الكيان الاسرائيلي والأزمة السورية ؛ إنجازات وخسائر
موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية || الوقت التحليلي
شكّل الكيان الإسرائيلي منذ البداية أحد أهم العناصر الفاعلة في الأزمة السورية وسعى دائماً بطريقة مباشرة، وغير مباشرة للخروج من أي تطور يخصّ سوريا، بدور الكاسب أو بالحدّ الأدنى أقل الخاسرين، خاصة فيما يتعلق بمصالحه السياسية والأمنية، والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو ما الذي استطاعت تل أبيب تحقيقه بعد 8 سنوات من عمر الأزمة السورية وما هي الاستراتيجيات الموجودة للتعامل مع الدور التخريبي لهذا الكيان في سوريا.
في البداية نعرج على بعض المكاسب التي تسعى “إسرائيل” لتحقيقها من الأزمة السورية:
محاولة كسب الشرعية: كل الدول العربية كانت حتى الأمس القريب تعتبر “إسرائيل” كياناً غير شرعي مزروع في قلب الأمة العربية، والإسلامية، وخاضت ضدّه ثلاث معارك كبرى بشكل شبه جماعي 1948 و 1967 و 1973، بالإضافة إلى العمليات البطولية للمقاومة الفلسطينية على مدار الأعوام الماضية، ولكن الكيان الإسرائيلي يسعى حالياً إلى تعميم اتفاقية كامب ديفيد مع مصر، واتفاقية وادي عربة مع الأردن، بالإضافة إلى اتفاقية أوسلو مع منظمة التحرير الفلسطينية، بإبرام اتفاقية تطبيع جديدة مع الأنظمة العربية، ولاسيما دول مجلس التعاون الخليجي، وفي مقدمتهم النظام السعودي الذي غازل في أكثر من مناسبة كيان الاحتلال مستغلاً غياب الدور العربي المحوري الذي لطالما كان سدّاً منيعاً لمثل هذه الحركات ومن بينها سوريا.
إخراج القضية الفلسطينية من قائمة أولويات العالم العربي والإسلامي: تمكّنت تل أبيب خلال الأزمة السورية من سحب البساط من تحت أقدام الفلسطينيين، وإخراج قضيتهم من سلّم أولويات المواطن العربي الذي بات مشغولاً بأمنه، وتوفير المقوّمات الأساسية للعيش، والاستقرار، وهو ما تجلّى بشكل واضح في ضعف ردود الأفعال الشعبية على القرار الأمريكي الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الإسرائيلي.
زعزعة استقرار بعض الدول: على الرغم من أن بعض قادة الدول العربية والإسلامية، وفي مسعى منهم لإرضاء “الحليف” الأمريكي، بدؤوا يجاهرون علناً بوجود علاقات تطبيعية مع الكيان الإسرائيلي، لكن هذه الأنظمة على دراية جيدة بأن مستوى هذه العلاقات، والاتصالات ستكون سطحية نتيجة الرفض الشعبي الكبير، وعلى العكس تشجّع “إسرائيل” بعض الوجوه السورية، واللبنانية على الحديث علانية عن ضرورة التطبيع ما يؤدي إلى زعزعة الاستقرار السياسي والتماسك الأمني.
منع إنشاء التحالفات العربية الإسلامية: لا شكّ بأن الأزمة السورية سبّبت شرخاً كبيراً بين دول المنطقة و”إسرائيل” هنا عملت على توسيع هذا الشرخ، وبالتالي منع تشكيل أي تكتل قوي (سياسي أو أمني أو حتى عسكري) يضم طيفاً واسعاً من الدول الإسلامية لمواجهتها على المدى القريب نتيجة حالة التشرذم الموجودة.
دعم المعارضة السورية بشقّيها السياسي والعسكري: إذ عمدت تل أبيب ومنذ انطلاق شرارة الأحداث في سوريا إلى تقديم الدعم المالي والعسكري للمعارضة السورية من أجل تحقيق هدفين اثنين: استمرار الفوضى في سوريا من جهة، ومن جهة ثانية تشكيل جبهة حليفة داخل الأراضي السورية تكون مقدمة لتوفير الشرعية للكيان الإسرائيلي في المرحلة التالية.
أيضا وبالإضافة إلى الفوائد التي تمكّن الكيان الإسرائيلي من كسبها، فإن الأزمة السورية ألحقت ضرراً بالغاً بهذا الكيان، بعد فشله في إدارة حربه مع محور المقاومة:
تعزيز محور المقاومة: الأزمة السورية رسّخت بشكل واضح محور المقاومة، وأظهرت متانة، وقوة هذا التحالف الممتد من طهران إلى بيروت، وعلى وجه الخصوص تعزيز الدور الإيراني، ودور حزب الله اللذين أصبحا لاعبين يحسب لهما ألف حساب في المنطقة.
فتح جبهة الجولان: على الكيان الإسرائيلي أن يأخذ بالحسبان المقاومة السورية التي تشكّلت في جبهة الجولان المحتل، والتي بدأت مراسمها تتضح أكثر خلال الأيام القليلة الماضية بعد اعتراف “إسرائيل” بسقوط عشرات القذائف الصاروخية على مواقعها الأمنية في الهضبة السورية، وهذه الجبهة ستشكّل إذا ما رُبِطت بجبهة جنوب لبنان صداعاً كبيراً، وتهديداً وجوديّاً للكيان الإسرائيلي.
الحضور الايراني الجديد على الحدود: إذ تعتبر تل أبيب إيران أكبر تهديد وجودي لها، واتهمت أكثر من مرة القوات الإيرانية بإنشاء مراكز عسكرية متقدمة في الجنوب السوري، وعليه فإن ظنّ “إسرائيل” قد خاب بسقوط دمشق خلال السنوات الماضية، وأتت نتائج الانتصار السوري كما لا تشتهي السفن الإسرائيلية إطلاقاً.
في تلخيص لما سبق، يمكن القول إن الكيان الإسرائيلي، وباعتباره التهديد الرئيس للعالم الإسلامي والعالم العربي، حاول دائماً تهويل، وتعظيم الأزمات الداخلية في هذه البلدان من أجل تحقيق بعض المكاسب، والصيد في الماء العكر، وبالنظر إلى مكاسب وخسائر الكيان الإسرائيلي التي ذكرناها سابقاً من الأزمة السورية يجب علينا أن نلتفت إلى عدة نقاط مهمة ونسعى لتحقيقها بكل الوسائل المتاحة:
السعي لحلّ الأزمة السورية بشكل سريع، وبالتالي تفويت الفرصة أمام الكيان الإسرائيلي للاستفادة أكثر من حالة الفوضى تلك، فسوريا كانت وماتزال تشكّل المحور الأول للمقاومة في وجه هذا الكيان الغاصب.
محاولة حلّ كلّ النزاعات الداخلية في العالمين العربي، والإسلامي بشكل دبلوماسي، والقضاء على شبكة التحالفات التي حاكها الكيان الإسرائيلي على مدار الأعوام السابقة، مع بعض الأنظمة الرجعية ولا سيما مماليك النفط العربية.
تقوية وتعزيز محور المقاومة للوقوف بوجه التوغل الإسرائيلي في بعض أزمات الدول الإسلامية، والعربية، وإيلاء هذا المحور كل الإمكانيات المتاحة.
زيادة النشاطات والفعاليات في مختلف المجالات السياسية، والإعلامية وعلى كل المستويات المحلية، والإقليمية، والدولية، لإبراز القضية الفلسطينية كقضية إسلامية جامعة، وإعادة الزخم لها بالتوازي مع فضح الممارسات الإسرائيلي بحق الفلسطينيين، ما سيقلص كثيراً من مكاسبه التي حققها خلال الفترة الماضية.