تجاهل الخطر لا يدفع الخطر بل يجعله يقوى بشكل اكبر

|| من هدي القرآن  ||

الشيء المؤسف أنها – فيما يبدو – نفسية عربية عند العرب جميعا أنهم لا يحسبون أي حساب للخطر المقبل عليهم إلا بعد أن يطأهم ويقصم ظهورهم.. لكن أولئك هم إذا ما رأوا أن شيئا فيه خطورة عليهم محتملة احتمالا ولو واحد في المائة, ولو بعد مائة عام, هم من سينطلقون للقضاء على منابع ذلك الخطر.

 

ألسنا نسمع تهديد أمريكا؟ ومن المحتمل جدا أن تضرب السعودية, وتستولي على الحرمين كما استولوا على القدس.. فهل نحن منتظرون حتى يعملوا عملهم هذا ثم حينها سنصيح ونقول شيئا؟! ربما لو صرخ المسلمون من الآن – فيما أعتقد – لو صرخ المسلمون من الآن وارتفعت شعارات السخط التي توحي بسخطهم على أمريكا وإسرائيل من الآن لتوقفت أمريكا, وتوقفت إسرائيل عن أن ينفذوا الخطة التي يريدونها سواء ضد الحرمين, أو ضد أي شعب آخر.

 

هذه الصرخة وحدها التي نريد أن نرفعها, وأن تنتشر في أي مناطق أخرى وحدها تنبئ عن سخط شديد، ومن يرفعونها يستطيعون أن يضربوا أمريكا, يضربوها اقتصاديا قبل أن تضربهم عسكريا، والاقتصاد عند الأمريكيين مهم يحسبوا ألف حساب للدولار الواحد.

 

إن هؤلاء بإمكانهم أن يقاطعوا المنتجات الأمريكية, أو منتجات الشركات التي لها علاقة بالأمريكيين, وباليهود أو بالحكومة الأمريكية نفسها, وحينئذ سيرون كم سيخسرون؛ لأن من أصبح ممتلئا سخطا ضد أمريكا وضد إسرائيل أليس هو من سيستجيب للمقاطعة الاقتصادية؟ والمقاطعة الاقتصادية منهكة جدا.

 

بإمكاننا مثلا أن نستعيض بدل التدخين السجائر هذه – وكم يستهلك الناس من أموال كثيرة في السجائر – يمكننا أن نترك التدخين نهائيا, أو أن نستعيض عنها [بالتتن] ونعود إلى [المدايع] من جديد, ونترك التدخين تماما.. وكم سيخسرون فيما لو ترك الناس التدخين بمفرده. احسب كم سيستهلك أبناء هذه المنطقة من أموال في الشهر الواحد في التدخين وحده؛ لتعرف فيما بعد وأنت أمام سلعة واحدة من منتجاتهم كيف ستكون خسارتهم من منطقة واحدة.

 

هم يحسبون ألف حساب لهذه.. فلو رفع الناس الصرخة هذه في كل بلد فعلا لتوقفت أمريكا وإسرائيل عما تريد أن تعمله. لكنهم يهيئوننا نفسيا ليعرفوا ماذا سيحصل على مستوى الدول, وعلى مستوى الأفراد.

 

ضربوا أفغانستان ليعرفوا ماذا ستقول الدول الإسلامية.. لم يصنعوا شيئا، اللهم إلا استنكار لما يحصل على المدنيين استنكارا باردا، لكن هل هناك موقف؟.. لا, ضربوا العراق لم يحصل شيء, ضربوا فلسطين, الدولة الفلسطينية هذه, أو لم يكن العرب جميعا يبدون أكثر اهتماما بقضية فلسطين والدولة الفلسطينية؟ ضربوها هي!. ألم يضربوها ضربة قاضية؟ فلم يحصل شيء من جانب الدول.

 

اتجهوا إلى الشعوب أنفسها ليتجلى لهم واقع هذه الشعوب عن طريق زعماء هذه الشعوب أن اسكتوا, هنا إرهابيين, وهناك إرهابيين, وفي هذا البلد إرهابيين, وهنا إرهابيين! ولنمسك إرهابيين هنا, وإرهابيين في ذلك البلد! لنرى ماذا سيقول المواطنون, هل سيغضبون على الأفراد عندما يمسكون باسم أنهم إرهابيين ضد أمريكا؟. فإذا عرفوا بأنه لم يحصل غضب, ولم يرتفع صوت يصرخ في وجوههم, حينئذ سيطمئنون أنه لا حكومات, ولا شعوب ستقف في وجوههم. وبالتالي سيعملون ما يريدون, ويضربون أينما شاءوا.

 

أوليس هذا هو الذي حصل؟ يقال في اليمن: حدث أن مسكوا كثيرا من الإرهابيين, وفي مصر إرهابيين انطلقوا ليمسكوهم, وفي الأردن, وفي السعودية, وهنا وهنا وهناك، وإيران تتهم بأن لديها إرهابيين, إنه احتمال أفراد من تنظيم القاعدة تسربوا إلى إيران. هم يريدون أن يعرفوا, يجسوا نبض المواطن الإيراني نفسه ليعرفوا هل سيصرخ فيما لو حصل واكتشف أن هناك أحد.

 

بل يحتمل أن يصل أحد من عملائهم إلى داخل إيران من تنظيم القاعدة ليقال فعلا هناك إرهابيين داخل إيران. إذاً سيسلمون, يكون في ذلك جس نبض للمواطن الإيراني نفسه, حينها سيكونون قد اطمأنوا بأن المواطنين في كل بلد لم يصرخوا في وجوهنا عندما مسكنا بعضهم تحت اسم الإرهاب, أنهم إرهابيون ضد أمريكا.

 

عندما يتهمون البعض بأنه إرهابي ضد أمريكا، أليس هذا هو أكثر ما يمكن أن يثير سخطك؟. أن يمسك شخص يقال بأنه شديد في مواجهة عدوك، هل هذا هو مما يثير سخطك؟.

 

إذاً ليس هناك أي عنوان آخر يمكن أن يثير سخطنا إذا كنا لا نسخط.. إذا كنا لا نغضب.. إذا كنا لا نستنكر ولا نندد ولا نرفع شعار: الموت لأمريكا وإسرائيل، إذا ما مسك أشخاص تحت عنوان إرهابي ضد أمريكا فمتى ستصرخ؟ ومتى سيكون لك موقف؟.

 

هكذا يعملون بكل خبث على أن يجسوا نبض الدول ونبض الأفراد داخل كل شعب. ثم بغبائنا نحن بعد أن عرفنا في أيام الثورة الإسلامية في إيران أن هذا الشعار كان له أثره الكبير، بعد أن عرفنا أن هذا الشعار كان له أثره الكبير عندما كان يرفعه الإيرانيون في الحج, وكان ينظم معهم كثير من المسلمين ليرفعوا هذا الشعار، ثم نحن لا نرفعه!.

 

فمن هو عالم, من هو معلم, من يحمل اسم أستاذ داخل مركز هنا أو هناك ونحن لم نعي بعد أهمية أن نرفع شعارا كهذا فنحن ما نزال ناقصين فيما يتعلق بإيماننا ووعينا وفهمنا.

 

المؤمن يكون دائما يقضا, دائما مهتما, يبعثه اهتمامه على أن يعرف ماذا يخطط أعداؤه.. ماذا يعمل أعداء الأمة، ويعرف هو أيضا ما الذي بإمكانه هو والآخرين أن يعملوا ضد أعداء الدين، وضد أعداء الأمة، فأي مؤمن لا يعيش هذه الروحية فإيمانه ناقص, ووعيه ناقص.

 

إذاً فنحن بحاجة إلى أن نربي أنفسنا كيف نكون مؤمنين, ونكرر أن نعتمد بشكل كبير على الثقلين: القرآن والعترة.

 

ومن الضروري أيضا جداً أن نرفض تلك الفنون التي عرفنا, وكشفنا, واكتشف لنا بأنها كانت وراء كثير من السلبيات التي نحن عليها: [أصول الفقه] [وعلم الكلام] الذي على منطق المعتزلة, وبأساليب المعتزلة.. هذا شيء يجب أن نلغيه من داخلنا، وأن لا نلتفت إليه أبدا؛ لأنه هو الذي صرفنا عن الثقلين، هو الذي أعطانا النظرة المغلوطة عن الحياة, وعن الدين, وحتى عن الله سبحانه وتعالى.. فعلا, وحتى عن الله حصل لدينا نظرة قاصرة عن الله, وعن الدين, وعن علاقة الدين بالحياة، وربى كل فرد منا تربية فردية، جزّء ديننا, ثم جزّء أفرادنا، هذين الفنين.

 

في مجال التربية الإيمانية يجب أن نعود إلى القرآن الكريم, وإلى العترة, وعلى النحو الذي ذكر الإمام الهادي (صلوات الله عليه) ونحن نتحرك فيما بين القرآن والعترة على هذا النحو: القرآن يدل على العترة, والعترة تدل على القرآن.. وإلا فسنكون أيضاً شاهداً – ولو شاهداً مغلوطاً في واقعه – على أن الإسلام يقبل الهزيمة, وأن الإسلام لا يمكن أن يقف في وجوه أعدائه.

 

الزيدية لحد الآن أليسوا هم الذين يدعون بأنهم على حق، وأنهم الطائفة المحقة؟. إذا وقفوا مهزومين في نفسياتهم، إذا وقفوا ساكتين عن أن يكون لهم موقف ضد أعداء الله، أي موقف يكون باستطاعتهم أن يعملوه فإنهم من يشهدون على أنفسهم بأن ادعاءهم أنهم على الحق ادعاء غير صحيح.

 

أنه وإن كان ما يدعونه في واقعه كمبادئ حق لكنهم في أنفسهم ليست تربيتهم تربية تقوم على أساس ذلك الحق.

 

ولنواصل الحديث حول بعض فقرات هذا الدعاء المهم, دعاء [مكارم الأخلاق] للإمام زين العابدين (صلوات الله عليه) يقول (عليه السلام): ((اللهم صل على محمد وآل محمد ومتعني بهدى صالح لا أستبدل به, وطريقة حق لا أزيغ عنها, ونية رشد لا أشك فيها)). قضية الهدى قضية مهمة, وهي نفس المسألة التي نتعامل معها ببرودة، والكثير من الناس لا يهمه قضية أن يبحث عن كيف يهتدي، وأن يعرف من نفسه أنه يسير على طريق هدي الله، وأنه يتعلم هدى الله، وأنه يربي نفسه على أساس من هدى الله سبحانه وتعالى.

 

الإمام زين العابدين يدعو الله أن يمتعه؛ لأنها متعة فعلا أن تجد من نفسك أنك على هدى, وأنك على حق في اعتقاداتك, ومواقفك, تجد في نفسك طمأنينة هي السعادة بكلها، هي العزة, هي متعة, حتى متعة الحياة. ((متعني)) هيئ لي أن أتمتع بهدى صالح لا أستبدل به, كيف يكون قضية أن تتمتع بهدى صالح لا تستبدل به؟ عندما يكون هدى تحرص عليه, هدى تكون واعيا وأنت تتمتع به، فلا تتعرض لأن تستبدل به غيره, وهل هناك غير الهدى إلا الضلال {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ}(يونس: من الآية32) لا أستبدل به شيئا من الدنيا, لا أستبدل به شيئا من دعاوى الضلال التي تقدم تحت اسم هدى, تحت اسم دعوة إلى التوحيد.

في ظلال دعاء مكارم الأخلاق الدرس الثاني صـ 11ـ12.

 

قد يعجبك ايضا