كيف يدفع الأقصى شباب فلسطين للوصول إليه؟!

موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية || الوقت التحليلي

بعد بناء جدار “الفصل العنصري” عام 2002 على خلفية انطلاق انتفاضة الأقصى، أصبح الوصول إلى المكان المقدّس مهمة شبه مستحيلة يخوضها شباب فلسطين في كل مناسبة ليظفروا بلمس الأرض المقدسة ويتباركوا من المكان الذي دفعوا لأجله حياتهم لكي يبقى صامداً في وجه آلة القمع والإجرام الصهيونية.

 

اليوم أصبحت التدابير الأمنية مشددة أكثر من أي وقت مضى، خوفاً من أي ردة فعل فلسطينية على حادثة نقل السفارة التي لم يضمّد جرحها بعد، فضلاً عن كوننا نمرّ بشهر رمضان المبارك، الذي يتهافت فيه الفلسطينيون من كل أصقاع الأراضي المحتلة لكي يصلوا يوم الجمعة داخل ساحة المسجد الأقصى، الأمر محقق للبعض خاصة ممن تجاوزوا الأربعين من عمرهم أما من هم تحت هذا السن يناضلون للوصول إلى الأقصى عبر استخدام طرق محفوفة بالمخاطر وقد تكلف البعض حياتهم ومع ذلك هناك العشرات بل المئات ممن يسلكها.

 

في الأمس أحيا أكثر من 350 ألف مصلٍّ “ليلة القدر” وختم القرآن، في المسجد الأقصى بالقدس المحتلة وسط تدابير أمنية مشددة كانت قد شرعت سلطات الاحتلال الإسرائيلي بتطبيقها منذ ساعات الظهيرة، تخللها نشر الآلاف من الجنود وأفراد الشرطة، لمنع حدوث أي حالة تمرد أو هجوم مباغت أو عمليات تسلّل عبر الجدار الفاصل، ولكن لم تستطع في يوم أمس طائرات التصوير وأبراج جيش الاحتلال ودورياته الراجلة والمحمولة، وجداره المحصّن، منع العديد من شباب الضفة المحتلة، من تخطي كل هذه العقبات ودخول القدس المحتلة والصلاة في المسجد الأقصى.

 

أسباب التسلل إلى المدينة المقدسة كثيرة، لا تقتصر على الشبان فقط، فهناك العديد من السيدات والرجال والكهول يسلكون هذا الطريق لكي يصلوا إلى مدينتهم التي هجروا منها، وتعود أسباب عودتهم إلى الأقصى لبحثهم عن لقمة عيش داخل المدينة المقدسة وهناك من يشتاق لزيارة الأقصى وآخر لزيارة عائلته التي أُبعد عنها.

 

طرق الوصول إلى الأقصى

 

تسلّق الجدار الفاصل

 

أنجزت “إسرائيل” حوالي 70% من الجدار الذي يفصل بين الضفة الغربية ومدينة القدس والداخل الإسرائيلي، ويراوح ارتفاعه بين 8 و9 أمتار، أي ضعفَيْ ارتفاع جدار برلين، ومع ذلك لم يستسلم شباب فلسطين لكل هذه العنصرية، وبدؤوا يبحثون عن طريق لتجاوز هذا الجدار المرتفع، وبالفعل تمكّن هؤلاء الشباب من النجاح بذلك بمساعد “المهرب” وهو شاب فلسطيني يملك من الحيلة والدهاء ما يسهل له توفير فرص للتسلل إلى القدس.

 

وتكون مهمته على الشكل التالي: يضع المهرب السلم الخشبية أو الحبال على طول الجدار، وبعدها يقوم الشاب الذي يريد تسلق الجدار بالصعود على السلم بينما يقوم المهرب مع بقية الأصدقاء بمراقبة المنطقة المحيطة، وبعد الوصول إلى أعلى الجدار، يمرّ الشاب الفلسطيني عبر الأسلاك الشائكة، ليصل إلى حبل متين ممتد إلى أسفل الجدار من الناحية الأخرى، يحاول الجميع النزول رويداً رويداً، لكن يبقى الأمر محفوفاً بالمخاطر، فالعديد من الشباب الفلسطيني كُسرت ساقه أو يده أثناء القفز ومع ذلك يكمل مسيره حتى دخول الأقصى، ويمكن للون الحبل الأحمر من شدة الدماء أن يخبرك عن حال هؤلاء الشباب أثناء القفز.

 

ووفقاً لمراسل الأناضول، فقد قال الشاب عبد الله خيري: “منذ مساء أمس (الخميس) وأنا أعمل مع خمسة زملاء، على صناعة سلالم خشبية، وأحبال خاصة، لتسلق الجدار والوصول إلى الجانب الآخر منه، ومراقبة حركة الجيش حتى لا يغدر بالمصلين أو يقبض عليهم”، ويضيف “هذا الجدار (الفصل العنصري) لن يكون عائقاً بيننا وبين القدس”، ويجني خيري مبلغ 30 شيكلاً (الدولار= 3.82 شيكلات)، عن كل شخص مقابل خدمات استخدام السلالم.

 

مجاري المياه

 

طريقة صعبة جداً ومليئة بالمخاطر، خاصة أن شبكة مجاري المياه تحت مدينة القدس كبيرة ومعقدة، وبالتالي لا بدّ من معرفة مخططات هذه المجاري وجميع البنية التحتية في القدس، ورغم صعوبة هذه التجربة وبشاعتها يستخدمها أبناء فلسطين كرمةً لعيون مدينتهم التي حرموا من زيارتها.

 

ولكن ومع الأسف حتى هذه الطريقة لم يكتب لها أن تستمر بنفس الأريحية فقد اكتشف الجيش الإسرائيلي هذه الطريقة، فعمد إلى تسيير دوريات مراقبة على مدار الساعة في اليوم الواحد لمنع أي عملية تسلل، فضلاً عن إطلاقه قنابل الغاز والدخان داخل المجاري لمنع التسلل عبرها.

 

عن ليلة أمس

 

إحياء ليلة القدر في القدس له طابع خاص وأحاسيس لا يدركها سوى أبناء تلك المدينة والقادمون إليها، وبالرغم من كل الصعوبات التي ذكرنها سابقاً لوصول الشباب إلى المدينة المقدسة، إلا أنهم تمكنوا من الوصول، وأحيوا ليلة القدر إلى جوار إخوتهم في القدس.

 

في مقابل ذلك شهدت الحواجز المنتشرة حول القدس ومنها قلنديا مشادات مع جنود الاحتلال، من قبل الشبان الفلسطينيين الذين قدموا من أنحاء الضفة الغربية ممن قلّت أعمارهم عن الأربعين عاماً من دخول المدينة المقدسة، والتوجه إلى الأقصى.

 

هذا واقع أبناء فلسطين الذين لم يفقدوا روحهم الثورية ولا الحماسية في الدفاع عن مدينتهم وحقهم بالعيش فيها، فهي لهم ولأجدادهم ولن يتوانوا عن حمايتها بدمائهم الزكية التي أريقت على كامل أراضي فلسطين.

قد يعجبك ايضا