الموقف الأمريكي رجّح كفة الإمارات والفار هادي يرفع الراية البيضاء: جزيرة سقطرى…. احتلال أمريكي بجواز سفر إماراتي
موقع أنصار الله || صحافة محلية || المسيرة: إبراهيم السراجي
بالتزامُــنِ مع ما قيل إنَّها رسالةٌ من حكومة الفار هادي لمجلس الأمن، تشكو من التوسّع العسكري الإماراتي في جزيرة سقطرى، كان الفار هادي أمس الأول في زيارة لمركز القيادة المشتركة لما يسمى “قُـوَّات التحالف” في العاصمة السعودية الرياض، ومن هناك بعث برسائلِ الشكر على حَـدٍّ سواء للنظامين السعودي والإماراتي على دورهما في “حماية الشرعية”، في إشارة واضحة على فشله في تحقيق أهدافه من وراء إثارة أزمة جزيرة سقطرى والمتعلقة برغبته في وقف تقويض سلطته لحساب المليشيات الأُخْـرَى.
منذ البداية لم تكن الأزمة التي أثارتها حكومة الفار هادي في سقطرى متعلقة بالسيادة ورفض الاحتلال، وإنما في توجه الإمارات نحو تقويض سلطة الفار هادي وحكومته التي فتحت أبواب اليمن للاحتلال وتقبل به في حضرموت وعدن وأبين وغيرها، لكنها رأت في ورقة سقطرى ببُعدها الجغرافي الاستراتيجي ورقة رابحة للضغط على الإمارات؛ بهدف وقف تقويض وجودها.
لجوءُ الفار هادي إلى توجيه الشكر للإمارات التي دفعت بمزيد من القُـوَّات إلى سقطرى في خضم الأزمة وفق ما ذكرت وكالة رويترز، جاء بعد ساعات من بيان الخارجية الأمريكية الذي جاء مضمونة لصالح الاحتلال الإماراتي، في الوقت الذي كانت السعودية تمنع الفار هادي من عقد اجتماع مع مستشاريه لاتخاذ موقف من الإمارات، كُـلُّ ذلك قاد الفار هادي للاستسلام مجدداً والقبول بالأمر الواقع.
فشلُ الفار هادي وحكومته رغم الاعتراف الدولي بهم، يؤكّدُ الدورَ الأمريكي الذي يقفُ وراء الاحتلال الإماراتي لجزيرة سقطرى، وهو ما تؤكّـده أيضاً ابتسامُ الكتبي، رئيسة مركز الدراسات السياسية الإماراتي (مركز حكومي) في مداخلة مع قناة بي بي سي البريطاني بأن التواجُدَ الإماراتي في جزيرة سقطرى بتنسيق كامل مع الأمريكيين، وهو تنسيق منح الإماراتيين ثقةً كبيرةً، لدرجة أن الكثير من المسؤولين الإماراتيين والمقربين من ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد بالغوا في التصريحات المتغطرِسة، بدءاً بالادّعاء بأن الإماراتيين تعود أصولهم الجزيرة اليمنية أو قولهم إنه ليس من حق حكومة الفار هادي التواجد في سقطرى، وصولاً بتصريحات، متحدية تؤكّـد أن الإمارات ستبقى محتلة لسقطرى رغماً عن الجميع.
في الظروف الطبيعية وعندما يكون هناك حكومة معترَف بها دولياً تشكو من تواجد عسكري لدولة أُخْـرَى فإن أية دولة أُخْـرَى يجب أن يكون موقفها، رافضاً لذلك في أقل تقدير، إلا في حال أن تلك الدولة تؤيد ذلك الاحتلال، وهو ما يعبر عنه بيان وزارة الخارجية الأمريكية بشأن الوضع القائم في جزيرة سقطرى، والذي لم يتطرق للأزمة هناك سوى في عنوان البيان.
الخارجية الأمريكية دعت في بيانها “مختلف أُمَـم النزاع إلى التركيز على العملية السياسية التي تقودها الأُمَـم المتحدة وتبنيها والعمل نحو هدف موحد يتمثل في جعل اليمن آمناً ومأموناً ومزدهراً”. تلك الدعوة كانت بمثابة دعم أمريكي واضح للاحتلال، إذ أنه يقول بطريقة أُخْـرَى: إن على حكومة الفار هادي عدم التركيز على الوجود العسكري الإماراتي في جزيرة سقطرى.
هل الإمارات قُـوَّةُ احتلال؟
يُجمِعُ مُعظمُ المحليين والخبراء الاستراتيجيين على أن الإمارات كدولة صغيرة ليست مؤهلةً للعب دور كبير في الصراع الدولي على النفوذ في الممرات البحرية، كما أن السفير الإماراتي في واشنطن يوسف العتيبة قال في لقاءٍ مؤخراً بأن بلاده شريك رئيسي للولايات المتحدة، مذكراً أن الجيش الإماراتي هو الوحيد في المنطقة الذي شارك بقُـوَّاتٍ إلى جانب القُـوَّات الأمريكية في أفغانستان والعراق وغيرهما.
ووفقاً للعقود التي كشفت عنها صحيفة “نيويورك تايمز” فإن القُـوَّات الإماراتية والأمريكية على حدٍّ سواء تعتمدان مؤخراً في التواجُد الخارجي على قُـوَّات من بلاك ووتر الأمريكية، بعد أن حصل الآلاف من عناصرها على الجنسية الإماراتية وهم جنود سابقون في الجيش الأمريكي وكذلك الولايات المتحدة التي سعت للتقليل من خسائرها الرسمية في الحروب عبر مرتزِقة بلاك ووتر، وبالتالي فإن الإمارات لم تقدم جديداً سوى أنها تكفّلت بجانب من قيمة العقود لاستئجار جنود البلاك ووتر لتحقيق أهداف أمريكية.
وكثيرة هي الأبحاث والتقارير التي تحدثت خلال الماضي حول أطماع أمريكا في جزيرة سقطرى الواقعة في الممر البحري الدولي الذي يربط بين دول المحيط الهندي والعالم، وهو الممر الذي تتصارع فيه قوى دولية كبرى لا يمكن أن تكون الإمارات طرفاً مستقلاً فيه، ما لم تكُن مجرد غطاء للنفوذ الأمريكي بل ومجرد ممول ينجز مهمة للمستعمر الحقيقي، وهو ما يؤكّـده الخروجُ الإماراتي المُذِلُّ من الصومال مؤخراً عندما فقدت الإمارات الدعمَ الأمريكي وعجزت عن مجابهة تركيا التي دخلت بقُـوَّة هناك.
دلالات الخروج الإماراتي من الصومال
تحت عنوان “مساعدة الصومال”، بدأ التواجُدُ الإماراتي قبل عدة سنوات في الصومال، حيث توجدُ حكومةٌ ضعيفة رضخت للدعم المالي المتواضع من قبَلِ الإماراتي وسمحت للأخيرة بالسيطرة على الموانئ وعقدت اتّفاقيات غير شرعية مع حكومة إقليم “صومال لاند” غير المعترَف بها دولياً، فأنشأت الإماراتُ هناك العديد من المليشيات على غرار ما تفعله في اليمن تحت شعار “بناء الجيش الصومالي”.
وفي تلك الفترة لم تكن الصومال قادرةً على مجابهة التوغل الإماراتي وتوسع نفوذه، لكن الشهور الأخيرة شهدت تحولات دراماتيكية أظهرت الحجم الحقيقي للإمارات عندما تواجه إحدى الدول الكبرى دون أن يكون هناك دعمٌ أمريكي لها، الأمر الذي أخرج الإمارات من الصومال من الباب الخلفي بعد أن صرفت المليارات لتوسيعِ نفوذها.
في هذا السياق، وفي ظل الأزمة الخليجية وتشكُّلِ محاورَ جديدةٍ تضم من جانب تركيا وقطر ودول أُخْـرَى ومن جانب آخر الإمارات والسعودية ودول أُخْـرَى أيضاً، فإنَّ تركيا استطاعت إقناعَ الحكومة الصومالية بمواجهة الإمارات، ومباشرة أعلنت الحكومة الصومالية رفضها للاتّفاقات التي وقعتها الإمارات مع حكومة “صومال لاند” وكذلك حل المليشيات المسلحة التي شكلتها الإمارات وقامت باحتجاز طائرة إماراتية محملة بالأموال وطردت قُـوَّاتها العسكرية من هناك ومنعتها من اصطحاب الآليات العسكرية.
وبدا أن الولايات المتحدة التي تشارك في تحالف يضم تركيا (حلف الناتو) لم تتدخل لحماية النفوذ الإماراتي في الصومال؛ ولذلك لم يجد النظامُ الإماراتي سوى حَزْمِ حقائبه والرحيل من الصومال، مكتفياً ببيان لوزارة خارجيته يعاتب الحكومة الصومالية على “نكرانها للجميل”.
إذن استطاعت تركيا أن تستحوذَ على “النفوذ الإماراتي” في أقل من أسبوع، منهيةً سنيناً من التوغل الإماراتي الفاقد للغطاء الأمريكي، وهو ما يؤكّـد أن الإمارات التي واجهت الموقف ذاته من قبل حكومة الفار هادي لكنها استطاعت البقاء بفضل الغطاء الأمريكي.