ضربة الحرس الثورة الإيراني على شرق الفرات… الرسائل الصلبة والناعمة
موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية || الوقت التحليلي
لا تزال أصداء الضربة الصاروخية النوعية التي نفّذها الحرس الثوري الإيراني على مقرّات داعش شرق الفرات (على تخوم مدينة البوكمال)، تعمّ العالم الذي انشغل بتفسير رسائلها الكثيرة والموجّهة لأكثر من طرف.
الضربة الصاروخية التي حملت اسم “ضربة محرم”، والتي كانت عبارة “يا حسين” كلمة سرّ إطلاقها، تسببت بمقتل 40 إرهابياً من قادة تنظيم داعش، من بينهم المتورطون بالتخطيط للعملية الإرهابية في مدينة أهواز الإيرانية الأسبوع الفائت، والتي ذهب ضحيتها شهداء عسكريون ومدنيون بينهم أطفال ونساء.
قوات الجو فضاء التابعة للحرس الثوري أعلنت في بيان لها أنها استهدفت مواقع قادة مرتكبي جريمة الأهواز الإرهابية بـ 6 صواريخ بالستية أرض ـ أرض متوسطة المدى، خلال الساعات الأولى من فجر اليوم الاثنين الماضي، لتقطع الصواريخ مسافة 570 كيلومتراً قبل أن تنهال على رؤوس الإرهابيين وقادتهم، كما أعلنت قوات جو فضاء أنه تم بعد ذلك استهداف مقرّات إسناد الإرهابيين بـ 7 طائرات مسيّرة، وتوعّد الحرس الثوري ببيانه كل من تسوّل له نفسه إلحاق الأذى والاعتداء على الشعب الإيراني.
هذه العملية والبيان الصادر عن الحرس الثوري بشأنها، تحمل العديد من الدلالات والرسائل والتي نسرد بعضاً منها من خلال بالنقاط التالية:
أولاً: لم تكن هذه الضربة الأولى للحرس الثوري بالصواريخ الباليستية على أهداف خارج إيران، بل سبقها في سبتمبر/أيلول الماضي ضربة بالستية على مواقع الإرهابيين في كردستان العراق، وفي حزيران/يونيو 2017 نفذ الحرس الثوري انطلاقاً من الأراضي الإيرانية، ضربة صاروخية على مقرات داعش في دير الزور ردّاً على اعتداء طهران الإرهابي آنذاك، وبذلك تكون إيران ثالث دولة في العالم بعد روسيا وأمريكا، التي تستخدم الصواريخ البالستية لضرب أعدائها خارج البلاد، طبعاً إذا ما استثنينا الضربة التي وجهها نظام العراقي أيام صدام للأراضي المحتلة في فلسطين إبان غزو الكويت، والتي لم تحقق أي غرض حقيقي، بل على العكس شكّلت ذريعة لفرض تعويضات من مبيعات النفط العراقي لمصلحة الكيان الإسرائيلي.
ثانياً: الدقة التي أصابت بها الصواريخ أهدافها تدل على التطور النوعي الحاصل في القدرات الصاروخية الإيرانية، إذ بعدما قطعت الصواريخ الإيرانية مسافة 570 كيلومتراً فوق الأرضي العراقية، أصابت أهدافها على أطراف البوكمال السورية بدقة، ثم قامت الطائرات المسيرة الإيرانية التي تواجدت في المكان بعد الهجوم، بعمليات قصف ما تبقّى من مواقع الإرهابيين، والتأكد من إصابة الأهداف بنجاح.
ثالثاً: الطائرات بلا طيار الإيرانية التي نفذت القصف على مقرات داعش، لم تكن سوى طائرات سيمرغ المتطورة إيرانية الصنع، وهي نسخة عن طائرات التجسس الأمريكية RQ170 التي دخلت واحدة منها الأجواء الإيرانية في عام 2012، واستطاعت القوات الإيرانية على إجبارها على الهبوط من خلال التشويش الالكتروني، والأهم من ذلك أن هذه الطائرات بلا طيار، قد انطلقت من الأراضي الإيرانية، وعبرت سماء العراق، لتصل إلى المناطق الشرقية في سوريا، وتنفذ عمليات القصف، لتعود مجدداً إلى المطار الذي انطلقت منه، فحسب الصور المنتشرة لهذه الطائرات، فإن الذخيرة كانت محمولة داخل الطائرة، وليس خارجها، أي إنها لم تكن من نوع “صاعقة” كم تصوّر البعض، ولكن كانت أكبر وأكثر قدرة على تجنب الرادارات، وهذه ليست بالأخبار الحسنة لأمريكا.
رابعاً: الاستخدام المتكرر لصواريخ “ذو الفقار” و “قيام” البالستية، يعني أنه لدى إيران مخزوناً كبيراً وكافياً من هذا النوع من الصواريخ لدرجة إطلاق ستة منها في آن واحد على هدف متواضع من الإرهابيين، في حين أنه كان بالإمكان إطلاق ثلاثة آلاف صاروخ صغير من داخل الأراضي السورية على مقرات الإرهابيين، بنفس التكلفة المادية التي تكلّفها عملية إطلاق الصواريخ البالستية.
خامساً: المنطقة التي جرى استهدافها بالضربات الصاروخية البالستية، هي مناطق وجود داعش في شرق الفرات على مقربة من القوات الأمريكية وحلفائها من قوات قسد، حيث تحشد القوات الأمريكية على تخومها عدداً كبيراً من المعدات والمدفعية والدعم الجوي، كما أن طائرات المراقبة الأمريكية لا تفارق المنطقة، وبعبارة أخرى تعتبر هذه المنطقة منطقة عمليات أمريكية، إلا أن الجمهورية الإسلامية قامت ومن دون أي تنسيق مع القوات الأمريكية، ليس بضرب مقرات داعش بالصواريخ البالستية فحسب، بل بإرسال طائراتها من دون طيار، لتحلّق مباشرة فوق المنطقة وتقوم بعمليات قصف.
سادساً: هذه الهجمات لن تكون الأخيرة، حيث جاء تصريح أمين سرّ مجلس تشخيص مصلحة النظام “محسن رضائي” مؤيداً هذا الأمر، إذ أكد في تغريدة له على تويتر أن هذه الضربة لم تكن إلا مجرد تنبيه للإرهابيين وأن العقاب الرئيسي قادم، ومن المؤكد أن الرد القادم سيكون جذرياً ليضع نهاية للأطماع الإرهابية بتهديد إيران، وينهي أي قدرة لهم على تنفيذ جرائم مماثلة.
سابعاً: أراد الحرس الثوري إيصال رسالة للجماعات التكفيرية مفادها أن وجود هذه الجماعات في منطقة جغرافية بعيدة، لن يسمح لها بالحفاظ على هويتها الفكرية والإعلامية والبقاء بأمان بعيداً عن الانتقام، وأن الجمهورية الإسلامية قادرة على الوصول إلى الإرهابيين في أماكن لا تخطر لهم ببال.
ثامناً: استطاعت إيران أن تثبت من خلال ضرباتها الصاروخية على مقرات داعش أنها لن تحسب حساباً للعربدة الإسرائيلية، والتهديدات الأمريكية، فالهدف الأساسي لهذه الضربات، وإن كان في الوهلة الأولى هو ضرب الجماعات التكفيرية، لكن الحقيقة هي أن الهدف والغاية الأساسية هو العدو القديم، أي الكيان الإسرائيلي وأمريكا، ففي الوقت الذي تتوعد أمريكا إيران وتتحدث عن فرض العقوبات، جاءت رسالة الحرس الثوري الإيراني خلال أقل من شهر، وهذا يدل على مدى جهوزية الجمهورية الإسلامية، ما يرتب على أمريكا ضرورة إعادة ترتيب خططها.
تاسعاً: أرادت إيران تذكير الإدارة الأمريكية التي توعدت بمنع تصدير النفط الإيراني، بأنه إذا ما تم منع الصادرات النفطية الإيرانية من مضيق هرمز، فلن تكون أي دولة قادرة على تصدير نفطها، وجاء الهجوم الصاروخي على داعش، لإيصال رسالة إلى ترامب بأن الصواريخ البالستية والطائرات بلا طيار الإيرانية، قادرة على إعادة هذا السيناريو في منطقة مضيق هرمز، وأن إيران ليست بحاجة للوجود المباشر في المضيق من أجل إغلاقه، بل إنها تملك الأدوات لمواجهة أي تهديد، وهذا يذكر بتصريح نائب قائد الحرس الثوري الإيراني، اللواء حسين سلامي: “إذا تجاوزتم خطنا الأحمر، لن نتردد في عبور خطوطكم الحمراء”، ويؤكد أن إيران ترسم خطوطها الحمراء بدقة وقادرة على تنفيذ كلامها.
يثبت الحرس الثوري مجدداً أنه يمتلك إرادة القول والفعل، وأنه قادر على تنفيذ الردع تجاه التحديات التي تواجهها الجمهورية الإسلامية، وإيصال رسائل صلبة وناعمة للأصدقاء والأعداء، بأن إيران لن تكون لقمة سائغة أمام الضغوطات.