لم ينفه المتحدث باسم الشركة الهندية لدى سؤاله عما إذا كانت بلاده تلقت موافقة على هذا الأمر، إذ قال إن «الناقلة لم تتلق بعد أي اتصال من الجهات المنظمة لقطاع الطيران المدني»، ما يعني إمكانية تلقيها هذا الاتصال، الذي يُعدّ الخطوة الأخيرة في مسارها، خلال الأيام القليلة المقبلة.
بالنتيجة، تتقاطع المعطيات جميعها عند نقطة موافقة السعودية على الطلب الهندي، خصوصاً وأن سلطات المملكة لم تحجم، مع خروج المسألة إلى دائرة الضوء، عن الترويج عبر وسائل إعلامها لمشروعية هذه الخطوة وصحتها؛ إذ إنه «لا يوجد دافع قوي ولا منطق سياسي يحول دون منح الإذن لكل طيران العالم بعبور الأجواء السعودية»، كما أنه «يجب التفريق بين المقاطعة المضرة بإسرائيل والمقاطعة المضرة بالعرب». وعليه، يمكن توقع موافقة السعودية، في نهاية المطاف، على الطلب الإسرائيلي، طالما أن المبررات جاهزة لتسويغ الانفتاح على «العدو القديم» (إسرائيل)، بوجه «العدو الحالي» (إيران)، وطالما أن ماكينة التطبيع شغّالة على المستويات كافة، خصوصاً منها الإعلامي حيث تجتهد الشخصيات والمنابر الموالية للنظام السعودي في التأصيل لفكرة جعل العلاقات مع العدو أمراً عادياً ومحبذاً.
آخر التصريحات السعودية في هذا المجال ما تحدث به وزير العدل السابق، الأمين العام لـ«رابطة العالم الإسلامي»، محمد بن عبد الكريم العيسى، لصحيفة أميركية، داعياً إلى «التعايش مع اليهود»، رافضاً ما سماها «الطموحات العربية التاريخية إلى القضاء على إسرائيل». ورأى أن «السلام يبدأ من خلال الاعتراف بأن جميع دول المنطقة ستبقى في مكان وجودها، لذلك يتعيّن عليهم التعايش وتقديم تنازلات، وإلا سيندلع قتال يستمر آلاف السنين». وكان العيسى قد بعث، أواخر شهر كانون الثاني/ يناير الماضي، برسالة إلى مديرة المتحف الدولي للـ«هولوكوست» في الولايات المتحدة، سارة بلومفيلد، اعتبر فيها أن «أي إنكار للهولوكوست أو تقليل من تأثيراتها هو جريمة تشويه للتاريخ وإهانة لكرامة الأرواح البريئة التي أزهقت، لا بل هو إساءة لنا جميعاً، لأننا جميعنا ننتمي إلى الروح البشرية نفسها ونتقاسم الروابط الروحانية نفسها». وأثارت هذه الرسالة، حينها، ترحيب إسرائيل، التي أعربت، على لسان الناطق باسم وزارة خارجيتها، عن «تقديرها العميق» لتصريحات العيسى، متمنية «تضافر جهود الدول المجاورة من أجل إدانة المحرقة، وتفنيد الدعوات التي نسمعها من الإيرانيين».
والعيسى هو نفسه الذي قام، في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الفائت، بمعية السفير السعودي في فرنسا خالد بن محمد العنقري، بزيارة إلى أكبر كنيس يهودي في باريس، بدعوة من الحاخام الأكبر ليهود فرنسا، حاييم كورسيي، وحاخام كنيس باريس الكبير، موشي صباغ. ولم يستبعد صباغ، حينذاك، في حديث إلى صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية، أن تتم دعوته إلى زيارة السعودية. وسبقت زيارةَ العيسى إلى الكنيس تصريحاتٌ أدلى بها العيسى إلى صحيفة «معاريف» الإسرائيلية، اعتبر فيها أن «أي عمل عنف أو إرهاب يحاول تبرير نفسه بواسطة الدين الإسلامي مرفوض»، في إجابته سؤالاً عن العمليات التي تستهدف إسرائيل باسم الإسلام، مضيفاً أنه «منفتح على الحوار مع الأديان كافة، بما فيها اليهودية».
هذه اللافتة التي دأبت السعودية على استخدامها منذ سنوات في محاولتها تبرير أي تقارب مع إسرائيل (في وقت كانت توفر فيه الغطاء للدعوات التكفيرية والتحريضية ضد المذاهب الإسلامية المغايِرة للوهابية)، باتت اليوم شعاراً رئيساً من الشعارات التي ترفعها المملكة في ذودها عن حياض التطبيع. يوم الإثنين الماضي، وقف العيسى عينه خطيباً أمام «مؤتمر قادة أتباع الأديان والثقافات» الذي دعا إليه «مركز الملك عبد الله للحوار بين أتباع الأديان والثقافات» في فيينا خلال الأيام القليلة الماضية. أسهب الرجل خلال كلمته الافتتاحية للمؤتمر في الحديث عن ضرورة «التواصل الحضاري والتبادل الثقافي»، محاضِراً باسم المملكة، التي غذت على مدار عقود الفكر الرافض للاختلاف، في كيفية «إدراك طبيعة الاختلاف البشري، وضرورة احترامنا لحريات بعضنا البعض»، وأهمية القضاء على «الكراهية والتطرف والتطرف المضاد».
عقب ذلك بيوم واحد فقط، نشرت صحيفة «سبق» السعودية حواراً، وصفته بـ«المثير»، مع الحاخام اليهودي، بنخاس غولدشميدت، أشاد فيه الأخير بولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، معتبراً أنه «يقود بلاده نحو الازدهار… يقود السعودية والجيل الشاب من السعوديين نحو عالم حديث معاصر بقواسم إنسانية مشتركة». ورأى أن «على الفلسطينيين أن يقبلوا بوجود دولة إسرائيلية قائمة»، معرباً عن يقينه من أنه «سيكون هناك في يوم من الأيام سلام بين العرب واليهود، وهذا يعتمد على وجود القيادات السياسية القوية المؤمنة بالسلام… ووجود الضامن السياسي القوي والمحايد لمسار هذا السلام حتى يستمر».